نشر العلماء في جامعة كونيكتيكت بحثًا لهم في مجلة Nature Communications (Lees-Shepard et al. 2018, NatComms 9, 471)، وهو يصف اكتشاف نوع الخلية المسؤولة عن خلل التنسّج الليفي المُعظِّم المترقّي-Fibrodysplasia Ossificans Progressiva (FOP)، وهو مرض وراثي نادر تحلّ فيه العظام تدريجيًّا محلّ العضلات الهيكلية والأنسجة الضامة مثل الأوتار والأربطة.
هذا النمو العظمي، الذي يُدعى التعظُّم المُنْتَبِذ (تتشكّل العظام في أماكن خاطئة منفصلةً عن الهيكل العظمي الطبيعي)، يُمكن أن يتفعّل نتيجة عقبات بسيطة في الحياة اليومية، كالتمنيع (اللقاحات)، والأعمال السنية، وأذيّات الأنسجة البسيطة الأخرى التي تكون غير هامّة بالنسبة للأشخاص العاديين.
بالإضافة إلى أنّ الآفات العظمية الجديدة تتشكّل غالبًا دون مُطلِقات-Triggers معروفة (وهنا نسمّيه التعظّم المُنتبِذ التلقائي أو العفوي-Spontaneous).
يبدأ المرض عادةً في مرحلة الطفولة المبكّرة، حيث يكون تشكيل العظام تدريجيًّا وتراكميًّا.
لا تُوجَد أدوية مُتّفَق عليها لعلاج مرض (FOP)، ولا يمكن إزالة العظام غير المرغوبة جراحيًّا، لأنّ هذا سيثير نمو عظام جديدة أخرى بسرعة كبيرة.
يعاني مرضى (FOP) تدريجيًّا من عجز دائمٍ ومترقٍّ، كنتيجة تراكمية لتوزّع العظام غير الطبيعية على نطاق واسع.
هذا «الهيكل العظمي الثانوي» يتعارض مع وظيفة العضلات الهيكلية، ما يؤدّي إلى إقفال مفاصل رئيسية وثانوية، والتحامات في النواتئ الشوكية، ومضاعفات أخرى تؤدّي بشكل خطير إلى انخفاض متفاقم في نوعية الحياة، وتتداخل مع الأنشطة اليومية، ما يؤدّي إلى الوفاة المبكرة.
يُشار غالبًا إلى مرض (FOP) باسم متلازمة الرجل الحجري-Stone Man Syndrome، وذلك بسبب صلابة الجسم وجموده الناتجَيْن عن الهيكل العظمي الثانوي المغلِّف.
في عام 2006، اكتشف علماء بكلية الطب في جامعة بنسلفانيا السببَ الجينيّ لمرض (FOP).
وبصورة ملحوظة، في دراستهم البارزة (Shore et al. 2006, Nature Genetics 38: 525)، وبالمتابعة السريرية من قبل مجموعات مختلفة، تبيّن أنّ الأغلبية الساحقة من الحالات سببها حدوث تغيّر في حمض أميني في مستقبلات ACVR1 على سطح الخلايا.
بعد عقد من الزمن تقريبًا، وجدت فرق بحثية مستقلّة في شركة Regeneron (Hatsell et al. 2015, Sci Transl Med 7: 303) وجامعة كيوتو (Hino et al. 2015, PNAS 112: 15438) اكتشافًا رائدًا في مرض (FOP)؛ مفاده أنّ بروتين الأكتيفين-Activin المثبِّط في الحالة الطبيعية يصبح محفّزًا قويًّا لمستقبلات سطح الخلايا الطافرة.
عندما يرتبط بروتين الأكتيفين في البيئة النسيجية مع المستقبلات الطافرة، تُنقل الإشارات الجزيئية إلى داخل الخلية، ما يوجّه الخلية لتكوين العظام. ولكن حتّى وقت قريب، كانت هوية الخلايا المسؤولة عن المرض مجهولةً.
ولتحديد المستقبلات المسبّبة للمرض، سمحت جامعة كونيكتيكت للباحثين باستخدام الهندسة الوراثية لإنتاج الفئران التي تحمل طفرة مرض (FOP)، وباستخدام طرائق وسم الخلايا (التي تُدعى أحيانًا بتقفّي سلالة الخلايا-Lineage Tracing) مع تقنيات تنميط الخلايا، حدّد فريق البحث هوية الخلية المُتّهَمة، وهي خلية تُعرَف بالسلَف المكوّن للشحم والليف-Fibro/adipogenic progenitor (FAP).
وبشكلٍ ملحوظٍ، لخّصَت فئران (FOP) – التي عبّرت عن المُستقبِل الطافر في خلايا (FAP) تحديدًا – كلّ الأشكال الكبرى لمرض (FOP) البشري، متضمّنةً الشكل المحرَّض بالأذية والشكل العفويّ، وأيضًا التعظّم المنتبذ في كلّ الأماكن التشريحية الأساسية الموصوفة عند مرضى (FOP).
لقد كان تورّط خلايا (FAP) في مرض (FOP) غير متوقَّعٍ، فقد كانت هذه الخلايا – التي حُدِّدت هويتها بشكل مستقلّ في دراسات سابقة – معروفةً بقدرتها على تكوين الأنسجة الضامّة والدهون، ولكنّ قدرتها النشيطة على تكوين العظام كانت مجهولة.
تحت الظروف الفيزيولوجية الطبيعية، تمتلك العظام المتضرّرة قدرةً هائلةً على التجدّد، ما يؤدّي إلى استعادة شكلها ووظيفتها الطبيعية.
تتجدّد العظام بوساطة الخلايا الجذعية الخاصّة بالعضلات والتي تسمّى الخلايا الساتلة (التابعة)-Satellite Cells، وتشير بعض الأدلّة إلى أنّ الوظيفة الفيزيولوجية الطبيعية لخلايا (FAP) هي تسهيل التجدّد الذي تقوده الخلايا الساتلة.
لكن في حالة (FOP)، يتغيّر المسار التطوّري للعضلات الهيكلية بحيث تحفّز الأذيّة نموّ عظمٍ جديد بدلًا من إثارة استجابة العضلات التجديدية النشيطة.
يحاول الباحثون الآن فهم كيف يمكن لتغيّر حمضٍ أمينيٍّ وحيدٍ في المُستقبلات التي عبّرت عنها الخلايا (FAP) أن يدفعها لتكوين العظم، وكيف أنّ إعادة برمجة الخلايا تثبّط عملية تجدّد العضلات.
إذا استطاع الباحثون فهم هذه المشكلة في علم الأحياء التطوّري، فسيصبح بإمكانهم أن يتداخلوا علاجيًّا بواسطة العلاجات الهدفية (الموجّهة لخلايا محدّدة) لحصر المسار المرضيّ الذي تتّبعه هذه الخلايا في مرض (FOP).
في حين يصل التعظّم المُنتبِذ لأشدّ أشكاله في (FOP)، فإنّه يمكن أن ينتج عن أنواع محدّدة من أذيّات الأنسجة الرخوة والجراحات.
في الحقيقة، تقدّر الدراسات الوبائية بين عامة الناس معدّل وقوع يساوي 10-20% لحالات التعظّم المنتبذ التالية للأذيّات الرضّيّة.
وإنّ الإصابات المتنوعة مثل أذيّات الجهاز العصبي المركزي، وإصابات الأنسجة العميقة الناتجة عن الرياضة، واستبدال مفصل الورك الكامل، والحروق هي مُطلِقات واضحة.
أضف إلى ذلك أنّ التعظّم المنتبذ شائع كنتيجة للجروح الانفجارية في الأطراف بين أفراد الجيش.
وعلى الرغم من ضرورة إجراء المزيد من البحوث لتحديد مدى تورّط خلايا (FAP) في الحالات غير الوراثية من التعظّم المنتبذ، فمن المتوقّع أن الدروس المستفادة من الدراسات حول مرض (FOP) وبيولوجية الخلايا (FAP) ستكون قابلةً للتطبيق على نطاق أوسع بالنسبة لمرض التعظّم المنتبذ بين عامة السكان.
هذه النتائج موضّحة في المقالات المذكورة؛Stem cells and heterotopic ossification: Lessons from animal models المنشورة حاليًّا في مجلة Bone ((Lees-Shepard and Goldhamer 2018, Bone 109, 178 وActivin-dependent signaling in fibro/adipogenic progenitors causes fibrodysplasia ossificans progressiva المنشورة حاليًّا في مجلة Nature Communications (Lees-Shepard et al. 2018, NatComms 9, 471).
أُجري العمل على الخلايا المسؤولة عن مرض (FOP) من قبل فريق البحث الذي قاده ديفيد ج. غولدهامر David J. Goldhamer من جامعة كونيكتيكت.
- ترجمة: محمد طارق
- تدقيق: اسماعيل اليازجي
- المصدر