يعرف الصفر المطلق بأنّه حالة السكون التام، ونتيجة لتأثيرات مقيّدة لقوانين الفيزياء، يمكن وصفه بالمعجزة التي يستحيل تحقيقها، ومع ذلك لم تتوقف الأبحاث التي تتناول أبعاد هذا الموضوع.
وضمن هذا المساعي البحثية، استحدث مؤخرًا فريق دولي بحثي فكرة تحديد نظرية لمعالم طريق يصل إلى الصفر المطلق “كالفن” أو ما يعادل 273.15 درجة مئوية تحت الصفر.
ما يميّز هذا الطريق: أولًا، فكرة التهرب من القيود التي تفرضها قوانين الفيزياء والتأثيرات الحرارية التي أعاقت جميع المساعي السابقة ما أدى إلى فشل واضح. وثانيًا، إمكانية استكشاف طبيعة المواد المختلفة والمتغيرة لدى درجات حرارة مختلفة ودراستها.
نُشرت دراستهم في PRX Quantum.
كان بالغ التركيز على ضرورة عدم إهمال تأثيرات القانون الثالث للديناميكا الحرارية التي بدورها تحتم خلق عدد لا نهائي من خطوات لعملية إزالة الطاقة الحرارية من مجموعة جزيئات بغية تبريدها وبلوغها درجة حرارة تساوي الصفر المطلق، وبالتالي إلزام إضافة كميات لا نهائية من الطاقة.
مشكلة هذا الطريق -نحو الصفر المطلق- من منظور الفيزياء الكلاسيكية تبدو واضحةً نسبيًا. لكن ما تتميز به الفيزياء الكمومية أنها تعري نطاقات المشكلة ببساطة وبتمايز قليل، إذ توصّف الجزيئات وفقًا لأماكن توزّعاتها احتماليًا، وفقط عند قياسها يصبح لديها حالة مؤكدة، وحتى إتمام عملية القياس تلك تظل الخواص الأخرى للجسيم أقل تأكيدًا.
مثلًا الجزيء عند العتبة النظرية للصفر المطلق لا يبدي أية تقلّبات، وهذا يعني ثبات حالته وتأكيدها. إضافةً إلى ذلك، فإنه ستُمسح البيانات الكميّة السابقة للجزيء وعليها ستُحذف جميع المعلومات المرافقة. ووفقًا لمبدأ لانداور الذي ينص على لزوم كمية دنيا ومنتهية من الطاقة لحذف جزءًا من المعلومات.
السؤال الذي يُطرح هنا، هل يقتضي ذلك وجود خدعة كمية لبلوغ الصفر المطلق؟
هناك حلّان لهذه المفارقة. أولهما، افتقار طريق الوصول إلى الصفر المطلق إلى كميات لا نهائية من الزمن والطاقة. وثانيهما، يتطلب -وفقًا للبحث الجديد- حذف كميات تعقيد لا نهائية.
ومن ناحية التعقيد، يُعد هذا البحث نقلة نوعية لما يختصر من الدراسات البحثية لطرق الصفر المطلق، حتى وإن كان هذا مستحيلًا عمليًا كما عهده العلماء مسبقًا.
في هذا الصدد، يقول عالم فيزياء الجزيئات في جامعة فيينا للتكنولوجيا ماركوس هابر: «لقد تفاجأنا عندما استدلينا على قدرة الأنظمة الكمومية في تعبيدها طريق الوصول إلى الصفر المطلق حتى مع إمكانيات طاقة وزمن متواضعين، لكن هذه الأنظمة الكمومية فريدة من نوعها ولديها علامات مميزة وأهمها تعقيدها اللا متناهي».
فتح هذا البحث أبواب الحديث عن “إصدار كمومي” من القانون الثالث للديناميكا الحرارية، وأمسى متداولًا في أوساط المجتمع العلمي، خاصةً بعد كسره لحواجز الفيزياء الكلاسيكية، التي تنص على الحاجة الملحة إلى كميات لا نهائية من الطاقة والتعقيد بغية الوصول للصفر المطلق.
وبالحديث عن الحسابات وعمليات النمذجة المرافقة، أُشيد بقوة الارتباط الوثيق بين عملية حذف البيانات وأقل درجة حرارة، وهو الأمر الذي يعجز البشر عن تحقيقه.
باختصار، تتوضح إمكانية الوصول إلى الصفر المطلق عند زيادة تعقيد الأنظمة، وبهذا الخصوص يُبسّط هابر هذه المقاربة بقوله: «فيما لو رغبنا في محوّ بيانات كمومية مخزنة في حاسب كمومي، سنحتاج إلى التخلص من الكيوبتات، أو بعبارة أخرى نحتاج لعملية أشبه بـ “تآريض الكيوبتات” ولأجل هذا يلزم أنظمة حاسوبية كمومية عالية التعقيد، إذ تُعد هذه الأنظمة قائمة على عدد لا نهائي من الجزيئات».
أما من ناحيتها التطبيقية، فحتى الآن تغيب صفة الكمال تمامًا عن الأنظمة الحاسوبية ومنه يمكن الاستنتاج أنّ عملية الحذف الكلي، أو حتى الإرجاع إلى الحالة السابقة، للجزيئات في الحواسيب الكمومية تكون أشبه بالمستحيل، وبطبيعة الحال يُفترض أن تُعد أبسط من حجر عثرة في عملية التطوير التقنية الكلية.
ومن النتائج الغريبة وغير المألوفة سابقًا لهذه الدراسة هي بروز ظاهرة كمومية غريبة أمام الباحثين “قوة ارتباط ميكانيكا الكم ودرجات الحرارة” وذلك عند الاقتراب من حدود الصفر المطلق. نسب الباحثون هذه الظاهرة إلى حقل بحثي آخر يمكن العمل عليه واستثماره مستقبلًا.
يُعلّق هابر على هذه الاستنتاجات قائلًا: «هناك شح في حاجتنا الى الفهم المعمّق لارتباط الميكانيكا الحرارية مع نظرية الكم، فحاليًا هناك تقدّم مهول ضمن هذين المجالين بالذات، وهو ما يتابع تعزيز إدراكنا لإمكانية رؤية الوفاق والارتباط بين هذين المجالين الفيزيائيين على أرض الواقع».
اقرأ أيضًا:
بعد مئات السنوات من النقاش ، الصفر المطلق مستحيل رياضيا
ترجمة: علي الذياب
تدقيق: باسل حميدي