لا يعد الصيام أمرًا جديدًا على البشر، فقد واجه الصيادون القدماء فترات طويلة من الصيام؛ لاعتماد حصولهم على الطعام على الصيد الناجح، وتوافر النباتات البرية. وقد ساهم تطور الزراعة الحديثة والانتقال إلى المجتمعات الصناعية الذي حصل عبر الزمن بتغيير أنماط الطعام المنتظم، مثل تحويل وقت العشاء إلى وقت متأخر من اليوم ليناسب جداول العمل.
أما في الوقت الراهن، مع وجود وفرة من الطعام أصبح من النادر اختيار فترات مطولة من الصيام، باستثناء المناسبات الدينية أو عند الرغبة بفقدان الوزن، وعلى العكس من ذلك أصبح بعض الناس يتناولون أربع وجبات من الطعام أو أكثر خلال اليوم، مع استهلاك أكبر للسعرات الحرارية، إضافةً إلى تناول الوجبات الخفيفة.
تنظم الساعة البيولوجية الداخلية بأجسامنا جوانب عديدة من وظائف الأعضاء والسلوك لدينا، مثل: اليقظة والنشاط خلال اليوم، والنوم والراحة في الليل، ومن الممكن أيضًا أن تخبرنا ما الوقت الأفضل لتناول الطعام.
تُظهر الأبحاث أن صحتنا لا تتأثر فقط بنوعية وكمية الطعام الذي نتناوله، وإنما بوقت تناول الطعام أيضّا.
تكون أجسامنا مهيئة طبيعيًا لتحصل على الطعام خلال اليوم، ومن الأمثل أن يحصل هضم الطعام، وامتصاص المغذيات، والحصول على الطاقة عندما يفترض بنا أن نكون نشيطين ونأكل، والعمل عكس هذه المرحلة الافتراضية يمكن أن يعرّض هذه العمليات للخطر، ويؤذي صحتنا وذلك بتناول الطعام بانتظام عندما يفترض بنا أن ننام ونصوم.
ترتبط أنماط الطعام غير المنتظمة، مثل: الوجبات في وقت متأخر من الليل مع اكتساب الوزن والخطر الأكبر لتطور الأمراض الاستقلابية.
يواجه العاملون بدوام جزئي، والذين يعملون مساءً أو بالمناوبات الدورية خطرًا عاليًا للإصابة بالبدانة، وأمراض القلب، وداء السكري، لكن اعتماد نمط طعام يتماشى مع نمط الساعة البيولوجية لدينا يقلل هذه المخاطر.
هل يساعد الصيام المتقطع؟
تركز التداخلات الغذائية كثيرًا ليس فقط على نوعية الطعام، وإنما أيضًا على توقيت الطعام، ويعد الصيام المتقطع أحد الطرق لتقييد وقت تناول الطعام أكثر من محتواه.
يوجد أنواع عديدة من الصيام المتقطع، أحدها: هو تناول الطعام المقيد بالوقت، الذي يعني أكل كل السعرات الحرارية خلال 8-12 ساعة متواصلة أو أقل.
هل هذا مدعوم بالأدلة؟
تعتمد معظم معلوماتنا عن الصيام المتقطع والأكل المقيد بالوقت على الدراسات المجراة على الفئران، التي أكدت وجود خسارة وزن ملحوظة، وفوائد للصحة العامة مرتبطة مع هذه الأنماط من التداخلات الغذائية.
لكن تختلف بعض الجوانب الفيزيولوجية عند الفئران عن البشر، مثلًا: تحتاج الفئران للأكل بانتظام أكثر من البشر، وأن صيام فترة قصيرة من الزمن يكون له تأثير فيزيولوجي كبير على الفئران إذ يؤدي صيام يوم واحد إلى خسارة ما يقارب 10% من وزن الجسم، بينما يحتاج البشر إلى 14 يومًا للحصول على نتائج مشابهة، هذا يجعل تطبيق الدراسة مباشرة من الفئران إلى البشر أمرًا معقدًا.
في الوقت الذي أظهر فيه الصيام المتقطع والطعام المقيد بالوقت فوائد ملحوظة عند البشر، لم تكن النتائج المتعلقة بفقدان الوزن واضحة كفايًة.
تشير البيانات الحالية إلى الاعتدال فقط، إن وُجد، خسارة الوزن عند المشاركين الذين خضعوا لأنظمة الحمية هذه بالمقارنة مع الأنظمة الغذائية مقيدة السعرات الحرارية.
ربما يكون استخلاص النتائج النهائية من البشر أكثر صعوبة بسبب أحجام العينة الصغير والاختلافات الفردية في الاستقلاب، والاختلافات في تصميم الدراسة، مثل: استخدام البروتوكولات المختلفة مع أوقات ومدة تقييد الطعام، إضافةً إلى عدم امتثال المشاركين للتعليمات.
يمكن أن يكون لتناول طعام أقل سعرات حرارية فوائد صحية:
وجدت معظم الدراسات التي تتحدث عن الفوائد الصحية لتناول الطعام المقيد بالوقت، أو الصيام المتقطع أن هذه الحميات مصحوبة مع تقييد بالسعرات الحرارية ، ما يقلل وقت وصول الطعام إلى الناس فتأكل أقل.
فوائد اتباع الساعة البيولوجية لأجسامنا:
يقدم تناول الطعام المقيد بالوقت فوائد صحية إضافية عند البشر، مثل: تحسين التمثيل الغذائي للغلوكوز وضغط الدم، دون وجود اختلافات في الوارد من السعرات الحرارية خصوصًا عندما يكون تقييد الطعام في الجزء المبكر من اليوم، مع وجود وقت لتناول الطعام لمدة ست ساعات مع العشاء قبل الساعة الثالثة.
يمكن لتقييد تناول الطعام في النهار لعمال المناوبة أن يخفف الاختلافات الاستقلابية الناتجة عن هذا العمل (العمل بنظام الورديات)، في حين لا يُلاحظ هذا الأمر عندما يقتصر تقييد تناول الطعام على الليل.
يساعد استهلاك الطعام مبكرًا بما يتماشى مع إيقاع الساعة البيولوجية لدينا بمزامنتها، هذا بدوره يجدد إيقاع الجهاز العصبي التلقائي لدينا الذي ينظم الوظائف الأساسية، مثل: التنفس ومعدل ضربات القلب للحفاظ على ضبط وظائف الأعضاء كما أظهرت الدراسات على الفئران.
ما زال هناك الكثير لنتعلمه من الأبحاث بما يخص هذا الأمر، وتؤكد الأبحاث أنه للحفاظ على وزن صحي وحالة عامة جيدة من الأفضل تناول وجبات مغذية منتظمة خلال اليوم، وتجنب الوجبات السريعة والأكل في وقت متأخر من الليل.
اقرأ أيضًا:
الصيام المتقطع وعلاج داء السكري من النوع الثاني
ترجمة: سوزان محمد
تدقيق: حُسام الدِّين طَلعَت