«لا شيء حتمي كالموت والضرائب»، نُسبَ هذا التعبير الاصطلاحي عمومًا إلى بنجامين فرانكلين، ولطالما كان مرادفًا للحتمية في عالم دائم التغير. وشهادةً على مكانة فرانكلين بمثابة شخصية مبدعة نافذة البصيرة، ما تزال تلك العبارة ملخصًا مناسبًا لمعظم فترات التاريخ البشري. بعد بداية الحضارة بفترة وجيزة، بدأ الناس بدفع الضرائب لقاء أمور تعتبر اليوم حقوقًا مسلمًا بها: كالطعام، والمسكن، والبنية التحتية، والأمان، وأكثر من ذلك بكثير. ولذلك يشبه تاريخ الضرائب تقريبًا تاريخ المجتمع والثقافة بالعموم.
أصل الضرائب
سُجّلت أول ضريبة منظمة في مصر منذ 3000 عام قبل الميلاد، وقد ورد ذكرها من قبل عدة مصادر تاريخية بما في ذلك الكتاب المقدس. ويصف الفصل 47، الآية 33 من سفر التكوين ممارسات جباية الضرائب في المملكة المصرية، موضحًا أن فرعون سيرسل المفوضين ليأخذوا خمس محصول الحبوب بمثابة ضريبة.
استمرت جباية الضرائب بالتطوّر، فتفوقت الحضارة اليونانية على غالبية دول أوروبا وشمال إفريقيا والشرق الأوسط في قرون ما قبل العصر المشترك. كان حجر رشيد -وهو لوح طيني اكتُشِف عام 1977- وثيقةً لقوانين ضريبية جديدة سُنّت من قبل الأسرة البطلمية عام 196 قبل الميلاد. وكانت هذه المملكة التي سُمّيت هذه الأسرة على اسم زعيمها بطليموس الخامس نتاجًا للغزو الأسطوري للإسكندر الأكبر لمساحات شاسعة من الأراضي، ما أدى إلى اختلاط اللغة اليونانية باللغات الأخرى. لذلك كُتبَ نص حجر رشيد بالخطين اليوناني والمصري الهيروغليفي، وكان اكتشافه فك شيفرة أحد أقدم أشكال اللغة المكتوبة في التاريخ.
استمرت جباية الضرائب على الميراث والممتلكات والسلع الاستهلاكية من العصر الروماني وعبر تاريخ العصور الوسطى لأوروبا، وغالبًا ما لعبت دورًا في الحروب، إما من خلال تمويلها وإما الترويج لها.
فُرضَت الضرائب أيضًا في الحضارات الأخرى مثل الصين القديمة، وكانت تتبع لسلطة حكومية مركزية قوية. واستخدمت سلالات (تانغ وسونغ) الصينية سجلّ تعداد منهجي لتتبّع سكانها وفرض الضرائب المناسبة عليهم. ثم استُخدمت تلك الأموال والمواد لدعم الجيوش وبناء القنوات من أجل النقل والري، إضافة إلى مشاريع أخرى. أسست إمبراطورية المغول التي سيطرت على قسم كبير من آسيا في القرن الثالث عشر بعد الميلاد سياسة ضريبية مصمَّمَة للتأثير على الإنتاج واسع النطاق لبعض السلع مثل القطن.
الضرائب في الولايات المتحدة
كانت قضية الضرائب في المستعمرات الأمريكية من قِبل الإمبراطورية البريطانية سببًا رئيسًا ومعروفًا للحرب الثورية. وأصبحت عبارة «لا ضرائب دون تمثيل» دعوة علنية للمستعمرين من أجل العمل. مع ذلك، تركزت شكاواهم أكثر على ضعف تمثيلهم في البرلمان البريطاني، بدلًا من القيمة الرمزية لتلك الضرائب.
ويساعد هذا في شرح المنهجية الكامنة وراء إنشاء النظام التشريعي الأمريكي، إذ تلعب الضرائب دورًا رئيسًا مرة أخرى. وكما هو موضح في المادة الأولى من دستور الولايات المتحدة، حلّ مجلس النواب مشكلة التمثيل الضريبي، وما يزال هو الهيئة المركزية التي تشرف على النظام الضريبي الفيدرالي بناءً على توصيات السلطة التنفيذية. وتُسن معظم قوانين الضرائب الحكومية والمحلية بموجب نظام مماثل.
الضرائب في القرن العشرين
لقد كانت السياسة الضريبية للولايات المتحدة ومعظم دول العالم قبل القرن العشرين مختلفة بوضوح عما هي عليه اليوم. كانت جميع الإيرادات الفيدرالية تقريبًا تأتي من الضرائب والتعريفات الجمركية إلى أن فُرضت ضريبة الدخل في أوائل القرن العشرين، وكانت الضرائب والتعريفات الجمركية المفروضة على السلع المستوردة في الأساس وسيلة مباشرة للحكومة الفيدرالية لجني الإيرادات وللترويج لسياسة التجارة الحمائية في نفس الوقت. فقد كان متوسط الضرائب على السلع المستوردة يصل إلى 60% عام 1830 وفقًا للمكتب الوطني للبحوث الاقتصادية.
بدأت الولايات المتحدة بتقليل اعتمادها على التعريفات الجمركية مع نمو حجم الدولة وزيادة إنتاجها الصناعي. وكانت الضرائب المفروضة على السلع المستوردة نقطة خلاف سياسية خلال العقود التي سبقت الحرب الأهلية، إذ استفاد الشمال الصناعي من هذه السياسة أكثر بكثير من الجنوب الزراعي، وأدى ضم الأراضي الغربية إلى زيادة أهمية هذه القضية.
بعد الحرب الأهلية ووسط فجر القرن العشرين، تغيّر الاقتصاد الأمريكي بسرعة بطريقة جعلت التعريفات الجمركية ذات فائدة أقل. وبحلول منتصف التسعينات من القرن التاسع عشر، أصبحت الولايات المتحدة دولة مصدّرة وليست مستوردة للسلع المُصنعة، وفقًا للمكتب الوطني للبحوث الاقتصادية.
استلزمت الأنماط الجديدة لتراكم رأس المال والثروة الناجمة عن التصنيع أشكالًا جديدةً من الضرائب. وهكذا فقد منح التعديل السادس عشر المُصادَق عليه عام 1913 الكونغرس سلطة فرض الضرائب على الأفراد والشركات، «دون التفريق بين ولاية وأخرى، ودون اعتبار لتعداد أي منها».
تأتي غالبية إيرادات الحكومة الفيدرالية الآن من ضريبة الدخل وفقًا لوزارة الخزانة الأمريكية. مع ذلك، تغيرت السياسات القائمة على ضريبة الدخل والضرائب على الثروة باستمرار على مدى القرن الماضي.
5% فقط من الشعب الأمريكي كانوا يدفعون الضرائب عن الدخل قبيل الحرب العالمية الأولى، إذ خُصِّصت عمومًا لأصحاب الدخل الأعلى فقط. سرعان ما تغيّر الحال عندما وضعت الحروب والتطورات الاقتصادية أعباءً جديدةً على الميزانية الفيدرالية.
أدت صفقة فرانكلين روزفلت الجديدة إلى تحفيز أكبر في جني الإيرادات، وارتفعت شريحة الدخل الأعلى بنسبة 76% عام 1936.
من حقبة الحرب العالمية الثانية وحتى الخمسينيات من القرن العشرين، كان بإمكان أصحاب الدخل المرتفع دفع ضريبة تصل إلى 94% على جزء من دخلهم، ولكن قامت هذه الحقبة أيضًا بخصومات وإعفاءات للعديد من الأفراد والشركات.
الاحتجاجات ومقاومة الضرائب حديثًا
شهد النصف الثاني من القرن العشرين نظامًا ضريبيًا أكثر دقةً وتعقيدًا، تزامنًا مع تطوير وتوسيع برامج الرعاية الاجتماعية مثل الضمان الاجتماعي والضمان الصحي والرعاية الطبية. وأدى الاعتماد المتزايد على الإيرادات من ضرائب الثروة والاستهلاك في الولايات المتحدة ومعظم الدول المتقدمة الأخرى إلى زيادة مقاومة تلك الممارسات، وتكتلت المقاومة المُنظَّمة والاحتجاج القانوني ضد ضريبة الدخل في الولايات المتحدة في الخمسينيات من القرن العشرين وما زالت مستمرة حتى اليوم.
غالبًا ما تدور الحجج ضد فرض الضرائب على الدخل حول افتقارها المزعوم إلى الأساس الدستوري، فيقول البعض إن التعديل السادس عشر «لم يُصادق عليه بصورةٍ صحيحةٍ»، أو إنه لا يفرض في الواقع الضريبة على دخل الفرد. تصف حجة دستورية مشتركة أخرى عملية الإقرار الضريبي بأنها صورة من صور التجريم الذاتي الإلزامي، ويعد هذا انتهاكًا للتعديل الخامس.
وما يزال البعض يعترض ببساطة على الضرائب عمومًا، أو على ضريبة الدخل على وجه التحديد لأسباب أخلاقية، أو دينية، أو تآمرية.
تطورت الضرائب -كما الشكوك والمقاومة ضدها- من ضرورة عملية إلى دلالة على الهوية السياسية والاجتماعية، وعلى الشخصيات الهامة الآن أن تدرك إمكانية خضوع ضرائبها للفحص والتدقيق على نطاق واسع وربما للشجب أيضًا كما اتضح مؤخرًا من الجدل الدائر حول عائدات الضرائب للرئيس دونالد ترامب.
حسبما أفادت صحيفة نيويورك تايمز، فإن تردد ترامب في الكشف عن سجلاته الضريبية الشخصية يُعد «كسرًا لتقليد ممتد لعقود في المنافسات الرئاسية وبرز بمثابة قضية مركزية» في انتخابات عام 2016.
مع أخذ تلك التطورات الأخيرة بعين الاعتبار، من الواضح أن تاريخ الضرائب ما يزال قيد الكتابة والمراجعة باستمرار.
لقد تحولت الضرائب من قضية مالية عملية إلى قضية ذات آثار سياسية واجتماعية لا تُعد ولا تُحصى. وإذا كان لا بد من استمرار جباية الضرائب، فلا شك في أن الجدالات والنقاشات حولها ستستمر باعتبارها نقطة رئيسة في المجتمع العالمي.
اقرأ أيضًا:
الفروق بين أنواع الضرائب (التنازلية والتصاعدية والنسبية)
ترجمة: ذوالفقار مقديد
تدقيق: نغم رابي