أندريه ماري أمبير هو من قام بالاكتشاف الثوري: أيّ سلك يحمل تيارًا كهربائيًا يمكنه أن يجذب أو يتنافر مع سلك آخر بجواره والذّي يحمل أيضًا تيارًا كهربائيًا -التجاذب المغناطيسي- لكن دون وجود أيّ مغناطيسات بالضرورة.
واصل صياغته لقانون أمبير للكهرومغناطيسيّة وكوّن أفضل تعريف للتيار الكهربائي في عصره.
اقترح أمبير أيضًا وجود الجسيم المعروف الآن بالإلكترون، واكتشف عنصر الفلور الكيميائي، بالإضافة إلى ذلك فقد صنّف أمبير العناصر الكيميائية في مجموعات حسب خصائصها على مدار أكثر من نصف قرن قبل أن ينتج ديمتري مندلييف جدوله الدوري.
سُميّت وحدة قياس التيار الكهربائي في نظام الوحدات الدولي بالأمبير، تكريمًا له.
بدايات أمبير
ولد أندريه ماري أمبير لأسرة ميسورة الحال في مدينة ليون، في فرنسا، في 20 يناير 1775.
كان والده جان جاك أمبير رجل أعمال. بينما والدته جين أنطوانيت ديسوتيير- سارسي، الابنة اليتيمة لتاجر حرير.
كان لوالدي أندريه ماري ابنة اسمها أنطوانيت، ولدت قبل سنتين من أندريه ماري. وقد كانت فترة مثيرة فكريًا في التاريخ الفرنسي.
أحدث أنطوان لافوازييه ثورة في الكيمياء. وقد حثّ فولتير وجان جاك روسو -قادة عصر التنوير الفرنسي- المجتمع على أن يعتمد على العلم والمنطق والعقل بدلاً من التعاليم الدينيّة للكنيسة الكاثوليكيّة.
عندما كان أندريه ماري في الخامسة من عمره، انتقلت عائلته إلى مزرعة ريفية بالقرب من قرية بوليميو على بعد ستة أميال (10 كم) من ليون.
كان والده قد أصبح ثريًا لدرجة أنّه لم يعد بحاجة إلى قضاء الكثير من الوقت في المدينة. ولدت جوزفين الابنة ثانية عندما كان أندريه ماري في الثامنة.
تعليم غير تقليدي
كان التعليم الذّي تلقاه أندريه ماري غير تقليدي إلى حدٍ ما. كان والده من أشدّ المعجبين بجان جاك روسو، أحد أيقونات عصر التنوير الفرنسي.
لقد قرر اتباع نهج روسو في تعليم أندريه ماري. هذا يعني عدم وجود دروس رسميّة. يستطيع أندريه ماري القيام بما يرضيه، والتعرف على أيّ شيء يشعر بالفضول نحوه. سُمح له بقراءة أيّ شيء أراده من مكتبة والده الكبيرة. قد تظن أنّ الأمر كارثي، لكنّه في الحقيقة نجح بشكل فائق! طوّر أندريه ماري رغبته في المعرفة، وحفظ صفحات كاملة من الموسوعات عن ظهر قلب.
وعلى الرغم من طفولة أندريه ماري الفرنسيّة التنويريّة لم يرفض الكنيسة، وبقي كاثوليكيًا مخلصًا طوال حياته.
« لم يطلب مني والدي دراسة أي شيء، لكنّه كان يعرف كيف يلهمني، كيف يزيد رغبتي في المعرفة. قبل تعلم القراءة، كان أكثر ما يسعدني هو الاستماع إلى مقاطع من التاريخ الطبيعي لبوفون. طلبت منه باستمرار أن يقرأ لي تاريخ الحيوانات والطيور. أندريه ماري أمبير 1775- 1836».
أمبير والرياضيات
بعمر الثالثة عشر، بدأ أندريه ماري دراسة جادة في الرياضيات باستخدام الكتب في مكتبة والده. قدّم ورقة بحثيّة حول المقاطع المخروطيّة إلى أكاديمية ليون، لكنّ تمّ رفضها.
دفعه الرفض إلى العمل بجدّ أكثر من أيّ وقت مضى. اشترى له والده كتبًا متخصصة لمساعدته على التحسن.
كما أخذ ابنه إلى ليون، حيث قدّم له (أبوت دبورون – Abbot Daburon) دروسًا في حساب التفاضل والتكامل – وهي أول دروس رسميّة تلقّاها أندريه ماري.
علوم فيزيائية
بعدما أخذ ابنه لدروس الرياضيات الرسميّة، نقله والده إلى كلية ليون لحضور بعض محاضرات الفيزياء، ما دفع أندريه ماري إلى قراءة كتب الفيزياء بالإضافة إلى كتب الرياضيات.
ثورة تتبعها مآسي
لقد كان أندريه ماري في رغد من العيش حتى هذه اللحظة، لكنّ ما تلى ذلك كان سلسة من المآسي.
في عام 1789، عندما كان أندريه ماري في الرابعة عشرة من عمره، بدأت الثورة الفرنسيّة.
في عام 1791، بينما واصل أندريه ماري دراساته المنزليّة في ضيعة والده، عيّن الثوار والده كموظف قضائي في الخدمة المدنية.
في 1792، توفيت أخته الكبرى أنطوانيت.
في 1793، قام فصيل الثوار اليعاقبة بإعدام والده. (قاموا أيضًا بإعدام الكيميائي العظيم أنطوان لافوازييه في 1794.)
لحسن الحظ، تمكن أندريه ماري – الذي درس الرياضيات والعلوم في ضيعة العائلة – من البقاء على قيد الحياة في عهد الثورة. لقد دُمِّر نفسيًا بسبب وفاة والده وتوقف عن دراسته لمدة عام.
أمبير عالم الرياضيات والعالَم
في أواخر عام 1797، بينما كان عمره 22 عامًا، افتتح أندريه ماري أمبير معهدًا كمدرس رياضيات خاص في ليون. لقد أثبت أنّه معلم ممتاز، وسرعان ما تدفق الطلاب إليه للحصول على المساعدة.
لقد لفتت أعماله في مجال التدريس انتباه مثقفي ليون، لقد أُعجبوا بعلم أمبير وحماسه.
في عام 1802، أصبح مدرّسًا في مدينة بور على بعد 60 كم من ليون. وبعد عام عاد إلى ليون للعمل في وظيفة تدريس أخرى.
في عام 1804، انتقل إلى العاصمة الفرنسية – باريس – حيث قدّم دروسًا للمستوى الجامعي في المدرسة المتعددة التكنولوجية.
أثارت أعماله إعجاب علماء الرياضيات الآخرين لدرجة أنّه تمّت ترقيته إلى أستاذ رياضيات بدوامٍ كامل في عام 1809، على الرغم من عدم حصوله على مؤهلات رسميّة.
مساهمات أندريه ماري أمبير في العلوم
الكهرومغناطيسية والديناميكا الكهربائيّة
في عام 1800، حين عمل أمبير كمدرّس خاص في ليون، ابتكر أليساندرو فولتا البطارية الكهربائيّة. كانت إحدى نتائج ذلك أنّه مكّن العلماء للمرة الأولى من إنتاج تيار كهربائي ثابت. في أبريل 1820، اكتشف هانز كريستيان أورستد أنّ تدفق التيار الكهربائي في سلك يمكن أن يحرف إبرة بوصلة مغناطيسيّة قريبة. اكتشف أورستد وجود صلة بين الكهرباء والمغناطيسيّة – الكهرومغناطيسيّة.
في سبتمبر 1820، أظهر فرانسوا أراغو التأثير الكهرومغناطيسي لأورستد للنخبة العلميّة الفرنسيّة في الأكاديميّة الفرنسيّة في باريس.
كان أمبير حاضرًا، بعد أن تمّ انتخابه في الأكاديميّة عام 1814.
كان أمبير مفتونًا باكتشاف أورستد وقرر أنّه سيحاول فهم سبب إنتاج التيار الكهربائي لتأثير مغناطيسي.
«منذ أن سمعت لأول مرة عن اكتشاف أورستد العظيم لأثر التيار كهربائي على إبرة ممغنطة، استحوذ الأمر على تفكيري.
لقد خصصت كل وقتي لكتابة نظريّة كبيرة حول هذه الظاهرة، ومحاولة إجراء تجارب تدعم هذه النظريّة، لقد نجحت جميعها.
أندريه ماري أمبير 1775- 1836».
بدأ أمبير بتكرار عمل أورستد، وقبل نهاية سبتمبر 1820، اكتشف اكتشافًا خاصًا به: وجد أنّه في حالة تدفق التيار الكهربائي في نفس الاتجاه في سلكين متوازيين قريبين، تجذب الأسلاك بعضها البعض. أمّا إذا كانت التيارات الكهربائية تتدفق في اتجاهين متعاكسين فإنّ الأسلاك تتنافر.
وجد أمبير أنّ الأسلاك المتوازية التّي تتدفق فيها التيارات في نفس الاتجاه تجذب بعضها البعض. أّما تيارات الاتجاهات المعاكسة فتتنافر.
لقد اكتشف أمبير شيئًا مذهلاً: لقد أنتج مغناطيسيّة الجذب والتنافر في غياب تام لأيّ مغناطيس.
لقد تمّ توليد كل المغناطيسيّة كهربيًا. سُمي هذا المجال الجديد بالديناميكا الكهربائيّة. (تُعتبر اليوم الديناميكا الكهربائية والكهرومغناطيسية نفس المجال).
قانون أمبير
بعد ذلك، أوجد أمبير معادلة تربط حجم الحقل المغناطيسي بالتيار الكهربائي الذّي ينتجه. هذه المعادلة، المعروفة باسم قانون أمبير للدائرة الكهربائية – وهي تُعتبر تطبيقًا متقدمًا في الرياضيات – تتطلب دراسة الرياضيات على مستوى الجامعة وفهمها.
تُبين المعادلة أدناه في شكل تفاضلي يربط المجال المغناطيسي (B) بالكثافة التيار الكهربائي (J).
تنطبق هذه المعادلة عندما يكون التيار الكهربائي ثابتًا. بعد مرور أكثر من 40 عامًا، قام جيمس كلارك ماكسويل بتعديل هذه المعادلة بحيث تنطبق أيضًا على التيار المتغيّر. هذه الصيغة أصبحت واحدة من معادلات ماكسويل الأربعة الشهيرة التّي تثبت أنّ الضوء موجة كهرومغناطيسية.
«إنّ التحقيق التجريبي الذّي أسس به أمبير قانون التفاعل الميكانيكي بين التيارات الكهربائية هو واحد من أكثر الإنجازات الرائعة في مجال العلوم. تبدو النظرية والتجربة برمتها وكأنّها قد قفزت ونمت وتحصنت واختمرت بالكامل في دماغ “نيوتن الكهرباء”.
إنّها مثالية في الشكل، ومكتملة الدقة، وملخصة في صيغة ساحرة يمكن من خلالها استنباط كل الظواهر والتّي يجب أن تظل دائمًا الصيغة الأساسيّة للديناميكا الكهربائيّة.
جيمس كلارك ماكسويل 1831-1879 في كتابه الكهرباء والمغناطيسيّة الجزء الثاني الفصل الثالث».
الإلكترون
ولتوضيح العلاقة بين الكهرباء والمغناطيسيّة، اقترح أمبير وجود جسيم جديد مسؤول عن هاتين الظاهرتين – جزيء ديناميكي كهربي، وهو جسيم مجهري مشحون (فائق الصغر) يمكننا التفكير فيه كنموذج أولي للإلكترون
اعتقد أمبير بشكل صحيح أنّ أعدادًا ضخمة من هذه الجزيئات الكهربائيّة الديناميكيّة تتحرك في الموصلات الكهربائيّة، ما يتسبب في ظواهر كهربائيّة ومغناطيسيّة.
اكتشاف الفلور
لم تتوقف اهتمامات أمبير عند الرياضيات والفيزياء. كانت واسعة النطاق وشملت الفلسفة وعلم الفلك. كما كان مهتمًا بشكل خاص بالكيمياء.
في الواقع، قبل عمله في الكهرومغناطيسيّة، قدّم مساهمات كبيرة في الكيمياء.
اكتشف أمبير عنصرًا وأطلق عليه اسم الفلور. في عام 1810، اقترح أنّ المركب الذّي نسمّيه الآن فلوريد الهيدروجين يتألف من الهيدروجين وعنصر جديد: العنصر الجديد له خصائص مشابهة للكلور.
تبادل هو وهمفري ديفي البريطاني المراسلات، رغم أنّ فرنسا وبريطانيا كانتا في حالة حرب.
اقترح أمبير أنّ الفلور يمكن عزله عن طريق التحليل الكهربائي، الذّي استخدمه ديفي سابقًا لاكتشاف عناصر مثل الصوديوم والبوتاسيوم.
في عام 1886، قام الكيميائي الفرنسي هنري مويسان في نهاية المطاف بعزل الفلور. وقد حقق ذلك باستخدام التحليل الكهربائي، وهو الأسلوب الذّي أوصى به أمبير.
«بدا لي أنّه ينبغي على المرء أن يبذل جهدًا لإزالة التصانيف المصطنعة من الكيمياء ولأن يبدأ في تخصيص المكان لكل عنصر والذي يجب أن يشغله في النظام الطبيعي بمقارنته بسلسلة متوالية من العناصر الأخرى.
أندريه ماري أمبير حوليات الكيمياء والفيزياء، المجلد 2».
واحدة الأمبير
وحدة قياس التيار الكهربي في نظام الوحدات الدولي (الرمز A)، المسمى تشريفًا وتمجيدًا لاسم أمبير. كان أمبير هو أول من عرّف التيار الكهربائي بأنّه «دوران التدفق الكهربائي في دائرة مغلقة».
تفاضيل شخصية ووفاة أمبير
في عام 1799، تزوج أمبير بعمر 24 سنة بكاثرين- أنطوانيت كارون البالغة من العمر 25 عامًا، وكانت تسمى عادةً جولي. وبعد مرور عام، أنجبت جان جاك – الذّي سمّي باسم والد أمبير المحبوب.
حدثت مأساة لأمبير عندما توفيت زوجته في عام 1803 جراء إصابتها بسرطان البطن بعد أقل من أربع سنوات من الزواج.
تزوج أمبير مرة أخرى في عام 1806 من جين فرانسواز بوتوت. وسرعان ما أدرك الزوجان أنّ زواجهما كان خطأً. أنجبا بنتًا اسمها ألباين في عام 1807، وانفصل الزوجان بشكل قانوني في عام 1808.
وعاشت ألباين مع والدها وعمتها جوزفين.
في عام 1824، عُيّن أمبير رئيسًا لقسم الفيزياء التجريبيّة في كلية فرنسا في باريس، والذّي شغله لبقية حياته.
أصبح ابن أمبير – جان جاك – أستاذًا بارزًا في علم اللغة وعضوًا في الأكاديميّة الفرنسيّة.
دارت بينه وبين والده الكثير من المجادلات المتفجرة ، كلاهما كانا مزاجيين.
في سن الـ 61، أُصيب أمبير بالالتهاب الرئوي.
توفي في مدينة مرسيليا الفرنسيّة على البحر المتوسط في 10 يونيو 1836.
دفن في مرسيليا، لكنّ تمّ نقل رفاته في وقت لاحق إلى مقبرة مونمارتر في باريس.
دُفن العديد من الأشخاص اللامعين في مقبرة مونتمارتر، بما في ذلك الملحنين هيكتور بيرليوز وجاك أوفنباخ والفنان إدغار ديغا والمؤلف إيميل زولا والفيزيائي ليون فوكو وعالم الرياضيات ستانيسلو أولام. وابن أمبير – جان جاك – الذّي دُفن بجوار والده.
- ترجمة: مصطفى العدوي
- تدقيق: آية فحماوي
- تحرير: صهيب الأغبري
- المصدر