الشلل الدماغي مصطلح يشير إلى مجموعة من الاضطرابات التي تؤثر سلبًا في حركة العضلات والتنسيق بينها، ويؤثر أيضًا في كثير من الحالات على حواس الرؤية والسمع والإحساس.
كلمة «الدماغي» تعني حدثًا مرتبطًا بالدماغ، و«الشلل» تعني ضعفًا أو خللًا في حركة الجسم.
يُعد الشلل الدماغي السبب الأكثر شيوعًا للإعاقات الحركية عند الأطفال، إذ يصيب 1-4 أطفال لكل ألف طفل حول العالم، وفقًا لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها.
أعراض الشلل الدماغي:
تتنوع أعراض الشلل الدماغي بين شخص وآخر، وتتدرج من أعراض متوسطة إلى خطيرة. إذ يواجه بعض المصابين بالشلل الدماغي صعوبات في المشي أو الجلوس، بينما يعاني بعض المصابين مشكلات في التقاط الأشياء.
قد تبدو آثار الشلل الدماغي أقل أو أكثر وضوحًا، وتتغير شدة إعاقتها مع نمو الطفل، وتطور مهاراته الحركية. أيضًا تتنوع اعتمادًا على الجزء المتضرر من الدماغ.
تتضمن بعض أكثر الأعراض شيوعًا:
- تأخر في القدرة على إنجاز المهارات الحركية المفصلية في النمو، مثل التدحرج أو الجلوس باستقلالية أو الزحف.
- صعوبة في المشي.
- تنوع في وتيرة عمل العضلات، مثل كونها شديدة المرونة أو شديدة القساوة.
- شلل تشنجي، أو تشنج العضلات وحدوث ردود فعل عضلية مبالغة.
- اختلاج حركي، أي نقصًا في التنسيق الحركي العضلي.
- ارتعاشات أو حركات لا إرادية.
- تأخر في تطور الكلام وصعوبة في النطق.
- سيلان مفرط للعاب ومشكلات في البلع.
- تفضيل أحد أطراف الجسم عن الآخر، مثل استخدام يد واحدة وإهمال الأخرى.
- مشكلات عصبية، مثل النوبات والإعاقات الذهنية والعمى.
يولد معظم مرضى الشلل الدماغي مع هذا المرض، لكن بعضهم قد لا يُظهِر أعراضًا حتى شهور أو سنين لاحقة. وعادةً ما تظهر الأعراض عند الأطفال خلال بضعة شهور بعد الولادة.
أسباب الشلل الدماغي:
في معظم الحالات يكون السبب الدقيق للشلل الدماغي غير معروف.
قد يُحدث النمو غير النمطي للدماغ أو الأذية في النمو الدماغي شللًا دماغيًا، ويؤثر الضرر في الجزء من الدماغ الذي يتحكم في حركة الجسم والتنسيق ووضعية الجسد. عادةً ما يتعرض الدماغ للأذى قبل الولادة، وقد يحدث ذلك في أثناء الولادة أيضًا، أو في سنوات الحياة الأولى.
من الأسباب المحتملة الأخرى:
- إصابات الرأس، مثل تلك الناتجة عن حوادث السيارات، أو حوادث السقوط، أو حالات التعنيف في أثناء الطفولة.
- النزيف داخل الجمجمة.
- أمراض التهاب الدماغ مثل التهاب السحايا.
- الالتهابات التي تصيب الرحم، مثل الحصبة الألمانية –الحميراء- والهربس البسيط.
- الاختناق الولادي: نقص الأكسجين في دماغ الوليد في أثناء المخاض والولادة.
- الطفرات الجينية التي تؤدي إلى نمو غير طبيعي للدماغ.
- اليرقان الشديد عند الرضع.
تجب مراجعة الطبيب فورًا في حال الظن بإصابة الطفل بالشلل الدماغي، لكن التشخيص وبدء العلاج مبكرًا ضروري جدًا.
عوامل خطورة الشلل الدماغي:
تضع بعض العوامل الرضع والأطفال في خطر متزايد للإصابة بالشلل الدماغي، من هذه العوامل:
- الولادة المبكرة.
- انخفاض وزن المولود.
- انخفاض في درجة أبغار، وهي مقياس يستخدم لتقييم صحة الطفل البدنية عند الولادة.
- الولادة المقعدية، إذ تخرج أرداف الطفل أو أقدامه قبل رأسه.
- عدم توافق عامل الريزيوس في الدم، إذ يكون نوع العامل في دم الأم غير متوافق مع دم الجنين.
- تعرض الأم الحامل لمواد سامة، مثل المخدرات أو بعض الأدوية المؤذية للجنين.
- التوائم الثنائية أو الثلاثية.
أنواع الشلل الدماغي:
للشلل الدماغي أربعة أنواع من التأثيرات الحركية تعتمد على الجزء المتضرر من الدماغ، وهي:
- الشلل الدماغي التشنجي.
- الشلل الدماغي المترافق مع خلل في الحركة.
- الشلل الدماغي المترافق مع اختلاج في الحركة.
- الشلل الدماغي المترافق مع نقص التوتر.
يُصاب العديد من المرضى بمزيج من الأنواع، وتتغير التأثيرات الظاهرية بامتداد حياة الفرد المصاب منذ الطفولة حتى يبدأ بالنمو وتأخذ قدرته على فعل الأشياء الجديدة بالازدياد، مثل التوازن في أثناء المشي.
الشلل الدماغي التشنجي:
النوع الأكثر شيوعًا من الشلل الدماغي، إذ يصيب ما يقارب 80% من المرضى، ويسبب تصلبًا في العضلات وردود أفعال عضلية مبالغة، ما يصعب المشي.
يعاني العديد من المصابين بالشلل الدماغي التشنجي مشيةً غير طبيعية، مثل تقاطع ركبهم في أثناء المشي، أو عمل حركات بالساقين تشبه حركة المقص، وقد يظهر أيضًا ضعف في العضلات أو شلل.
قد تؤثر هذه الأعراض على كامل الجسد أو على طرف واحد فقط.
الشلل الدماغي المترافق مع خلل في الحركة:
يعاني المصابون بهذا النوع من مشكلات في السيطرة على حركة أجسامهم، إذ تحدث لديهم حركات لا إرادية وغير اعتيادية في الأطراف، وقد يؤثر الشلل الدماغي المترافق مع خلل في الحركة في الوجه واللسان.
قد تكون الحركات بطيئةً وتشبه التلوّي، أو سريعةً ومتشنجةً وتؤدي إلى صعوبة في الجلوس والمشي والبلع والكلام.
الشلل الدماغي المترافق مع اختلاج في الحركة:
النوع الأقل شيوعًا من الشلل الدماغي، إذ يترافق هذا النوع مع حركات عضلية تظهر غالبًا بشكل غير منتظم وأخرق ومتشنج.
غالبًا ما يعاني المصابون بهذا النوع مشكلات في التوازن وتنسيق الحركة، وقد تظهر صعوبات في المشي، أو أداء المهام الحركية مثل الكتابة وإمساك الأشياء.
الشلل الدماغي المترافق مع نقص التوتر:
يسبب هذا النوع تضاؤل توتر العضلات واسترخاءها بإفراط، إذ تتحرك الذراعان والساقان بسهولة شديدة، وتبدو مرنةً كأنها أطراف لعبة محشوة.
لا يستطيع الأطفال المصابون بهذا النوع من الشلل الدماغي التحكم في رؤوسهم، ويعانون صعوبةً في التنفس. قد يواجهون أيضًا صعوبةً في الجلوس باستقامة عندما يكبرون، بسبب ضعف عضلاتهم.
قد يعانون أيضًا:
- صعوبة في الكلام.
- ردود فعل ضعيفة.
- حالات مشي غير طبيعية.
الشلل الدماغي المختلط:
يُصاب بعض الأشخاص بمزيج من الأعراض التابعة لأنواع مختلفة من الشلل الدماغي، تُسمى هذه الحالة الشلل الدماغي المختلط.
في معظم حالات الشلل الدماغي المختلط، يعاني المصابون أعراض الشلل الدماغي التشنجي والشلل المترافق بخلل الحركة معًا.
كيفية تصنيف الشلل الدماغي:
يُصنف الشلل الدماغي وفق نظام التصنيف لإجمالي الوظائف الحركية (GMFCS). إذ طور باحثون في مركز «كان تشايلد» لأبحاث الإعاقة في مرحلة الطفولة هذا النظام، واتُخذ معيارًا عالميًا لتحديد القدرات البدنية عند المصابين بالشلل الدماغي. يركز النظام على:
- القدرة على الجلوس.
- القدرة على الحركة والتنقل.
- الجدولة والتخطيط باستقلالية.
- استخدام التقنيات التكيفية.
لنظام التصنيف لإجمالي الوظائف الحركية خمسة مستويات، تترافق فيه المستويات الأعلى مع انخفاض كبير في الحركة.
المستوى الأول من الشلل الدماغي:
يُحدَّد المستوى الأول من الشلل الدماغي بالقدرة على المشي دون معوقات.
المستوى الثاني من الشلل الدماغي:
يستطيع المصاب المشي مسافات طويلة دون معوقات، لكنه لا يستطيع الركض أو القفز.
قد يكون بحاجة إلى أجهزة مساعدة عند بداية تعلم المشي، مثل دعامات الساق والذراع، قد يحتاج أيضًا إلى استخدام كرسي متحرك للتنقل خارج المنزل.
المستوى الثالث من الشلل الدماغي:
بإمكان المصاب الجلوس بقليل من المساعدة، وأن يقف بمفرده دون مساعدة.
لكنه يحتاج إلى أدوات مساعدة محمولة، مثل المشّاء أو عصا الاتكاء عند المشي خارج المنزل، إضافةً إلى كرسي متحرك للتنقل خارج المنزل.
المستوى الرابع من الشلل الدماغي:
يمشي المصاب بمساعدة الأدوات المساعِدة، إذ يكون بإمكانه التحرك مستقلًا باستخدام كرسي متحرك، ويحتاج إلى بعض المساعدة عند الجلوس.
المستوى الخامس من الشلل الدماغي:
يحتاج المصاب إلى المساعدة لإبقاء يديه ورقبته في وضعية مناسبة. ويحتاج أيضًا إلى مساعدة من أجل الجلوس والوقوف، ويكون بإمكانه التحكم في كرسي متحرك ذي محرك.
تشخيص الشلل الدماغي:
يشخص الطبيب الشلل الدّماغي بأخذ التاريخ المرضي، وإجراء فحص بدني يتضمن فحصًا عصبيًا مُفصّلًا، وتقييمًا للأعراض.
من الفحوصات الإضافية المستخدمة:
- تخطيط كهربية الدماغ (EEG): يُستخدَم لتقييم النشاط الكهربي في الدماغ، يطلب الطبيب إجراءه عندما يُظهِر المريض أعراضًا للصرع، أو لمعرفة السبب الرئيسي للنوبات.
- التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI): يعتمد هذا الفحص على استخدام مغناطيس قوي وموجات راديوية لتشكيل صور مُفصلة للدماغ. قد يُجري الطبيب هذا الفحص لتحديد الأذيات في الدماغ.
- الأشعة المقطعية (CT scan): توفر الأشعة المقطعية صورًا واضحةً ومستعرضةً للدماغ، وقد تكشف أيضًا عن الأذية الدماغية.
- الأمواج فوق الصوتية: تصوير الجمجمة بالأمواج فوق الصوتية طريقة تستخدم أمواجًا صوتيةً عالية التردد، للحصول على صور أساسية لدماغ طفل رضيع، وهي طريقة سريعة نسبيًا وغير مكلفة.
- فحوص الدم: قد يُجري الطبيب فحصًا لعينة من الدم بهدف استبعاد أمراض أخرى محتملة كأمراض النزف.
إن أكد الطبيب تشخيصه للشلل الدماغي، قد يحيل المصاب إلى مختص لفحص المشكلات العصبية المرافقة غالبًا للشلل الدماغي، إذ تحدد هذه الفحوصات:
- فقدان البصر وضعفه، مثل تشوش الرؤية في إحدى العينين أو كليهما.
- الصمم.
- تأخر في الكلام.
- إعاقات ذهنية.
- مشكلات حركية.
مضاعفات الشلل الدّماغي:
قد يعاني المصابون بالشلل الدماغي من تعقيدات إضافية تتضمن:
- صعوبةً في التواصل، مثل مشكلات الكلام واللغة.
- مشكلات في العمود الفقري، مثل الجنف والارتداد والحدب.
- هشاشة العظام، إذ تنكسر العظام بسهولة.
- تقلصات تحدث غالبًا عندما تكون العضلات منغلقة في وضعية مؤلمة.
- مشكلات سنّية.
- سلس بولي.
علاج الشلل الدماغي:
تهدف المعالجة إلى إزالة الإعاقات ومنع حدوث التعقيدات، وقد تتضمن المعالجة الأدوات المساعدة أو الأدوية أو الجراحة.
تتضمن الأدوات المساعدة:
- النظارات.
- الأدوات المساعدة على السمع.
- الأدوات المساعدة على المشي.
- دعامات الجسم.
- الكراسي المتحركة.
الأدوية:
تُستخدم المرخيات العضلية لعلاج الأعراض التشنجية، إذ يساعد إرخاء العضلات في تقليص الألم الناشئ عن التشنجات العضلية.
فقد يصف الطبيب أحد الأدوية التالية:
- باكلوفين.
- دانترولين.
- ديازيبام.
- تيزانيدين.
وقد يقترح الطبيب أيضًا حقن السم البوتوليني من النوع الأول -بوتوكس- موضعيًا، أو حقن باكلوفين داخل القراب إذ يتم توصيل الدواء عبر مضخة قابلة للزرع.
العمل الجراحي:
قد تُستخدم جراحات تقويم العظام لتخفيف الألم، وتحسين إمكانية التحرك والتنقل. قد تكون الجراحة ضروريةً لإرخاء العضلات المشدودة، أو تصحيح شذوذ العظام الذي يُحدثه التشنج.
قد يُنصح بالبَضع الانتقائي للجذر الظهري باعتماده حلًا أخيرًا لتخفيف الألم المزمن أو التشنج، ويتضمن هذا الإجراء قطع الأعصاب بالقرب من قاعدة العمود الفقري.
علاجات أخرى:
من العلاجات الأخرى التي تُستخدم في علاج الشلل الدماغي:
- علاج النطق.
- العلاج الوظيفي.
- العلاج الفيزيائي.
- العلاج الاستجمامي.
- الاستشارات والعلاج النفسي.
- استشارات الخدمات الاجتماعية.
مع أن الخبراء يبحثون في العلاج بواسطة الخلايا الجذعية بوصفه علاجًا محتملًا للشلل الدماغي، فإن البحث ما زال في مراحله الأولية. قد يكون هذا العلاج ناجعًا لتحسين الأعراض الحركية.
الوقاية من الشلل الدّماغي:
لا يمكن منع الغالبية العظمى من حالات الشلل الدماغي، يمكن اتباع بعض التدابير الوقائية في أثناء فترة الحمل أو التخطيط له.
من الضروري أخذ اللقاحات اللازمة ضد الأمراض التي قد تسبب أذى دماغيًا للجنين مثل الحصبة الألمانية. ومن الضروري تلقي العناية الكافية قبل الولادة، مثل الالتزام بالمواعيد المنتظمة عند الطبيب، ما قد يمنع الولادة المبكرة أو انخفاض وزن الجنين حين الولادة أو الالتهابات.
الرؤية المستقبلية:
لا علاج لمرض الشلل الدماغي، لكن غالبًا ما يُسيطَر على بعض الأعراض، ويُمنع أو يُؤخر ظهور الكثير من المضاعفات.
يتنوع العلاج الدقيق بين شخص وآخر، وقد لا يحتاج بعض المصابين إلى كثير من المساعدة، في حين يحتاج غيرهم إلى عناية مكثفة وطويلة الأمد لتخفيف أعراضهم.
بصرف النظر عن خطورة هذا المرض، يحسن العلاج من حياة المصابين بالشلل الدماغي بمساعدتهم على تحسين مهاراتهم الحركية وقدرتهم على التواصل.
اقرأ أيضًا:
زرعة دماغية تمكن المصابين بالشلل من التحكم في الحاسوب
غرسة دماغية تسمح ب التواصل ل امراة مصابة ب الشلل الكامل، فهل ستحدث تقدما في المجال؟
ترجمة: ميس مرقبي
تدقيق: منال توفيق الضللي