في الآونة الأخيرة، تمّ إيقاف تجربة أدوية في هولندا حيث أُعطيت النساء الحوامل حبوب الفياغرا بهدف تعزيز نمو أطفالهن خلال الحمل بعد وفاة 11 طفلاً من هؤلاء الأطفال.
من المفهوم أنّ هذا قد يثير قلق النساء الحوامل اللواتي يقلقن على فعالية والآثار الجانبية للأدوية التي يستخدمنها أثناء فترة الحمل.
في حين أنّ أسباب الوفاة ظلّت غير واضحة، فإنّ النساء الحوامل المشتركات في الدراسة كان لديهّن بالفعل احتمال كبير لموت الجنين/الوليد.
أي أنّ أطفالهن كانوا بالفعل في خطر الموت بسبب مشاكل وتعقيدات تعود لتوقّف النمو داخل الرحم إضافةً إلى ولادتهم قبل الأوان.
كانت هذه الدراسة جزءًا من موجة دراسات جديدة تبحث فيما إذا كانت الأدوية الحديثة، مثل السيلدينافيل (Sildenafil)، التي تُباع تحت الاسم التجاري Viagra®، يمكن أن تقود إلى تحسين نسبة نجاة الأطفال الذين يعانون من أمراض في رحم الأم.
هناك حاجة ماسة لتأسيس وإقامة دراسات تبحث في استخدام الأدوية للنساء الحوامل وتأثيرها على صحتهن أثناء الحمل.
لكن وبنفس درجة الأهمية، الدراسات التي تُحقّق في استخدامات جديدة للأدوية الموجودة حاليًا، في ظروف الحمل القاسية التي يمكن أن تؤثّر على الجنين، هي أمر حيوي لا سيّما إذا لم تكن هناك خيارات علاجٍ فعّالة أخرى.
اختبار العلاجات للجنين
في حين أنّ السيلدينافيل (الفياجرا) يُستخدَم عادةً لعلاج ضعف الانتصاب عند الرجال، هناك أدلّة متزايدة على أنّه يمكن استخدامه في حالات معينة خلال فترة الحمل، وهذا عندما تكون الأم مصابة بحالة تسمى مقدمات الارْتِعَاج (Pre-eclampsia)، وفي حالة الأجنّة التي تمّ تقييد نموها في الرحم.
كما يمكن أن يقلّل من المخاطر عندما يُصاب الأطفال بالاضطراب في فترة المخاض.
في الحالات التي يعاني فيها الجنين بحدّ النمو أو إصابته بالضغط في المخاض، لا تستطيع المَشيمَة توفير المغذّيات الكافية والأكسجين إلى الجنين.
يعمل سيلدينافيل أو الفياغرا على توسيع الأوعية الدموية في حوض الأم محسّنًا بالتالي تدفّق الدم إلى الرحم والمَشيمَة.
وقد أعطت التجربة الهولندية السيلدينافيل للنساء اللواتي لديهن أطفال يعانون من الحدّ الشديد في النمو لمعرفة ما إذا كان الدواء يمكن أن يحسّن نموهم، عبر زيادة تدفّق الدم إلى المشيمة خلال الحمل.
لكن التجربة توقّفت بسبب ارتفاع معدّل الوفيات بين أجنّة النساء اللواتي تناولن السيلدينافيل مقارنةً بالنساء اللاتي تناولن دواءً وهميًا.
نحن لا نعرف السبب، والأسباب تحتاج إلى مزيد من البحث والدراسة.
لم يكن هناك أيّ دليلٍ سابقٍ على أنّ السيلدينافيل زاد من خطر الآثار الجانبية لدى الأم، ولا أي زيادةٍ في معدّل المواليد الموتى، ووفيات حديثي الولادة، أو التشوهات الخَلقية.
أظهرت دراساتٌ مماثلةٌ في أستراليا ونيوزيلندا والمملكة المتحدة عدم وجود اختلاف في النتائج الضارة للفياغرا.
البحث الاسترالي يستخدم السيلدنافيل
تُجرَى حاليًا دراسة في مستشفى Mater Mothers في بريزبن (Brisbane) مرتكزةٌ على النساء اللواتي لديهنّ حمل كامل والرضّع ذوي النمو الطبيعي لمعرفة ما إذا كان السيلدينافيل يقلّل من معدّل الضائقة الجنينية في المخاض.
تستخدم هذه الدراسة جرعاتٍ أقلّ بكثيرٍ من السيلدينافيل خلال فترة زمنيةٍ أقصر من التجربة الهولندية.
من المُشجّع أن البيانات الأوليّة أظهرت أنّ هناك فوائد لاستخدام السيلدينافيل في هذا الإطار، إذ لم نشهد أيّ مضاعفات، ولا أيّ اختلافات في النتائج الضارة الأخرى في الدراسة (السيلدينافيل أو العلاج الوهمي Placebo).
فهناك فترات حرجةٌ أثناء الحمل عندما يكون من المرجّح أن تؤثّر الأدوية على نتائج الحمل.
أخطر فترة خلال الحمل هي ما بين أربعة إلى عشرة أسابيع من آخر دورة شهرية للأم، عندما تتشكّل أعضاء الطفل، وعندما تحدث عيوب خَلقيّة.
ومع ذلك، يُستخدَم السيلدينافيل إلى حدٍ كبيرٍ في وقتٍ لاحقٍ في الحمل، بعد عملية تشكّل الجنين.
على هذا النحو، فإنّ خطر أن هذا الدواء قد يسبّب تشوّهًا خلقيًّا هو أمر غير محتمل على الأرجح.
كما يُعتبَر السيلدينافيل علاجًا جديدًا خلال فترة الحمل بالنسبة للأجنّة التي لديها حالة فتق حجابي خلقي (Congenital diaphragmatic hernia)، وهو خللٌ تنتشر فيه محتويات الأمعاء في القفص الصدري بسبب ثقبٍ في الحجاب الحاجز، ما يمنع نمو الرئة بشكلٍ طبيعيٍ.
إنّ طريقة تقديم الأدوية التي قد تنقذ الحياة للجنين عن طريق أمهاتهم ليست جديدة.
يتم إعطاء هرمونات الستيرويد (Corticosteroids) للنساء في وقتٍ مبكّرٍ من عمر الجنين لمساعدة رئتي الجنين على النمو بسرعةٍ أكبر
سوف يقلّل هذا من عدد الأطفال الذين يموتون أو يعانون من مشاكل في التنفس عند الولادة.
تُستخدَم الأدوية التي يشيع استخدامها في الربو مثل السالبوتامول (Ventolin®) لوقف انقباضات النساء الحوامل وتأخير الولادة المبكرة.
مخاطر وفوائد الأدوية في فترة الحمل
على الرغم من أنّ معظم الأدوية تخضع لتقييم سلامةٍ صارم وشامل قبل اعتبارها آمنة، إلّا أنّه غالبًا ما يكون هناك نقص في المعلومات لاستخدامها أثناء فترة الحمل.
هذا لأنّه في معظم الحالات، يتمّ استبعاد النساء الحوامل من تجارب الأدوية التي تُجرى لتحديد سلامة وفعالية الأدوية الجديدة.
وتميل الأمهات الحوامل إلى المبالغة في تقدير مخاطر تناول الأدوية أثناء الحمل.
ربّما يكون هذا أحد آثار مأساة الثاليدومايد (thalidomide) في الخمسينيات والستينيات، عندما ولد آلاف الأطفال بعيوبٍ خَلقيّةٍ بعد أن أخذت أمهاتهم الثاليدومايد لتخفيف الغثيان أثناء الحمل.
نعم، يجب تجنّب بعض الأدوية تمامًا أثناء الحمل. يشمل ذلك الثاليدومايد، ومشتقات فيتامين A، وبعض الأدوية المُضادّة للسرطان والأدوية المُعدّلة للمناعة، وجرعاتٍ عاليةٍ من الكحول، ودواء معالجة الصرع phenytoin، والوارفارين (warfarin) مضادّ للتخثر، و valproate لتعديل المزاج، والليثيوم (لعلاج الاضطراب الثنائي القطب).
ولكن، يمكن استخدام الأدوية بأمان في الحمل لمجموعة متنوعة من الأسباب، بما في ذلك منع حالات التشوه (مثل حمض الفوليك)، وإدارة الحالات الطبية الموجودة مسبقًا مثل الاكتئاب، وعلاج المشاكل المُتعلّقة بالحمل مثل غثيان الصباح، أو مشاكل محددة مثل الالتهابات.
يجب على مُقدّمي الرعاية الصحية والنساء أن يوازنوا بين الفوائد والأضرار المحتملة التي قد تُسبّبها الأدوية.
في كثير من الأحيان، يكون خطر الأذى على الجنين أعلى من حالة الأم الأساسية أو المضاعفات التوليدية، إذا تُرِكَت دون علاج.
في السنوات القادمة، نتوقع معرفة المزيد عن الأدوية التي يمكن للنساء تناولها بأمان أثناء الحمل، ليس فقط لتحسين صحتهن، ولكن أيضًا لأجنّتهن.
- ترجمة: د. صفا عازار.
- تدقيق: وائل مكرم.
- تحرير: سهى يازجي.
- المصدر