وُلد فريدريك إنجلز في 28 نوفمبر 1820 في بارمن في مقاطعة راين التابعة لولاية بروسيا -ألمانيا حاليًا، وتوفي في 5 أغسطس 1895 في مدينة لندن في إنجلترا. إنجلز فيلسوف اشتراكي ألماني وهو أقرب معاون لكارل ماركس في تأسيس الشيوعية الحديثة، إذ اشتركا في تأليف البيان الشيوعي 1848، وإضافةً إلى ذلك فقد حرر إنجلز المجلدين الثاني والثالث من كتاب رأس المال بعد وفاة ماركس.
كان إنجلز بين عامي 1842-1844 إداريًا تحت التدريب في مزرعة قطن يملكها والده في مانشستر في إنجلترا، وعاد مجبرًا إلى العمل سنة 1850 ليستطيع دعم نفسه ومساعدة شريكه الفكري كارل ماركس. بعد أن أصبح شريكًا في الشركة، باع إنجلز أسهمه سنة 1869 ما مكنه من العيش في رخاء مادي حتى وفاته.
لم يقتنع إنجلز بفكرة الزواج، لذلك لم يتزوج رفيقته من الطبقة العاملة ماري بيرنز التي عاش معها معظم الوقت الذي أمضاه في إنجلترا منذ أوائل أربعينيات القرن التاسع عشر. بعد وفاتها عام 1863، عاش علاقة مماثلة مع أختها ليزي وتزوجها وهي على فراش الموت سنة 1878.
ألف إنجلز مع كارل ماركس «الأيديولوجية الألمانية» والبيان الشيوعي. وبعد وفاة ماركس، أكمل إنجلز المجلدين 2 و3 من كتاب ماركس «رأس المال». كتب إنجلز أيضًا «حالة الطبقة العاملة في إنجلترا» و«أصل الأسرة والملكية الخاصة والدولة» والعديد من المقالات الجدلية الأخرى.
اشتهر فريدريك إنجلز بمشاركته كارل ماركس في تأليف بعض الأعمال الأكثر تأثيرًا في تاريخ الاشتراكية، وبمكانته مع ماركس بوصفه قائدًا فكريًا للحركة الاشتراكية في بداياتها. اشتهر أيضًا بتفسيره لأفكار ماركس، إذ اعتمد عليه الفهم الشعبي والأكاديمي لأفكار ماركس حتى منتصف القرن العشرين.
نشأ إنجلز في بيئة عائلية تتميز بآراء سياسية ليبرالية معتدلة وولاء ثابت لبروسيا وإيمان بروتستانتي واضح. كان والده صاحب مصنع نسيج في بارمن وشريكًا في مزرعة القطن «إيرمين وإنجلز» في مانشستر، إنجلترا. ومع أن إنجلز سعى علانيةً لتحقيق الأهداف الثورية التي هددت القيم التقليدية للعائلة، قدمت له عائلته المساعدات المالية التي اعتمد عليها غالبًا. كان إنجلز متعلقًا بوالدته كثيرًا، وكان ذلك العامل الأساسي لاستمرارية علاقته بأبيه.
بصرف النظر عن الإجراءات التأديبية التي اعتبرها الأب ضرورية لتربية ابنه الموهوب والمتمرد إلى حد ما، فإن القرار الوحيد الذي فرضه الأب على إنجلز كان بشأن مستقبله المهني. التحق إنجلز بالمدرسة الثانوية، لكنه ترك الدراسة قبل عام من التخرج، وربما سمح والده بذلك لأنه شعر أن خطط ابنه للمستقبل غير محددة تمامًا. أظهر إنجلز بعض المهارة في كتابة الشعر، لكن والده أصر على عمله في تجارته الضخمة، إذ أمضى إنجلز السنوات الثلاث التالية (1838-1841) في بريمن يكتسب خبرة عملية في مجال الأعمال في مكاتب شركة تصدير.
في بريمن، عاش إنجلز حياة مزدوجة ميزت أواسط عمره. ففي أثناء ساعات العمل العادية عمل متدربًا في مجال الأعمال، لكنه انضم إلى إحدى جمعيات المطربين الهواة بصفته شخصًا منفتحًا وكان يتردد أيضًا على حانة «راتسكيلر» الشهيرة، ومارس السباحة المبارزة وركوب الخيل وتفوق على معظم الإنجليز في صيد الثعالب. نمى إنجلز قدرته على تعلم اللغات، وكان يفخر أمام أخته بأنه يعرف 24 لغة. أما في السر، طور اهتمامه بالأعمال الليبرالية والثورية، خصوصًا الكتابات المحظورة للمؤلفين «الألمان الشباب» مثل لودفيج بورني وكارل جوتزكو وهاينريش هاين، لكنه سرعان ما رفض أفكارهم وعدها غير منضبطة وغير حاسمة واتجه إلى فلسفة هيجل الأكثر منهجية التي شرحها «الشباب الهيجليون»، وهم مجموعة من المفكرين اليساريين، منهم اللاهوتي والمؤرخ برونو باور وماكس شتيرنر المؤمن بالمنهج اللا سلطوي. تبنى الهيجليون جدلية هيجل التي تقول إن التقدم العقلاني والتغيير التاريخي ناتج عن صراع وجهات النظر المتعارضة وينتهي بتركيبة جديدة، وصمموا على تسريع عملية التقدم العقلاني بانتقاد كل ما عدوه غير عقلاني وقمعيًا ومتخلفًا. ولأن هجوم الهيجليين الأول كان موجهًا ضد أسس المسيحية، تحول إنجلز المحايد دينيًا إلى ملحد مناضل بسرعة نسبيًا، لأن قناعاته الثورية في ذلك الوقت جعلته مستعدًا للكفاح في أي اتجاه تقريبًا.
في بريمن، أظهر إنجلز أيضًا موهبته في الصحافة بنشر مقالات تحت الاسم المستعار فريدريك أوزوالد، إذ أخفى اسمه مراعاةً لمشاعر عائلته. امتلك إنجلز قدرات نقدية لاذعة وأسلوبًا واضحًا، وقد ساعدته هذه السمات على صياغة الأهداف الثورية الماركسية لاحقًا.
بعد عودته إلى بارمن سنة 1841، علق إنجلز مسألة المستقبل المهني مؤقتًا عندما جُند متطوعًا في فوج مدفعية في برلين مدة عام واحد. لم تمنعه النزعة المناهضة للعسكرية من الخدمة بوصفه جنديًا يستحق الثناء، وأصبحت الأمور العسكرية فيما بعد إحدى اختصاصاته وغالبًا ما خاطبه الأصدقاء باسم «الجنرال». أتاحت الخدمة العسكرية وقتًا لإنجلز لممارسة اهتماماته الرائعة في برلين، إذ حضر المحاضرات في الجامعة رغم افتقاره إلى المتطلبات الأكاديمية الرسمية، وسمحت له مقالاته بالالتحاق بدائرة الشباب الهيجليين للحرية، التي عُرفت سابقًا باسم نادي الأطباء الذي تردد عليه كارل ماركس، حيث اكتسب إنجلز شهرته بوصفه بطلًا مذهلًا في المعارك الفلسفية الموجهة أساسًا ضد الدين.
بعد وفاة ماركس سنة 1883، عُد إنجلز المرجع الأول فيما يتعلق بفكر ماركس والماركسية. وإلى جانب كتاباته المتفرقة حول مجموعة متنوعة من الموضوعات، والمقدمات التي كتبها للطبعات الجديدة من أعمال ماركس، أكمل إنجلز المجلدين 2 و3 من كتاب «رأس المال» -نُشرا 1885 و1894- على أساس مخطوطات ماركس غير المكتملة وملاحظاته الأولية، ومن منشورات إنجلز الأخيرة كتاب «أصل الأسرة والملكية الخاصة والدولة-1884» و«لودويك فيوروباك ونتيجة الفلسفة الكلاسيكية الألمانية-1888». تواصل إنجلز باستمرار مع الاشتراكيين الديموقراطيين الألمان وأتباعهم في كل مكان من أجل الحفاظ على صورة ماركس وتعزيز درجة معينة من التوافق بين المخلصين للفكر الماركسي. وفي النهاية انقطع عمل إنجلز بسبب إصابته بالسرطان ومات بعد فترة قصيرة من المرض.
في أثناء حياته، واجه إنجلز نفس موجات الهجوم والتبجيل التي واجهها ماركس، ولكن باعتدال أكثر. وُصف إنجلز بأنه شخص مهذب له سلوك رجل إنجليزي نبيل ويتسم بالمرح والذكاء وحب الحياة، لكن كان له كبرياء تتأثر سريعًا بالإهانة، وقد تدفعه إلى استعمال العنف. وبصفته رجل المهام الصعبة في الشراكة بينه وبين ماركس فقد اتسم بالعدوانية والقسوة، لدرجة أن بعض أصدقاء ماركس حاولوا إقناعه بالتنصل من إنجلز لكنهم لم يفلحوا.
باستثناء الاتحاد السوفيتي والدول الشيوعية الأخرى التي حصل فريدريك إنجلز فيها على التقدير الذي يستحقه، فقد جمعته الأجيال عمومًا مع ماركس دون توضيح أهمية دوره. يحظى إنجلز بالاهتمام عند فحص أعماله لاكتشاف الاختلافات الموجودة بينه وبين ماركس، إذ يرى بعض الباحثين أن كتابات إنجلز وتأثيره مسؤولان عن بعض التحريف في «الماركسية الحقيقية» التي يقتنعون بها. ومع ذلك، يعترف الباحثون عمومًا بأن ماركس نفسه لم يجد أي اختلاف جوهري في الأفكار والآراء بينه وبين إنجلز، وتدعم المراسلات بينهما هذا الرأي، إذ تكشف عن تعاون وثيق بينهما لصياغة الأفكار الماركسية.
اقرأ أيضًا:
حياة الفيزيائي الشهير ألبرت أينشتاين
السيرة الذاتية للكاتب إسحاق أسيموف
ترجمة: مارينا ماهر
تدقيق: غزل الكردي
مراجعة: أكرم محيي الدين