يكتشف العلماء يومًا بعد يوم كواكب جديدة تعيش أعمارًا طويلة. تمكن العلماء من رصد نجم من نوع القزم البرتقالي، على بعد 280 سنة ضوئية، داخل مجرة درب التبانة، يُسمى تي أو آي -561 وهو أحد النجوم شديدة القدم الموجودة في المجرة، إذ استطاع العلماء بمتابعة هذا النجم ورصده العثور على 3 كواكب تدور حوله، أحدها يتم دورة كاملة خلال عشر ساعات ونصف فقط، وحجمه أكبر مرة ونصف من كوكب الأرض.
من المعروف أن قرب الكوكب من شمسه يجعله غير قابل لنشوء الحياة وتطورها عليه، وإن كان كوكبًا صخريًا مماثلًا في تكوينه لكوكب الأرض أو الزهرة أو المريخ، إذ يتوقع العلماء أن يؤدي قرب الكوكب من النجم إلى بلوغ درجات الحرارة فيه نحو 2480 كلفن، ما يجعل الكوكب مغلقًا مديًا، مع محيط من الصهارة على الجانب النهاري منه.
مما أدهش العلماء بشأن هذا النظام الشمسي البعيد عمر كواكبه. صرح عالم الفلك لورين وايز من جامعة هاواي: «إن النظام النجمي تي أو آي-561 من أقدم النجوم الموجودة في الكون، إذ تتجاوز أعمار كواكبه 10 مليارات عام، وتُعد بذلك من أقدم الكواكب الموجودة في الكون».
يضيف وايز: «يُثبت اكتشاف مثل هذه الكواكب أن الكون يدعم نشأة الكواكب الصخرية منذ 14 مليار عام، وهو عمر الكون ذاته».
أطلق العلماء على الكواكب الثلاثة المكتشفة حول النجم: تي أو آي-561 بي، و تي أو آي-561 سي، و تي أو آي-561 دي.
تمكن علماء وكالة ناسا بواسطة تلسكوب الفضاء TESS من اكتشاف النجم والكواكب الثلاثة التي تدور حوله، وذلك باستخدام تقنية العبور.
وبالمزيد من بيانات الرصد والمتابعة، حدد العلماء أحجام هذه الكواكب ومدة دورانها حول نفسها وحول نجمها.
يُعد الكوكب تي أو آي-561 دي الأبعد عن النجم مقارنةً بالكوكبين الآخرين، وهو أكبر من الأرض بنحو 2.3 ضعف، ويستغرق دورانه حول النجم مدة 16.3 يومًا، أما الكوكب تي أو آي-561 سي الذي يُعد أكبر من الأرض بنحو 2.9 ضعف فتقدر مدة دورانه حول النجم بنحو 10.8 يومًا، وأما الكوكب تي أو آي-561 بي فهو أكبر من كوكب الأرض بنحو 1.45 ضعف، ويتم دورته حول النجم في عشر ساعات ونصف فقط.
أجرى العلماء قياساتهم لمعرفة السرعة الشعاعية لهذه الأجرام، إذ لا يبقى النجم عند دوران الكوكب حوله في حالة من الثبات، بل إن كل كوكب يؤثر في النجم تبعًا لقوة جاذبيته، ما يؤدي إلى نشوء حركة معقدة بين الكوكب والنجم، تؤدي إلى انضغاط النجم أو تمدده، في أثناء اقتراب الكوكب أو ابتعاده.
بمعرفة كتلة النجم، يمكن تحديد حركة النجم استجابةً لجذب الكواكب له، وحساب كتلة سائر الكواكب، وعلى هذا قدّر العلماء كتلة الكوكب تي أو آي-561 بي بثلاثة أضعاف كتلة كوكب الأرض، مع أن كثافته تقارب كثافة الأرض، التي تبلغ 5 جرامات لكل سنتيمتر مكعب.
قال عالم الفيزياء الفلكية من جامعة كاليفورنيا ستيفن كاين: «هذا غريب، لأن المتوقع أن تكون الكثافة أعلى، وهذا يؤكد قِدَم الكوكب».
ذلك لأن العناصر الثقيلة -الأثقل من الحديد- تتشكل في باطن النجم، وتنتشر في الفضاء عند انفجار المستعر الأعظم «سوبرنوفا»، أو عند تصادم النجوم العملاقة، وبانتشار هذه المواد في الفضاء، قد تنتقل إلى أجرام جديدة.
لهذا نلاحظ أن أقدم النجوم في الكون لا تحتوي على نسبة معادن كبيرة، فالنجم تي أو آي-561 مثلًا فقير بالمعادن، وبالمثل تحتوي الكواكب المتشكلة في المراحل الأولى للكون القليل من المعادن أيضًا.
أثبتت دراسات سابقة وجود نسبة قليلة من المعادن في الكواكب الصخرية ، بسبب تبخر العناصر المعدنية الأثقل بفعل الإشعاع النجمي، ما يؤدي إلى تجمع بقايا العناصر الموجودة في القرص حول النجمي لتُشكل الكواكب.
يقيد اكتشاف كواكب صخرية مثل كوكب تي أو آي-561 هذه النماذج، ما يساعدنا على اكتشاف المزيد من هذه الكواكب الصخرية القديمة.
يضيف كاين: «مع أن مثل هذه الكواكب لا تدعم نشوء الحياة على سطحها، فإن اكتشافها قد يؤدي إلى سلسلة من الاكتشافات لهذه العوالم الصخرية التي تدور حول نجوم قديمة».
وهذا يساعدنا أيضًا في بحثنا عن العوالم الصالحة للسكن في الكون، إذ يُعتقد أن أولى علامات نشوء الحياة على كوكب الأرض ظهرت منذ 3.5 مليار عام، مع هذا لم تبدأ الفقاريات بالظهور في السجل الأحفوري إلا منذ 500 مليون عام.
تستغرق الحياة التي نعرفها بكل تعقيدها وتشابكها وقتًا طويلًا في التطور، وربما يمكننا بالبحث في هذه الكواكب القديمة التوصل إلى أشكال للحياة أكثر تعقيدًا وتطورًا من الميكروبات.
ومع أن الكوكب المكتشف ليس بالمكان المناسب لنشأة الحياة، فربما يمثل دليلًا عن أماكن أخرى صالحة للحياة في الكون.
اقرأ أيضًا:
الغلاف الجوي لأحد أكثر الكواكب الخارجية سخونة في المجرة مليء بالمعادن
كواكب خارجية أكثر ملاءمة للحياة من الأرض
ترجمة: هبة الحارس
تدقيق: يمام بالوش
مراجعة: أكرم محيي الدين