علم اللامساواة: الفيزياء تفسر الفقر و التفاوت في الثروة بين البشر
قد يكون للتفاوت الذي يعصف بإقتصاديات الدول حول العالم تفسير بسيط أو كما يراه كذلك من الفزيائيين الذين تحولوا لدراسة الاقتصاد. فطبقاً لهؤلاء العلماء، لو نظرت لأي دولة فستلاحظ إن عموم الناس لا يكسبون شيئاً تقريباً، فالقلة فقط من بين الجموع تكسب (الكثير)، ويتناقص التوزيع بشكلٍ (أسي) بزيادة الدخل بين جميع الفئات باستثناء الأغنياء جداً، وتفسير ذلك يعود لسبب يماثل مفهوم (الإنتروبيا) في الفيزياء والذي يُعنى بقياس الإضطراب في نظامٍ فيزيائي كالغاز مثلاً. إذ تتغير حالة الغاز إلى أن تصل إلى أقصى حالة من الأنتروبيا، وكذلك فأن التداول أو إنتقال الثروة العشوائي في الاقتصاد يقوم على ضمان أن يتجه التوزيع بشكلٍ طبيعي إلى حالة التفاوت أو اللامساوة.
وطبقاً لهذه الحجة، فمن غير الممكن التغلب على القوى العشوائية للتوزيع الغير متكافئ حتى ولو أتبعت طرق التدخل الاقتصادي والسياسات الاقتصادية والإجتماعية تهدف للإرتقاء بالمستوى الاقتصادي أو ربما تعزيز ثروات جميع الأفراد، فالتقاسم العادل للدخل هنا أشبه بالهواء الذي يتساقط أو يهبط إلى الحيز الفارغ من كوب القهوة، وهذا تفسير قد يكون بعيداً عن أذهان الإقتصاديين ولكنه مقنع، وإن كان آخرون يتشككون في كون هذه الحجة تقدم أي صورة أو فكرة عن الاقتصاد.
تستند هذه الحجة إلى النظرية الحركية للغازات وهي نظرية يقدر عمرها بمئة سنة، وفي هذه النظرية تساءل الفيزيائيون: “ما هو أنسب توزيع لطاقة الجزيئات في الغاز؟” و بالرغم من أنه يبدو من المستحيل تحديد ذلك من دون تعقب الجزيئات، إلا أن حل ذلك اللغز بكل بساطة يكمن في حساب الطرق التي يمكن فيها لطاقة الغاز الكلية أن تتقسم بين الجزيئات، حيث يمثل الناتج الرقم الذي يحدد مقدار الإنتروبيا في الغاز. وأكثر توزيع محتمل للطاقة هو الذي يمكن أن يتحقق بأغلب مركبات طاقة الجزيئات المفردة، حيث يتضح إن التوزيع يكون توزيعاً أُسياً بشكلٍ أساسي، إذ تكون هناك الكثير من الجزيئات ذات الطاقة المنخفضة والقليل منها ذات طاقة عالية.
تستخدم هذه العلاقة في تفسير الدخل أيضاً. إفترض أنك تقوم بتوزيع مبلغ 500 مليون دولار على عشرة آلاف شخص، فالطريقة الوحيدة التي يمكن لك أن توزع فيها هذا المبلغ بشكلٍ متساوٍ على الجميع هي أن يكون للفرد حصة من خمسين ألف دولار، وبالتالي، فلو كنت توزع المبلغ بشكلٍ عشوائي فأن المساواة في التوزيع غير محتملة إلى حدٍ كبير، ناهيك عن أن هناك طرق لا تحصى لمنح الكثير من المال لقلة من الأشخاص وفي المقابل إعطاء مبلغ قليل أو لا شيء على الإطلاق للعديد منهم.
وفي الواقع، فأن معظم الطرق المطروحة لتوزيع الدخل تنتج توزيعاً أسياً له، وهكذا سينتهي بك المطاف لو تركت العشوائية الاقتصادية تتولى الأمر حتى ولو بدأت بطريقة توزيع مختلفة. وطبقاً للدراسات التي إستندت على بيانات الضرائب في بريطانيا والولايات المتحدة فأن الدخول والثروات تتبع منحنيات أسية في التوزيع، وتطابقت هذه البيانات مع البيانات الخاصة بالدخول في اليابان والسويد والإتحاد الأوربي.
وفي المقابل، لا يتقبل البعض من الإقتصاديين هذه الحجة، نظراً لتوقف علماء الاقتصاد عن توضيح الماهية المحددة للإقتصاد بالإستناد إلى توزيع الدخل منذ عقود خلت، إذ يقدر الإقتصاديين التفاوت بالإستناد إلى بيانات أولية دون الإعتماد على نماذج رياضية.
بالإضافة إلى ذلك، يتنبئ التوزيع الأسي للدخل بعددٍ أقل لكبار الأثرياء مما هو موجود في أغلب الإقتصاديات، وكذلك لا تفسر الحجة الأنتروبية توازن الثروة بين القلة القليلة من كبار الأثرياء وبقية الجموع من الناس. وهي إنتقادات مبينة على سوء فهم كما يرد مؤيدي الحجة الأنتروبية ويستندون في ذلك إلى أن دخل الفرد يرتبط بعوامل أخرى بدرجةٍ كبيرة بل وحتى أن توزيع الدخل في مجموعة من الناس ككل يبدو عشوائيا كما هو الحال بالنسبة لمسار الجزيئات في الغاز والتي يمكن توقعها من حيث المبدأ حتى وإن كان مسار جميع الجزيئات الأخرى ككل يبدو عشوائياً.
وحتى مؤيدي النظرية يرون ضرورة تقديم المزيد من البيانات، إذ أنها تفترض بان المجموع الكلي للدخل ثابت ضمن الفترات القصيرة على الأقل، و إن صح ذلك، يحتاج الإقتصاديون لتفسير كيفية نشوء هذه الحتمية، وبرغم ذلك يرون بأن التفسير الفيزيائي يفرض وجوده بقوة رغم ما يثيره من ضيق بشأن توزيع الدخول.