قد لا يتأقلم جسم الإنسان مع نفس القدر من الحرارة والرطوبة الذي يُتنبأ به نظريًا، فقد وجدت إحدى الدراسات الأولى لتقييم ضغط الحرارة الرّطب بشكل مباشر بين الشّباب أنه عندما تكون الرطوبة عند قيمتها العُظمى المُطلقة، فإنّ قابلية التأقلم العظمى للإنسان هي فقط 31 درجة مئوية، وهذا أقل بأربع درجات مئوية من التقديرات النظرية.
وإذا ما طبقنا الدراسة على كبار السن لوجدنا أن هذه العتبة من المحتمل أن تكون أقل من ذلك أيضًا.
ولأن الجسم البشري يبرّد نفسه بالتبريد التبخيري -بالعرق- فمن المهم أن نفهم (درجة حرارة الثيرموميتر الرطب – Wet-bulb temperature) الّتي تتضمن درجة الحرارة والرطوبة، فكلما زادت رطوبة الهواء نسبةً إلى الحرارة كان التبخر أكثر صعوبةً.
مقارنةً مع المناخات الحارة والجافة فإن جسم الإنسان لا يمكنه تحمّل المناخات الحارة والرطبة بهذا القدر، وذلك لأنه عند درجة الرطوبة 100% لا يمكن للعرق أن يتبدّد بسهولة لتبريد أجسامنا.
من المحتمل أن تكون عتبة نجاة جسم الإنسان في بيئة جافّة حوالي 50 درجة مئويّة. ولكن بالنسبة إلى بيئة رطبة تمامًا تقترح النتائج الحديثة أن درجات الحرارة قد تصل فقط إلى 31 درجة مئوية قبل أن تتعرض أجسامنا لصدمة حرارية، ومع التعرض المطول لمثل هذه الظروف فإن الموت لا مفر منه.
يقول عالم الفيزيولوجيا لاري كيني من جامعة ولاية بنسلفانيا: «إذا علمنا الحدود العُليا لدرجة الحرارة والرّطوبة، أمكننا ذلك من تحضير الناس قبل موجة الحر، خاصّةً من هم أكثر ضعفًا وتأثُّرًا».
ويضيف كيني: «قد يعني ذلك إعطاء الأولويّة لأكثر الناس مرضًا الذين يحتاجون إلى العناية، وإعداد تحذيرات من الخروج إلى مناطق أخرى عندما تكون موجة الحر قادمة، أو تطوير مخطّط يوفّر إرشادات للتعامل مع نطاقات الحرارة والرطوبة المختلفة».
ولأنّ تغير المناخ يؤدّي إلى تبخر الماء والاحتباس الحراري المُفرطين ما ينتج عنه ازدياد حرارة ورطوبة الغلاف الجوّي، فإنّ خطر تجاوز عتبات درجة حرارة الثيرمومتر الرطب يُصبِح أكثر احتمالًا مما مضى وخاصةً في المناطق الاستوائيّة.
يحتمل علماء الطقس أنه بحلول نهاية القرن ستعاني باكستان والهند وأجزاء من جنوب شرقي آسيا والخليج العربي وأمريكا الوُسطى من مستويات عُظمى من الرطوبة عند درجات حرارة أعلى من 35 درجة مئويّة في كثيرٍ من الأحيان.
لكن هذا الانقطاع يعتمد في الغالب على نظرية ونماذج فيزيولوجية لمقدار الحرارة والرطوبة التي يستطيع جسم الإنسان أن يتحملها، ولكن البيانات الواقعية قليلة حتى الآن.
لمعرفة درجة حرارة الثيرمومتر الرطب الفعلية التي يتعرض عندها البشر لخطر الإصابة بضربة شمس والموت المحتمل، وظّف الباحثون 24 شابًا يتمتعون بصحة جيدة تتراوح أعمارهم بين 18-34 عامًا.
بدأ الفريق بمجموعة من الشباب الذين يتمتعون باللياقة البدنية لأن هذه العينة باستطاعتها أن تقدم لنا أفضل حالة كقاعدة أساسية، ولأن كبار السن والحوامل وغيرهم من الفئات الضعيفة عمومًا لا يمكنهم أن يتحملوا الحرارة والرطوبة أيضًا.
قبل الدخول إلى غرفة بها قابلية تعديل مستويات درجة الحرارة والرطوبة، ابتلع المشاركون جهازًا صغيرًا لقياس درجة حرارة أجسامهم الداخلية ونقل تلك المعلومات إلى الباحثين عبر الرّاديو.
ثُمّ طُلِبَ من المشاركين ركوبُ دراجة تمرين ثابتة ببطء بينما تزداد درجة حرارة الغرفة ورطوبتها تدريجيًا.
عندما لم يعُد جسم المشارك قادرًا على الحفاظ على درجة الحرارة الداخلية، توقّفت التّجربة.
في هذه الظروف تراوحت درجات الحرارة الرطبة الحرجة الرّطبة بين 30-31 درجة مئويّة، رغم أنها قد تكون أعلى بقليل إذا كان الشخص في حالة راحة تامة ولا يحرك أي عضلة.
يأمل الباحثون الآن أن يكرّروا هذه الدراسات بين المشاركين العُجّز، ولكن الحقيقة أن هذه العتبة منخفضة كثيرًا مقارنةً بالتقديرات السابقة حتى بالنسبة للمشاركين الشباب ذوي اللياقة البدنية، وهذا أمر مثير للقلق!
في عام 2020 سُجّلت درجات حرارة الثيرمومتر الرطب في عدة مدن في باكستان وقد تجاوزت تلك الدرجات 35 درجة مئويّة، فمنذ عام 1979 قد تضاعف تكرار درجات حرارة الثيرمومتر الرطب أعلى من 31 درجة مئويّة.
بينما تقترح التجارب الحديثة أن الشباب معرضون لمثل هذه الظروف المتطرفة، تُظهر الإحصائيات أن كبار السن ما يزالون أكثر احتمالًا للموت مع التعرض المطول لهذه الظروف.
يقول كيني: «تقترح نتائجنا أنّه في الأجزاء الرطبة من العالم يجب أن نقلق -حتى بشأن الشباب ذوي الصحة الجيدة- عندما تكون درجات حرارة الثيرمومتر الرطب أعلى من 31 درجة مئوية. المُناخ في حالة تغيير، لذا سيكون هنالك المزيد من موجات الحر الأكثر شدّةً، وعدد السكان يتغير أيضًا إذ سيكون هنالك المزيد من كبار السن، لذا فمن المهم حقًا أن ندرس اجتماع هذين التحولين معًا».
اقرأ أيضًا:
نمت الأشجار على كوكبنا بفضل الفطريات وليس الطقس الملائم!
لماذا يسيل أنفك عندما يبرد الطقس؟
ترجمة: سميرة غزولين
تدقيق: هاجرالتهامي