قد يبدو مصطلح الفولاذ الأخضر تناقضًا لفظيًا، لكنها عبارة ستتردد على مسامعنا أكثر في السنوات القليلة القادمة، ففي منتصف أغسطس 2021 استلمت فولفو AB في السويد المختصة بصناعة الشاحنات أول دفعة من الفولاذ الخالي من الكربون في العالم.
الأمر تجريبي فقط واستعراض إعلامي بعض الشيء، لكن شركة فولفو صرحت بأنها طلبت المواد للبدء بصناعة أسطول جديد من سيارات الفولاذ الأخضر.
وفقًا لشركة SSAB السويدية لتصنيع الفولاذ المسؤولة عن الفولاذ الأخضر عند الافتتاح: «يُعد هذا خطوة هامة نحو الاستغناء الكامل عن الوقود الأحفوري في كامل سلسلة الإنتاج بدءًا من التنقيب وحتى منتج الفولاذ النهائي».
أصبحت تقنية صناعة الحديد باستخدام الهيدروجين (HYBRIT) ممكنة بفضل مشروع مشترك بين شركة SSAB وشركة فيتينفال التي تملكها الدولة وشركة LKAB للتعدين التي تملكها الحكومة، ويُعد أحد أول المشاريع في العالم التي تحاول استخدام الهيدروجين المتجدد لإنتاج الفولاذ الأخضر في مصنع تجريبي في مدينة لوليا الشمالية السويدية، ويبدو أن الأمر تكلل بالنجاح. والهدف إظهار مقدرة برنامج HYBRIT على المستوى الصناعي بحلول عام 2026، وبما إن SSAB تنتج بمفردها 10% من انبعاثات الكربون في السويد حاليًا فقد يكون التأثير كبيرًا جدًا.
قال مارتن ليندفيست رئيس شركة SSAB ومديرها التنفيذي في تصريح حديث: «إنتاج الفولاذ دون استهلاك الوقود الأحفوري لأول مرة لا يُعد إنجازًا لشركة SSAB فحسب، بل يقدم برهانًا على إمكانية تحقيق هذا الانتقال والتقليل الملحوظ لأثر الكربون العالمي لصناعة الفولاذ. نأمل أن يلهم هذا الأمر الآخرين لتسريع عملية الانتقال الأخضر، تنتج الصناعات -وخصوصًا صناعة الفولاذ- انبعاثات ضخمة، لكنها جزء من الحل أيضًا».
يشبه الفولاذ الإسمنت بأنه إحدى تلك المواد الموجودة في كل مكان حولنا، ولا نلحظ وجودها حتى نبدأ بالبحث عنها فنراها أينما نظرنا، فهي على مائدة العشاء بهيئة أدوات المائدة، وفي توربينات الهواء على المرتفعات، وفي الجسور التي نعبرها كل يوم وفي المباني التي ندخلها والسيارات التي نقودها وعلب الطعام التي نشتريها. ويتطلب صنعه الكثير من الطاقة؛ إذ يحتاج كل طن من الفولاذ وسطيًا إلى نحو طنين من ثاني أكسيد الكربون، وتسهم صناعة الفولاذ بأكثر من 7% من انبعاثات الغازات الدفيئة عالميًا سنويًا، وهو أكثر بقليل من انبعاثات سيارات العالم أجمع. وبحلول 2050، ستكون صناعة الفولاذ في طريقها لاستهلاك 50% من ميزانية الكربون المسموحة لإبقاء الاحترار عند 1.5 درجة مئوية، ما يعني أنها مكان ممتاز للبدء بتقليص الانبعاثات.
ومع إن للفولاذ معدل تكرير يعد من الأعلى في العالم، فلا بد في النهاية من صنع المزيد منه لتلبية الطلب. قد نحرز تقدمًا هائلًا نحو أهدافنا المناخية إذا استطعنا تحقيق ذلك مع حماية أكثر للبيئة، فالغالبية العظمى من الفولاذ اليوم تُصنع في أفران الصهر بعملية تعتمد على الفحم وتسبب انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وبالوسع إدخال الهيدروجين ضمن العملية لتقليل تلك الانبعاثات.
تُستخدم طاقة الهيدروجين بالفعل للكهرباء والمركبات في بعض أجزاء العالم، لكن معظم الهيدروجين المستخدم لتكرير النفط والإنتاج الكيميائي مأخوذ من الوقود الأحفوري، ويأتي معظم الهيدروجين في الولايات المتحدة من الغاز الطبيعي.
تنتج جميع هذه الوسائل انبعاثات، لكن يوجد بدائل أكثر حماية للبيئة، فبالوسع صنع الهيدروجين من الطاقة النظيفة أيضًا، وإذا استُخدمت الكهرباء القادمة من توربينات الهواء أو الألواح الشمسية في فصل الهيدروجين عن الماء، يمكن عندئذ استخدام طاقتها لتخفيف خام الحديد إلى حديد معدني دون إنتاج أيّ انبعاثات كربون على الإطلاق.
وما زالت تكلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر تفوق تكلفة الوقود الأحفوري عدة مرات مع إنها تراجعت بمرور السنين، وقد وقفت التكلفة عائقًا أمام العديد من الأمم، إذ رفضت الحكومة الأسترالية مؤخرًا طلبًا لبناء أكبر مصنع هيدروجين وأمونيوم صديق للبيئة في العالم.
ولكن الاتحاد الأوروبي وضع هدفًا عام 2019، وهو أن يصبح حيادي المناخ بحلول عام 2050، ولتحقيق ذلك، يوجد 23 مشروع فولاذ هيدروجيني إما قيد التنفيذ أو على وشك البدء بالإنتاج في عدة بلدان. وقد تبيع هذه المشاريع في السنوات القادمة مئات الآلاف من أطنان الفولاذ الأخضر المصنوع دون أي وقود أحفوري.
تسليم الفولاذ الأخضر من برنامج HYBRIT هو خطوة أولى لكنه قد لا يكون أول ما يُطرح في السوق، إذ يخطط مشروع (H2 Green Steel) في السويد بناء مصنع هيدروجين متجدد وصنع فولاذ أخضر بحلول عام 2024، وقد وعد الرئيس جو بايدن في الولايات المتحدة بتخفيض تكلفة الهيدروجين الأخضر ليتمكن من منافسة الغاز الطبيعي. وإذا توفر الفولاذ الأخضر للشراء في أوروبا في السنوات الخمس القادمة، فلن يطول الأمر حتى تطالب الأمم الأُخرى بالشيء ذاته حتمًا.
قال جان موستروم رئيس شركة LKAB ومديرها التنفيذي: «سنمكّن صناعة الفولاذ من التحول بتصنيع هذه التكنولوجيا في المستقبل والانتقال إلى إنتاج الحديد الإسفنجي على نطاق صناعي، هذا أعظم شيء يمكننا القيام به معًا من أجل المناخ».
اقرأ أيضًا:
تكنولوجيا تتيح طاقة شمسية لا نهائية ستغير المستقبل بشكل تام
ترجمة: ربيع شحود
تدقيق: محمد حسان عجك