نجح علماء الفيزياء في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في تكوين «أعاصير كمومية» داخل سُحب الذرات شديدة البرودة، وفقًا لورقة بحثية نُشرت حديثًا في مجلة Nature.
إنه أول توثيق مباشر لكيفية تكوّن غاز كمي سريع الدوران. وفقًا للمؤلفين، تتشابه تلك العملية مع دوران الأرض الذي يستحث بدوره أنماط طقس واسعة النطاق.
أولى علماء معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا اهتمامًا لدراسة ما يُسمى «تأثير هول» على السوائل الكمومية. اكتُشف تأثير هول على السوائل الكمومية أول مرة في الثمانينيات. تتكون سوائل هول من سحب من الإلكترونات تطفو خلال المجالات المغناطيسية. من عادة الإلكترونات أن تتنافر وتتبلور، لكن في سوائل هول الكمومية، تحاكي الإلكترونات سلوك جيرانها وتظل على وفاق معًا، في دليل على الارتباط الكمي.
قال المؤلف المشارك ريتشارد فليتشر، عالم الفيزياء في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا: «اكتشف الناس جميع أنواع الخصائص المدهشة، يكمن السبب في أن الإلكترونات تتجمد في مكانها داخل مجال مغناطيسي، وتتلاشى طاقة الحركة تاركةً تفاعلات مجردة. وهكذا، ظهر هذا العالم من التفاعلات. لكن كان من الصعب للغاية ملاحظته وفهمه».
اعتقد فليتشر وزملاؤه أنهم قد يكونون قادرين على محاكاة هذا السلوك غير المعتاد للإلكترونات، باستخدام سحب من الغازات الكمومية شديدة البرودة. تُعرف هذه الغازات بتكاثفات بوز-آينشتاين، نسبةً إلى ألبرت أينشتاين والفيزيائي الهندي ساتيندرا بوز.
في عشرينيات القرن الماضي، توقع بوز وأينشتاين إمكانية أن تسمح الطبيعة الموجية للذرات بالانتشار والتداخل إن كانت منضغطة كفاية.
في درجات الحرارة العادية، تعمل الذرات مثل كرات بلياردو ترتد متباعدةً. يقلل انخفاض درجة الحرارة سرعتها، وعندما تنخفض الحرارة بدرجة كافية -أجزاء من مليار من الدرجة فوق الصفر المطلق، وعندما تكون الذرات كثيفة كفاية، تستطيع الموجات المكونة للمادة «الإحساس» ببعضها وتنسيق الأدوار، كما لو كانت «ذرة فائقة» ضخمة.
تكاثفت أول مجموعة من الغازات بطريقة بوز-أينشتاين عام 1995، وفي غضون بضع سنوات، كرر أكثر من 36 فريقًا التجربة. استحدث الاكتشاف الحائز على جائزة نوبل فرعًا جديدًا في الفيزياء. يمكِّن تكاثف بوز-أينشتاين العلماء من دراسة عالم فيزياء الكم المجهري المدهش كما لو كانوا ينظرون إليه من خلال عدسة مكبرة، إذ «يضخم» الذرات كما يضخم الليزر الفوتونات.
إن الغازات الذرية فائقة البرودة خيار ممتاز لمحاكاة إلكترونات المواد الصلبة، لكنها للأسف تفتقر إلى الشحنة. قد يعيقنا تعادل الذرات عن محاكاة بعض الظواهر، مثل تأثير هول الكمومي. لكن يمكن التغلب على هذه العقبة بإدخال الحركة الدورانية إلى هذا النظام المتعادل.
قال المؤلف المشارك مارتن زويرلاين: «خطرت لنا فكرة: لم لا نجعل هذه الذرات الباردة تتصرف كما لو كانت إلكترونات في مجال مغناطيسي، فنستطيع التحكم فيها؟ من ثم يمكننا تصور ما تفعله الذرات المفردة، ومعرفة هل تخضع لفيزياء ميكانيكا الكم أم لا».
باستخدام مصيدة ليزر، برّد باحثو معهد ماساتشوستس نحو مليون ذرة من غاز الصوديوم، وثُبتت الذرات المبردة مكانها باستخدام مجال مغناطيسي.
الخطوة التالية فهي التبريد التبخيري: تجتمع مجموعة من المجالات المغناطيسية على الذرات الأسخن لطردها، وتبقى الذرات الأبرد مترابطةً.
يمكنك ملاحظة ظاهرة التبريد التبخيري في قهوتك، إذ ترتفع الذرات الأسخن إلى أعلى وتخرج في صورة بخار.
تسبب المجالات المغناطيسية اللف الذاتي للذرات ضمن شبكة الليزر، نحو 100 دورة في الثانية. التُقطت هذه الحركة بكاميرا اقتران الشحنة، بفضل تألق ذرات الصوديوم استجابةً لضوء الليزر. يظهر أثر الذرات الذي تُمكن ملاحظته لاحقًا، باستخدام تقنية التصوير بالامتصاص.
في غضون 100 مللي ثانية، غزلت الذرات في هيكل طويل ورفيع مثل الإبرة. على عكس السوائل التقليدية التي تقل ثخانتها باستمرار، فإن للسائل الكمومي حد أدنى لا تقل الثخانة عنه. وجد الباحثون أن التكوينات الإبرية التي تشكلت في سحب الذرات الباردة بلغت هذا الحد.
يمثل البحث الأخير دفعة لتجربة معهد ماساتشوستس، بفحص كيفية تطور السائل إبري الشكل في ظل ظروف الدوران والتفاعلات الذرية الداخلية.
أظهرت النتائج عدم استقرار كمي، ما سبب تذبذب السائل، ليتخذ شكلًا لولبيًا. في النهاية، تبلور السائل إلى خيط من كتل صغيرة تدور مثل الأعاصير، إذ تشكلت بلورة كمومية وتمايزت بالكامل داخل الغاز الدوّار.
تشبه هذه النتيجة إلى حد بعيد التكوينات المسماة غيوم كلفن هلمهولتز. إذ تبدأ غيوم متماثلة في تكوين تموجات، نتيجة تقابل تيارين هوائيين يختلفان في السرعة والاتجاه.
قال زويرلاين: «تشبه هذه الظاهرة أثر الفراشة، إذ تؤدي حركة بسيطة إلى اضطراب في مكان آخر. في حالتنا، لدينا طقس كمي: يتفكك السائل نتيجة عدم استقراره الكمومي، تاركًا تركيبًا بلوريًا من السحب والدوامات الأصغر. إنه إنجاز حقيقي أن نشاهد هذه التأثيرات الكمومية».
سابقًا، توقع هذا السلوك فيزيائيون آخرون في عدة أوراق بحثية منشورة، لكننا نلاحظه الآن للمرة الأولى. لهذا البحث تطبيقات عملية محتملة، منها أجهزة الاستشعار الدورانية الحساسة في الملاحة البحرية.
تعتمد الغواصات على جيروسكوبات الألياف البصرية، لاكتشاف الحركة الدورانية بدايةً من غوصها بالكامل تحت الماء. ما يُنبيء عن نمط تداخل ذي دلالة.
تتحرك الذرات أبطأ من الضوء، لذا نتوقع أن يكون مستشعر الإعصار الكمومي أكثر حساسية، ربما حساسًا بدرجة كافية لقياس التغيرات الطفيفة في دوران الأرض.
اقرأ أيضًا:
هل يمكن إيجاد نظرية فيزياء كمومية تساعد في تفسير الكون؟
في إنجاز عظيم، نجح العلماء بخلق تشابك كمومي بين طبلة وسحابة من الذرات
ترجمة: عصماء عصمت
تدقيق: حسام التهامي