من السهل ان يعتقد الشخص بالفراسة. ففي احيان كثيرة نرى شخصا ونعطي ملاحظة عن شخصيته من الوهلة الاولى وعادة ما يدعى هذا بأنه قراءة الوجه.
هذه الفتاة غزلية، هذا يبدو شابا جيدا؛ اراهنك ان هذا محامي والى غير ذلك من الانطباعات. ولهذا السبب يمتلك “الوسطاء الروحيون” وقراء الطالع وفتاحي الفال اعمالا حتى الان.
غير ان هذا ليس من الفراسة. ليست اي من الصفات التي التقطتها تعتمد على تركيبة الوجه. كل ما التقطته يعتمد على التعابير الوجهية، التي توضح السلوك، درجة الثقة، اللباقة.
انت ترى ايضا تسريحة الشعر والملابس، التي تأخذ الملاحظات منها حول الخلفية الاجتماعية للشخص، مهنته، طبيعة الناس الذين يلتقي معهم، قد يكون لديهم وشوم او يرتدون حلياً، وهذا بالطبع بعيد عن ادعاءات قراءة الوجه والفراسة.
مبروك لقد عرفت الكثير الان عن الأشخاص واستخرجت معلومات كثيرة من النظرة الاولى، صار من السهل الآن أن تعرف كيف يعمل الكثير من مدعي الفراسة.
ومن الطرائف العلمية ان تشارلز داروين (Charles Darwin) عندما صعد الى سفينة البيكل (Beagle) سخر منه القبطان روبرت فيتزروي (Robert Fitzroy) الذي كان يؤمن بالفراسة قائلا (ان رجلا مع انف كهذا لا يمكن ان تكون له طاقة) ثم عقب لاحقا بعدما رأى داروين قائلا (لكن جبينه انقذه) حيث كان يؤمن القبطان بما يعرف بالانف الكسول.
يبقى للانطباع الاولي دور كبير رغم ما يقال عن عدم الحكم على الكتاب من غلافه، في غضون 1/10 من الثانية من رؤية وجه غير مألوف نكون قد كوننا حكما عن صاحب الشخصية هل هو مهتم، موثوق، عدائي، منفتح، تنافسي وهكذا. وحالما يتكون الحكم الحاد، فإن يصبح من الصعب زحزحته.
حقائق قليلة ونتائج غير مؤكدة حول قراءة الوجه والفراسة
وكما وضحت تجربة مجلة (New Scientist) ان الاشخاص المختلفين من الممكن ان يكونوأ حكما متشابهين حول وجه معين فإن الاشخاص يتصرفون وفقا لحكمهم هذا.
السياسيون مع المظهر التنافسي لديهم فرص أكبر بان يتم انتخابهم، ومدير الشركة الذي يبدو اكثر هيمنة هو اكثر احتمالية لأن يدير شركة رابحة. الجنود ذوو الاشكال الطفولية او الاشكال العطوفة يميلون لأن يتم إسنادهم إلى وظائف تتطلب العناية. والجنود الذين يمتلكون وجوها مهيمنة يميلون للحصول على الرتب العسكرية بشكل اسرع وهكذا.
كما ان هناك الهالة حول الوسامة. الأشخاص الوسيمون ينالون المزيد من المعجبين او المعجبات غير انهم يتم تصويرهم في نفس الوقت بعدم الالتزام, التنافسية الاجتماعية, الاستجابة الجنسية، القوة، الصحة، الذكاء.
إنهم ينالون الافضل من جميع النواحي. بدءا من كيف يحييهم الناس وانتهاءا بتعامل النظام القضائي معهم. لكن مهلا هل هذه الاحكام صحيحة؟ هل الاشخاص الذين يبدو عليهم الهيمنة مهيمنون فعليا؟ هل ذوو الوجوه الطفولية سذج؟ هل ننتخب الزعماء الاكثر تنافسية؟
يقول عالم النفس الكساندر تودوروف في جامعة برينستاون (Alexander Todorov of Princeton University) ان نقول ان الناس يلتقون حول احكام معينة بخصوص الوجوه امر يختلف كثيرا عن ان نقول ان هناك صلة بين الوجه وشئ حقيقي في شخصية الفرد.
تجربة في جامهة ميشيغان (University of Michigan) حول خمسة خصائص في الشخصية تم تشخصيصها لـ 84 شخص وتم اجلاسهم سوية في صمت لـ 15 دقيقة وجدت تطابقا جزئيا لتشخيص هؤلاء الناس لشخصيات بعضهم لـ 3 صفات.
غير ان ما تمت مؤاخذته على هذه التجربة هو ان الاشخاص كانوا يرون ملبس وتصرفات الشخص المقابل التي قد تساعد في الحكم.
فقامت تجربة اخرى في جامعة سانت اندروز (University of St Andrews) في بريطانيا وجامعة ستيرلينك (University of Stirling) ايضا في بريطانيا لكل من انثوني ليتل (Anthony Little) و ديفيد بيريت (David Perrett) فقاموا بعد ان وجدوا نقطة الضعف في الدراسة السابقة بعرض صور لوجوه اشخاص فقط غير انهم ايضا وجدوا ترابطا بين المظهر الوجهي والشخصية حسب احكام المشاركين والصفات الحقيقية ولكن لصفتين من بين الصفات الخمسة، وهما الانفتاح (extroversion) والاجتهاد (conscientiousness).
[في تجربة اخرى استطاع الناس صياغة نموذج لوجه شخص من بحسب حزبه في مجلس العموم البريطاني من خلال عرض مجوعة من الوجوه ذات سمات وجهية معينة ثم فحص وجوه الاعضاء الفعليين ومقارنتها بالصفات الافتراضية واتت النتيجة بالايجاب لصالح اختيار المشاركين حيث نجحوا في فرز صفات حزب العمال مقابل حزب المحافظين وهي تعطي انطباعا قريبا ايضا من صفة الانفتاح المذكورة في التجربتين السابقتين.اي اننا قد نكون قادرين على تمييز صفات معينة محدودة وعامة في وجوه الناس حسبما رأينا في هذه التجارب الثلاث].
هذه التجارب اقترحت ان حكمنا على الشخصيات قد يتضمن خيط من الصحة حول شخصية وجه معين، وهناك تجارب اخرى لم تجد اي روابط مع الشخصية حينما حاولت ان تربط صفات اخرى للشخصية.
مثلا صاحب الوجه نزيه او مخلص، هذه الصفة فشلت التجارب بربط صلة لها.
لماذا نقرأ الوجوه بهذه السرعة؟ هل قراءة الوجوه ميزة تطورية؟
يقترح ستريس ليتل (Stresis Little) ان الحكم يكون سريعا جدا وثابتا – لانه بالتأكيد يكشف عن امور معينة بالشخصية – وان التطور شحذنا باتجاه ذلك.
ويدعم ذلك الدراسة حول لاعبي هوكي الجليد المنشور بواسطة جستن كاريي (Justin Carré) وجيرل مكورمك (Cheryl McCormick) من جامعة بروك في اونتاريو (Brock University) حيث وجدوا ان اللاعبين الذين لديهم مساحة اكبر لعظام الوجنات بالنسبة للمساحة بين الجبين والشفة العليا هم اكثر تعرضا للعقوبات نتيجة قيامهم بالافعال العنيفة اثناء اللعب وبالنتيجة حصولهم على عقوبات جزاء لايقاف عن اللعب بالدقائق.
كما وجد في الدراسة نفسها رابط بين نسبة الهورمون الذكري المقاس في اللعاب ونسبة الارتفاع الى العرض في الوجه.
واذا كان كذلك فإن الرجال المهيمنين الاكبر حجما والاضخم يكونون اكثر ميلا لان تكون وجوههم دائرية اكثر واننا متكيفون تطوريا لنحكم على هؤلاء بأنهم اكثر عدائية لانهم اكثر احتمالية ان يهاجموننا.
يقول كاريي ان الوجه هو احدى الاشياء التي نستخدمها لقراءة نوايا الاخرين تجاهنا.
ليس هذا فحسب فعالمة النفس في جامعة برانديس في ماساشوسدس تقول ايضا ان العديد من حالات الحكم على الوجوه ليست دقيقة وان قراءتنا للكتاب من غلافه تتضمن الكثير من التعميم.
من التجارب الرائدة في تكوين الوجوه بصفات مختلفة هي البرنامج التجاري فيس جين FaceGen وقد استخدم في تكوين وجوه من اصدارات واشكال مختلفة ولوحظ في تجربة الكساندر تودوروف (Alexander Todorov) ان الناس يختارون الوجوه الاكثر انثوية والاكثر خضوعا على انها اشكال اكثر موثوقية وقد استنتج تودوروف من ذلك ان الناس يثقون بالاشكال وفقا لتعميم بأن الاقل نية في ايذائهم او الاقل قدرة على ذلك هم الاكثر موثوقية.
ولبيريت (Perrett) تجربة مثيرة للاهتمام وتتضمن بأن توقعاتنا قد تقود الاخرين للتصرف على النحو الذي نتوقعه مثل معاملة شخص على انه غير موثوق فإنه سيتصرف بذلك الشكل.
ودعم فكرته كل من كونراد لورينز (Konrad Lorenz) الحاصل على جائزة نوبل و زيبرويتز الذي يقول ان الاطفال والرجال ذوي الوجوه الطفولية يحفزون مركزا شعوريا في الدماغ، في اللوزة (amygdala) بشكل متشابه.
وبالمقابل فإن ذوي الوجوه الطفولية كمعدل غالبا ما يكونون اكثر توكيدا، عدائية، واكثر ميلا للحصول على الدرجات الاكاديمية والمداليات العسكرية.
زيبرووتز تدعوه (تأثير نبوءة هزيمة الذات) (self-defeating prophecy effect) الرجل ذو الوجه الطفولي يكافح لارباك التوقعات بالفشل.
وهناك نظرية اخرى تقول بأننا وبسبب تأثيرا الوالدين نتقولب وفق اشكالنا ويدعم هذه النظرية الدراسة القائمة قبل عقدين التي وجدت ان الاشخاص الغاضبين الكبار في السن يميلون لان ينظروا بشكل غاضب حتى عندما تسألهم ان يظهروا تعبيرا محايدا.
فحياة من التقطيب والتجهم لابد ان تترك اثرها.
أما جامعة نيويورك فكان لها دراسة بهذا الشأن خلصت الى بنية الوجوه العظمية لا تؤثر ولا بأي شكل على الاطلاق على شخصية الانسان، و انما فقط على كيفية رؤية الناس له.
فعلى ثبيل المثال الوجه قد يعطيك انطباع ان الشخص امامك بسيط، بريء و محم بينما هو قاتل متسلسل.
النتيجة هي فقط سيكولوجية على المتلقي و ليس على صاحب الوجه.
ماذا عن لغة الجسد وما علاقتها ؟
لغة الجسد ام مختلف عن الفراسة وقراءة الوجه إذ ان ما يعرف بلغة الجسد يختص بقراءة التعابير لا الاجزاء الفسلجية ومع ذلك فما تتعلق بلغة الجسد منها ما للعلم رأي واثبات به ومنها ما لا يعدو عن اعتباره معرفة مرتبطة بثقافة معينة لا يمكن اعتبارها علم قائم مرتبط بجميع البشر.
كيف تستغل العلوم الزائفة والمحتالين قراءة الوجه؟
ستعرض العلوم الزائفة والمحتالين الفراسة وقراءة الوجه بطرق متعددة منها ايديولوجية و منها ما يأتي مخلوطًا مع التجارب العلمية التي تستخدم وتحور بالشكل الذي يناسبهم.
مثلا قد يستفيد شخص من مروجي العلوم الزائفة من التجارب المذكورة حول الرابط بين العدائية وهيئة الوجه من خلال ذكرها مع ما يروج له بأن العين الفلانية تحمل معاني الذكاء والانف الفلاني يحمل معاني الكسل.
الخلاصة: الفراسة وقراءة الوجه خرافات
الفراسة وقراءة الوجه خرافة كقراءة الكفين او القدمين او اي عملية ربط بين الهيئة الفسلجية للجسد مع سلوكه او تركيبته النفسية.
باستثناء تلك الصفات التي يثبت العلماء وجود ارتباط جيني لها مع هورمونات معينة او خصائص فسلجية معينة بحيث يمكن ان يكون هناك ارتباطا بين صفة الوجه الفلانية او صفة الجسد الفلانية مع السلوك الفلاني او الصفة النفسية الفلانية.
كما ان نسبة ما اثبته العلم من هذه الصفات لا يؤهل لاجراء قراءة لوجه اي شخص فهي حقائق متباعدة قليلة صعبة الاثبات الا بعد تجارب مكلفة مقابل نتائج قليلة الاهمية.
بخلاف ما يدعيه مروجي العلوم الزائفة والعرافين من قدرات حول قراءة الوجوه والفراسة حيث يكادون ان يمتلكوا معجما من الصفات مع ربطها بالوجوه والاجساد دون اي دليل علمي.
- تحرير: عيسى هزيم.
- المصدر الأول
- المصدر الثاني
- المصدر الثالث