ميدوسا شخصية من الميثولوجيا الإغريقية، والغرغونة الفانية الوحيدة من بين أختيها الخالدتين ستينو ويوريال. وُلِدَت الغرغونات الثلاث لإله البحر فريجيا والأخطار الخفية في الأعماق وإلهة الوحوش البحرية وأهوال البحر سيتو.
يذكر هزيود في قصيدته ثيوغونيا أن ميدوسا وأختيها هن أخوات غراي* اللواتي عشن «ما وراء أقيانوس (النهر الذي يتدفق حول العالم الذي كان مسطحًا عند الإغريق) عند حافة العالم ليلًا حيث هيسبيريدس ذوات الأصوات الواضحة» (ثيوغونيا).
غالبًا ما ذُكرت الأخوات الثلاث معًا، لكن كانت ميدوسا هي من صُورَت عمومًا في الفن والأدب الإغريقيين. يأتي اسم ميدوسا من الكلمة اليونانية التي تعني المتجهم والشرس والمريع أو مشتق من الفعل اليوناني الذي يعني أن تحمي أو تحرس الذي يتناسب مع الخاصية الدفاعية لوجه الغرغونة المعروفة بتميمة غورغونيون*.
تنبع شهرة ميدوسا من القصة التي تروي ملاقاتها حتفها على يد البطل بيرسيوس الذي قطع رأسها بمساعدة الإله هيرميس والإلهة أثينا. تشكل قصيدة ثيوغونيا لهزيود أقدم رواية عن موت ميدوسا، وتروي بالتفصيل حادثة قطع رأسها وتصف ولديها بيغاسوس -الحصان المجنح- وخريسوس العظيم اللذين انبثقا من رقبة ميدوسا.
يشير ذكر رأس الغرغونة ميدوسا في ملحمتي الأوديسا والإلياذة لهومر –اللتان كانتا بالأصل جزءًا من الموروث الإغريقي الشفهي قبل أن تُدونَا في وقت ما في القرن الثامن قبل الميلاد- لتاريخ طويل لشخصية الغرغونة ميدوسا المعقدة.
بيرسيوس وميدوسا
على مر الزمن، طرأ التغيير على حكاية ميدوسا من عدد كبير جدًا من كتَّاب وشعراء قدماء كتبوا عن قصتها. تشتهر ميدوسا بشعرها على شكل أفاعٍ وقدرتها على تحويل الناس إلى حجارة بمجرد النظر إليهم.
يروي الشاعر هي هزيود -الذي عاش في القرن الثامن قبل الميلاد- مضاجعة بوسايدون لميدوسا في مرج ربيعي غض، في حين يروي أوفيد (43- 17 قبل الميلاد) -الشاعر الروماني الذي جاء بعد هزيود بسبعمائة عام- القصة ذاتها تقريبًا وإن اختلفت الشخصيات؛ إذ يغتصب نبتون (الإله الروماني الذي يقابل بوسايدن لدى الإغريق) ميدوسا في ضريح مكرَّس للإلهة منيرفا (التي تقابل الإلهة أثينا عند الإغريق)، وانتقامًا منها على تدنيس ميدوسا مزارها، تحوِّل منيرفا شعرها الجميل لأفاعٍ.
زبدة القول، إن الشعراء القدماء قد قدموا ميدوسا على أنها وحش منذ ولادتها، شأنها في ذلك شان أختيها، لكن يشير كتَّاب لاحقون إلى أن ميدوسا كانت في البداية حسناء باهرة الجمال حوَّلتها إما منيرفا أو أثينا إلى وحش.
تشتهر ميدوسا بواقعة موتها على يد بيرسيوس ويروي أبولودرس القصة بالتفصيل الممل. في هذه القصة فإن بيرسيوس هو ابن الإله زوس الذي غيّر شكله لمطر من ذهب ودانا التي حبسها والدها أكريسيوس بعد أن أخبرته عرافة أن ابنها سيقتله. وعندما علم أكريسيوس أن بيرسيوس قد وُلِد، وأنه ابن عظيم الآلهة، أقدم على وضع دانا ووليدها بيرسيوس في صندوق ورماه في البحر. يرسو الصندوق أخيرًا عند شاطئ جزيرة سيروفوس ويربي ديكتيس -شقيق بوليدكتس ملك الجزيرة- بريسيوس.
يقع بوليديكتس في حب دانا، لكن بيرسيوس يكون شديد الغيرة ومتمسكًا بوالدته، لذلك يضع الملك خطة ليخدع بيرسيوس؛ إذ يجمع شعبه لإقامة مأدبة في حيلة جمع تبرعات لزواج هيبوداميا مُروّض الأحصنة. عندما يصل بيرسيوس من دون حصان كهدية بناء على أمر من بوليد يكتس، يطلب الأخير منه -عوضًا عن ذلك- أن يحضر له رأس ميدوسا الغروغونة الفانية الوحيدة أملًا منه في فشل بيرسيوس في ذلك.
في أثناء رحلته، يحرس الإلهان هيرميس وأثينا بيرسيوس. يقال إن أثينا قد ساعدت بيرسيوس في قتل ميدوسا لرغبة الأخيرة في أن يُقارن جمالها بجمال أثينا. تمنح بعض الحوريات بيرسيوس صندلًا ذا أجنحة وجرابًا يُعرَف بكبيسس ليحفظ رأس الغرغونة ميدوسا بعد قطعه وعباءة الإخفاء الخاصة بـ هايدس. إضافة إلى ذلك، يقدم هيرميس لبيرسيوس منجلًا ماسيًا شديد الصلابة.
يصل بيرسيوس أخيرًا إلى منزل الغرغونات في أثناء نومهن. وبينما يراقب الأخوات النائمات، توجه أثينا يده وهو ينظر إلى انعكاس الغرغونات على درعه البرونزي حتى لا يتحول إلى حجارة حال نظرت إليه إحداهن في حال استيقاظهن. يقطع بيرسيوس رأس ميدوسا بالمنجل وينبثق من رأسها المقطوع بيغاسوس الحصان المجنح وخريسوس. يضع بيرسيوس رأس ميدوسا في كيبيس، إلا أنه وفي أثناء مغادرته، تستيقظ الأختان الأخريان وتحاولان مطاردته، ولكن ينجح بيرسيوس في الإفلات منهما بفضل ارتداءه عباءة الإخفاء.
رأس ميدوسا
يستغل بيرسيوس رأس ميدوسا بعد ذبحها في عدة مناسبات. تشير بعض الروايات المختلفة لقصة أريدان وثيسيوس وديونيسوس أن أرتميس قد قتلت أريدان، ويقول آخرون إن بيرسيوس قد حوَّلها بالخطأ إلى حجر بعد إعلان دينويسوس الحرب عليه.
استخدم بيرسيوس رأس ميدوسا لإنقاذ أندروميدا التي رُبطَت إلى حجر لتقدم قربانا إلى وحش البحر كيتوس بعد أن زعمت والدتها أنها أجمل من نيريد التي غضبت غضبًا عظيمًا بعد سماعها ذلك وكان بوسايدن -إله البحر- في صفها. تمثلت الطريقة الوحيدة في إيقاف الفيضانات التي أطلقها بوسايدن إضافة إلى وحشه بالتخلي عن أندروميدا. أغرم بيرسيوس بأندروميدا لحظة رؤيته لها؛ لذلك ذبح وحش البحر وحررها.
بقيت مشكلة واحدة وهي أن أندروميدا كانت مخطوبة لعمها فينوس، فما كان من بيرسيوس إلا أن حوَّله إلى حجر مستخدمًا رأس ميدوسا. وعندما عاد إلى بيرسيفوس، حوَّل بوليد يكتس وأهله إلى حجارة أيضًا ونصَّب ديكتيس ملكًا. أخيرًا يسلم بيرسيوس رأس ميدوسا لأثينا التي وضعته في قلب مزارها المعروف بإيجيس لتوقع الرعب في قلوب أعدائها.
هوامش:
- أخوات غراي: في الميثولوجيا الإغريقية، فإن الأخوات غراي (العجائز عند ترجمتها للإنجليزية) أو النساء الرماديات أو الساحرات الرماديات هن ثلاث أخوات تشتركن في عين واحدة وسن واحدة.
- غورغونيون: في اليونان القديمة، غورغونيون كانت تميمة خاصة لصد الشر وإبعاده عن حاملها تُظهر رأس غرغونا. اشتهر باستخدامها الإلهان الأولمبيان أثينا وزيوس ويقال إن كليهما ارتديا غورغونيون كقلادة واقية وغالبًا ما صُوروا وهم يرتدونها.
اقرأ أيضًا:
زيوس كبير الآلهة اليونانية: معلومات وحقائق
كل ما تود معرفته عن الإله الإسكندنافي «ثور»
ترجمة: طارق العبد
تدقيق: نور عباس