تُعد بيتكوين العملة المشفرة الأصلية الرائدة في قطاع العملات الرقمية، وقد وصل أعلى سعر لها إلى 68,000 دولار أمريكي في نوفمبر 2021 حين كانت القيمة الإجمالية لسوق العملات المشفرة قريبة من 3 ترليون دولار أمريكي. ولكن مؤخرًا هبطت قيمة معظم العملات المشفرة بنسبة 70% وسجلت بيتكوين سعرًا أقل من 18,000 دولار أمريكي.
وهنا يطرح سؤال : هل هو مجرد انهيار آخر في تقلبات سوق العملات المشفرة؟ أم أنها بداية النهاية لهذا النوع من الأصول البديلة؟
عندما ظهرت البيتكوين أول مرة في 2009 كانت نوعًا جديدًا من الأصول، وبينما كان التداول ضئيلًا في البداية، أدّى ارتفاع الأسعار إلى دفع قيمة هذا الأصل إلى نحو 20,000 دولار أمريكي في أواخر عام 2017. وحدث ذلك عندما انجذب الكثير من مستثمري التجزئة إلى العملات المشفرة لتكون ملاذًا آمنًا مقابل فئات الأصول الأخرى.
ومع نمو السوق، ازدادت أيضًا مجموعة الفرص الاستثمارية: لعقود الآجلة وعقود الاختيار المالية (العقود المالية لشراء أصل أو ورقة مالية أو بيعهم بسعر أو تاريخ محدد)، وهي أداة استحواذ شائعة مستخدمة في أسواق أخرى مثل النفط أو سوق الأسهم. في ديسمبر 2017 أُدرِجت أول عقود بيتكوين آجلة في بورصة منظمة لدى بورصة خيارات مجلس شيكاغو، ثم لحقها خيارات بيتكوين في بورصة شيكاغو ميركانتيل في يناير 2020. وقد وصلت فترة التوسع هذه قمتها بإطلاق أول صندوق تداول بورصة (ETF) بالبيتكوين في أكتوبر 2021، ما يوفر للمستثمرين التعامل بالبيتكوين دون الحاجة إلى شرائها من بورصة العملات المشفرة.
القبول المتزايد للعملات المشفرة
في الوقت نفسه، تزايد قبول القطاع المالي التقليدي للعملات المشفرة بوصفها فئة أصول مشروعة. وجدت دراسة أجريت عام 2021 عن الهيئات الاستثمارية أن سبعة من كل 10 يتوقعون شراء الأصول الرقمية أو الاستثمار فيها في المستقبل. ولكن هذا المزيج من النضج والقبول أدى إلى زيادة الارتباط بين سوق الأوراق المالية والعملات المشفرة، ما أدى إلى انخفاض خصائص هذا الملاذ الآمن.
فُصِلت البيتكوين إلى حد ما عن الأسواق المالية التقليدية في أيامها الأولى، ولكن عندما أصبح القطاع مجرد أصل آخر، بدأ يتأثر بنفس عوامل الاقتصاد الكلي التي تؤثر على الأسواق التقليدية، فكان لقرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي برفع أسعار الفائدة بنسبة 0.75% في يونيو لمكافحة التضخم المتزايد، إضافة إلى الحرب المستمرة في أوكرانيا، والارتفاع اللاحق في أسعار النفط، تأثيرًا سلبيًا على قطاع العملات المشفرة في الأشهر الأخيرة، إضافةً إلى تأثير خطوات تنظيم هذا القطاع.
ولكن لم تكن عوامل الاقتصاد الكلي وحدها سبب هذا التراجع في العملات المشفرة، في مايو ويونيو من 2022 تراجعت قيم العملات المستقرة، وأوقفت منصة تداول العملات المشفرة الرئيسية بينانس عمليات سحب البيتكوين مؤقتًا بسبب معاملة عالقة، وجمدت منصة الإقراض سيلسيوز نتوورك عمليات السحب والتحويلات بحجة ظروف السوق القاسية.
وسط هذا الاضطراب، صوّت مستخدمو منصة بلوكتشين العامة سولانا مؤقتًا للسيطرة على ما يسمى بحساب الحوت(وهو أكبر حساب في المنصة بحوالي 20 مليون دولار أمريكي) لمنع مالك الحساب من تصفية مراكزه ودفع الأسعار إلى الانخفاض أكثر.
أدت هذه العوامل مجتمعة إلى تراجع ثقة المستثمرين في القطاع، مؤشر Crypto Fear & Greed هو تقريبًا عند أدنى مستوى له على الإطلاق عند 9/100، ما يشير إلى الخوف الشديد، كان المؤشر عند 75/100 عندما وصلت عملة البيتكوين إلى أعلى مستوى لها في نوفمبر 2021.
توقعات سوق العملات المشفرة
إذن ما الذي يحمله المستقبل لفئة الأصول البديلة هذه؟ كما هو متوقع في بيئة نظام العملات المشفرة، فإن نطاق الآراء متطرف الأوجه. إذ يرى بعض الناس أن تصحيح السوق هذا هو الوقت المناسب للشراء بأسعار منخفضة، ويعتقد آخرون أن هذه هي نهاية العملات المشفرة.
يستطيع متداولو بيتكوين دائمًا العثور على إشارات إيجابية في السوق، ويستخدم الكثير منهم المقاييس المعتمدة على السلسلة (وهي إشارات التداول بناءً على البيانات المأخوذة من معاملات بلوكتشين العامة) لتحديد الأوقات المناسبة للشراء. في الآونة الأخيرة، تشير المقاييس الشائعة مثل MVRV (القيمة السوقية إلى القيمة المحققة وهي نسبة تظهر أسعار العملات الحالية مقابل متوسط أسعار العملات) إلى أن البيتكوين على وشك بدء فترة صعود استنادًا إلى التاريخ الماضي. ومن ناحية أخرى، قد يكون هذا مجرد تحيز يبحث فيه المستثمرون عن إشارات تؤكد معتقداتهم.
يجادل آخرون بأن هذا مجرد مثال واحد آخر في سلسلة طويلة من فقاعات العملات المشفرة المتفجرة وهي دورة نموذجية لسوق التشفير. كانت المقارنات مع انهيار الدوت كوم عام 2000 منتشرة في السوق، لكن المتحمسين للعملات المشفرة يجادلون بأن الفرضية الأساسية لأسهم الدوت كوم كانت صحيحة، من حيث أن الإنترنت كان اتجاه المستقبل. إنهم يعتقدون أن الشيء نفسه ينطبق على البيتكوين، ويتوقعون أن القطاع سوف يتعافى.
لقد درس الاقتصاديون الفقاعات عدة قرون، لكن الأدلة تظهر أن الكثير من الأصول لم تسترد أبدًا النقاط العالية بعد انفجار فقاعة السوق. حيث شبّه بعض هؤلاء الاقتصاديين (مثل وزير العمل الأمريكي السابق روبرت رايش) تقلبات العملات المشفرة بمخططات بونزي، أي ستنهار في النهاية إلا بحال تنظيمها.
من المؤكد أن كون العملات المشفرة أصلًا لامركزيًا متاحًا للتداول بحرية مع عدم وجود حواجز أمام الدخول يتعارض مع الإجراءات الأخيرة، فتحركات مثل تجميد بعض المنصات لعمليات السحب لن تسير بشكل جيد مع عشاق العملات المشفرة. إضافةً إلى ذلك، فإن الارتباط المتزايد بين العملات المشفرة وفئات الأصول الأخرى يقلل من قيمتها كأداة تنويع، في حين أن الاهتمام المتزايد بالعملات الرقمية للبنك المركزي يهدد بمزيد من إضعاف جاذبية العملة المشفرة لمستثمريها الأساسيين.
تواجه العملات المشفرة أيضًا تحديات تتعلق باستخدام الطاقة والخصوصية والأمان. ليس من الواضح ما إذا كان يمكن حل هذه المشكلات دون تآكل العناصر التي جعلت العملات المشفرة شائعة في المقام الأول. الإطلاق الأخير للولايات المتحدة لمؤشر Bitcoin ETF قصير المدى، والذي يمكّن المستثمرين من الاستفادة من الانخفاضات في سعر البيتكوين، سيشجع المستثمرين على الحفاظ على مراكزهم وتداولهم مقابل البيتكوين.
يشبه الاستثمار في العملات المشفرة ركوب أفعوانية مع ارتفاعات كبيرة تليها انخفاضات مفاجئة. التقلبات شيء يجب الاعتياد عليه، والفقاعات والانهيارات شائعة، وتوجد آراء خلافية حول الفوائد البيئية والأخلاقية والاجتماعية. لقد اختبر الانخفاض الحاصل في هذا السوق إرادة حتى أشد المتحمسين للعملات المشفرة، والنصيحة في النهاية هي ربط حزام الأمان لأن هذه القصة لم تنته بعد.
اقرأ أيضًا:
ما المقصود بمصطلح الانهيار الاقتصادي
ما المقصود بمصطلح القوة الاقتصادية للدول؟
ترجمة: صقر التركاوي
تدقيق: مهدي أعور
مراجعة: محمد حسان عجك