بدأ الناس باستعمال المعادن فدخلوا ما يُطلق عليه «العصر البرونزي»، حينها استُبدِلت بالأدوات والأسلحة الحجرية أدوات وأسلحة مصنوعة من البرونز، وكان السومريون -في الشرق الأوسط- أول من فعل ذلك.
شهِد العصر البرونزي العديد من الإنجازات التقنية مثل اختراع العجلة إضافةً إلى ابتكار أول أنظمة الكتابة، وقد بدأ العَصر البرونزي في الشرق الأوسط ومناطق من آسيا سنة 3300 ق.م. واستمر حتى 1200 ق.م. حين انتهى بسقوط عدد من الحضارات المهمة في الوقت ذاته تقريبًا.
أخذ البشر -على الأرجح- بصهر النحاس نحو 6000 ق.م. في الهلال الخصيب، أو المنطقة المسماة «مهد الحضارة»، وتقع في الشرق الأوسط حيث اكتُشفت الزراعة وأُنشِئت أولى المدن في العالم.
أدوات العصر البرونزي
قد تكون الحضارة السومرية أول حضارة تضيف القصدير إلى النحاس لتصنع البرونز، وهو أقوى من النحاس وأمتن، ما جعل منه معدنًا أفضل لصناعة الأدوات والأسلحة. ويشير الدليل الأثري إلى أن التحول من النحاس إلى القصدير جرى نحو 3300 ق.م. فأنهى العصر الحجري الذي سبق بداية التاريخ واستُعملت فيه الأدوات والأسلحة الحجرية بكثرة.
دخلت المجتمعات المختلفة العصر البرونزي في أوقات مختلفة، فبدأت الحضارات في اليونان باستعمال البرونز قبل 3000 ق.م، بينما لم تدخل الجزر البريطانية والصين هذا العصر إلا في 1900 ق.م و1600 ق.م بالترتيب. وتميز عصر البرونز بنشوء الدول والممالك إذ ضُمت تجمعات بشرية كبيرة إلى بعضها لتحكمها حكومة مركزية واحدة يرأسها حاكم قوي، ثم تفاعلت دول العصر البرونزي مع بعضها عن طريق التجارة والحرب والهجرة وانتشار الأفكار، وكانت أبرز ممالك العصر البرونزي سومر وبابل في العراق وأثينا في اليونان.
وصل العصر البرونزي إلى نهايته نحو 1200 ق.م. حين تعلم البشر صهر معدن آخر يفوق البرونز قوةً، وهو الحديد.
حضارات العصر البرونزي
سومر
بحلول الألفية الرابعة قبل الميلاد، كان السومريون قد أسسوا لأنفسهم نحو 12 مدينةً في العراق القديم، من أشهرها المدينتان الجنوبيتان: إريدو وأوروك.
أطلق السومريون على أنفسهم تسمية «ساغ-غيغا» وتعني «سود الرؤوس»، وكانوا من أول من استعمل البرونز، مثلما كانوا أول من أنشأ السدود وحفر قنوات الري، وقد ابتكروا الخط المسماري، وهو أحد أول أشكال الكتابة في العالم، وبنوا الزقورات، وهي الأهرام المدرّجة العظيمة.
اهتم السومريون بالآداب والفنون. تتبع القصيدة الملحمية المكونة من ثلاثة آلاف سطر «ملحمة كلكامش» مغامرات ملك سومري يحارب وحش الغابة وأسئلته حول الحياة الأبدية.
بابل
تقع بابل وسط العراق، وقد برزت أهميتها إبان العَصر البرونزي نحو 1900 ق.م، بعد أن استوطنها الأموريون، وقد اشتهر ملكها حمورابي بإصداره شريعة هي من بين الأقدم في العالم والأكثر اكتمالًا، وقد ساعدت شريعة حمورابي بابل في التفوق على المدينة السومرية أور لتصبح أقوى المدن في المنطقة.
آشور
كانت آشور إحدى أهم القوى السياسية والعسكرية في بلاد الرافدين، وقد امتدت -في فترة صعودها- بين العراق شرقًا وتركيا غربًا ومصر جنوبًا، وكثيرًا ما حارب ملوكُ آشور فراعنةَ مصر والإمبراطورية الحيثية في تركيا.
تُنسب الدولة إلى اسم عاصمتها الأولى آشور، الواقعة على الضفة الغربية لنهر دجلة شمال العراق.
الصين
في الصين، وُجدت حضارات العصر البرونزي الصينية حول النهر الأصفر في أثناء حكم سلالتَي شانغ (1600-1046 ق.م) وزو (1046-256 ق.م)، فدخل البرونز في صناعة العربات والأسلحة والأواني باستعمال قوالب لصب القطع، في حين استعملت باقي ثقافات العصر البرونزي طريقة الشمع المذاب، إذ صنع الصينيون نماذج للقطع المُرادة ثم غطوها بقالب من الطين، ثم كانوا يقطعون القالب الطيني إلى أجزاء يُعاد حرقها بالنار لينتج عن ذلك قالب مسبوك واحد.
اليونان
أصبحت بلاد الإغريق القديمة مركزًا نشطًا في منطقة البحر المتوسط إبان العصر البرونزي، وقد بدأ ذلك العصر هناك بالحضارة الكيكلادية التي قامت في الجزر التي تحمل نفس الاسم، الواقعة جنوب شرق البر اليوناني في بحر إيجة نحو 3200 ق.م.
بعد بضعة قرون، ظهرت الحضارة المينوية في جزيرة كريت، وتُعدُّ هذه الحضارة أول حضارة متقدمة في أوروبا، وكان أهلها تجارًا يصدرون الأخشاب وزيت الزيتون والنبيذ والأصباغ إلى مصر وسوريا وقبرص وبر اليونان، ويستوردون المعادن والمواد الأولية عمومًا مثل النحاس والقصدير والعاج والأحجار الكريمة.
ظهرت الحضارة الميسينية (الموكيانية) في البر اليوناني نحو 1600 ق.م.، وازدهرت ثقافتها خلال العصر البرونزي المتأخر في مدنها الرئيسية: ميسينيا وطيبة وأسبرطة وأثينا. ارتبطت أساطير إغريقية كثيرة بميسينيا فجعلت مؤسسها هو البطل الإغريقي بيرسيوس الذي قطع رأس ميدوسا، وذكرت إلياذة هوميروس أن الملك الميسيني أغاممنون غزا مدينة طروداة، مع أن السجلات التاريخية لا تذكر ملكًا ميسينيًا بهذا الاسم.
انهيار العصر البرونزي
انتهى العصر البرونزي فجأةً سنة 1200 ق.م. في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأوروبا البحر المتوسط، ولا يعرف المؤرخون الأسباب وراء انهيار دول العصر البرونزي بالضبط، لكن العديد منهم يرى أنه كان مفاجئًا وعنيفًا ومدمرًا للثقافات التي كانت قائمةً.
سقطت حضارات العصر البرونزي الرئيسية في مدة قصيرة، وشمل ذلك سقوط الحضارة الميسينية في اليونان، والإمبراطورية الحيثية في تركيا، ومصر القديمة، فهُجرت المدن العتيقة وضاعت الطرق التجارية وازدادت معدلات الأمية في المنطقة.
يرى الباحثون أن مجموعةً من الكوارث الطبيعية تضافرت لإسقاط عدد من إمبراطوريات العصر البرونزي. فحسب الدليل الأثري، ضربت موجات من الجفاف الشديد منطقة شرق المتوسط في الفترة بين 1250 و1100 ق.م، ما ساهم في الانهيار، وترافق ذلك مع الزلازل والمجاعات والاضطرابات السياسية والاجتماعية وغزوات القبائل البدوية، أدت كل هذه العوامل دورًا في سقوط دول العصر البرونزي وثقافاته.
اقرأ أيضًا:
مدينة بابل: معلومات عن العاصمة البابلية
ترجمة: الحسين الطاهر
تدقيق: آية فحماوي