في عصر التكنولوجيا والتطور، لم يعد استكشاف الفضاء أمرًا مستحيلًا، بل بالعكس تمامًا، فنحن نعيش فعليًا في عصر استكشاف مستمر للفضاء. ودفع هذا التطور الهائل وكالات الفضاء المتعددة للتخطيط لإرسال رحلات أخرى إلى القمر، إضافةً إلى تخطيط وكالة ناسا والصين لإرسال بعثات مأهولة إلى المريخ، وقد تنضم إليهما بعض الدول الأخرى.
من المتوقع أن تنقل هذه البعثات روّاد الفضاء إلى ما وراء المدار الأرضي المنخفض (LEO) ونظام الأرض والقمر، وتتطلب هذه البعثات بدورها العديد من التكنولوجيات الجديدة مثل: نظام حفظ الحياة، والوقاية من الإشعاعات، وتوفير تكنولوجيات الدفع.
عندما يتعلق الأمر بالدفع، فإن الدفع النووي الحراري (NTP) والدفع النووي الكهربائي (NEP) من أكبر المنافسين.
أمضت وكالة ناسا وبرنامج الفضاء السوڤيتي عقودًا في إجراء بحوث عن الدفع النووي، وذلك خلال سباقهم إلى الفضاء الخارجي لاستكشاف مجراته وكواكبه.
قبل بضعة أعوام، أعادت وكالة ناسا للفضاء تفعيل برنامجها النووي لتطوير الدفع النووي الثنائي، وهو نظام من جزأين يتألف من عنصرين (NPT) و(NEP) اللذين يقدمان لروّاد الفضاء إمكانية الذهاب إلى المريخ في غضون 100 يوم فقط.
اختارت وكالة ناسا مفهومًا نوويًا لتطوير الدفع النووي الثنائي كجزء من برنامج وكالة ناسا للمفاهيم المتطورة المبتكرة (NIAC) لعام 2023، وتستخدم هذه الفئة الجديدة من نظام الدفع النووي الثنائي نظامًا حديثًا قد يقلل زمن الذهاب إلى المريخ إلى 45 يوم فقط.
اقترح البروفيسور ريان غوس هذا النظام الحديث، ويُعد ريان غوس قائدًا لبرنامج Hypersonics في جامعة فلوريدا وعضوًا في فريق فلوريدا للبحوث التطبيقية في الهندسة (FLARE).
يعد اقتراح غوس واحدًا من 14 اقتراحًا آخر اختارته NAIC هذا العام لتطوير وسائل الدفع، ويشمل الاقتراح منحة للمساعدة في تطوير التكنولوجيا والأساليب المعنية بقيمة 12500 دولار، وشملت المقترحات الأخرى أجهزة الاستشعار والأدوات وتقنيات التصنيع وأنظمة الطاقة، وغيرها.
يستند الدفع النووي أساسًا إلى مفهومين هما (NTP) و(NEP)، إذ يعتمد كلاهما على تكنولوجيات جرى اختبارها وإقرارها على نحوٍ شامل.
بداية بالدفع النووي الحراري (NTP) الذي يتكون من وقود هيدروجين سائل (LH2) لتسخين المفاعل النووي، وتحويل الهيدروجين السائل إلى غاز هيدروجين مؤين (بلازما) الذي يوجه بعد ذلك من فوهات لتوليد الدفع.
بُذلت عدة محاولات لإجراء اختبار لنظام الدفع هذا، بما في ذلك مشروع روڤر، وهو مشروع مشترك بين القوات الجوية الأمريكية ولجنة الطاقة الذرية (AEC)، وبدأ المشروع في عام 1955.
في عام 1959، حلّت ناسا محل القوات الجوية الأمريكية، ودخل البرنامج مرحلة جديدة مخصصة لتطبيقات الرحلات الفضائية. وأدى ذلك في نهاية المطاف إلى تطوير محركٍ نووي للمركبات الصاروخية (NERVA)، وهو مفاعل نووي صلب اختُبر بنجاح.
مع نهاية عصر أبولو عام 1973، انخفض تمويل البرنامج انخفاضًا كبيرًا، وهذا ما أدى إلى إلغائه قبل إجراء أي اختبارات للطيران. وفي الوقت نفسه، طوّر السوڤييت محرك (RD-0410) للدفع النووي الحراري بين عامي 1965 و1980، وأجروا اختبارًا أرضيًا واحدًا قبل إلغاء البرنامج أيضًا.
من ناحيةٍ أخرى، يعتمد الدفع النووي الكهربائي (NEP) على مفاعل نووي لتوفير الكهرباء للصواريخ، ويولد المفاعل مجالًا كهرومغناطيسيًا يتأين ويقوم بتسريع غاز خامل مثل غاز زينون لإنشاء قوة دفع. وتشمل محاولات تطوير هذه التكنولوجيا مشروع بروميثيوس (2003 إلى 2005) التابع لوكالة ناسا لمبادرة الأنظمة النووية (NSI).
يتميز كلا النظامين بمزايا كبيرة مقارنةً بالدفع الكيميائي التقليدي، مثل: معدّل الدفع النوعي العالي (Isp)، وكفاءة الوقود، وكثافة الطاقة غير المحدودة تقريبًا.
في حين أن تقنية الدفع النووي الكهربائي NEP تتميز بأنها توفر أكثر من 10,000 ثانية من Isp، وهذا يعني أنها قد تحافظ على الدفع لما يقارب من ثلاث ساعات، لهذا فإن مستوى الدفع منخفض جدًا مقارنةً مع الصواريخ التقليدية والدفع النووي الحراري NTP.
نوّه بروفيسور غوس بأن الحاجة إلى مصدر للطاقة الكهربائية تثير أيضًا مسألة طرد الحرارة في الفضاء، إذ يتراوح تحويل الطاقة الحرارية بين 30٪ إلى 40٪ في ظل الظروف المثالية.
في حين أن تصاميم NTP NERVA هي الطريقة المفضلة للبعثات المأهولة إلى المريخ وما بعده، فهذه الطريقة لديها بعض المشكلات أيضًا كصعوبة توفير المواد الأولية. وهذا هو السبب في تفضيل المقترحات التي تشمل نظامي الدفع (دفع مزدوج)؛ لأنها تجمع بين مزايا كل منهما.
يدعو اقتراح غوس إلى تصميم ثنائي مبني على مفاعل NERVA ذي النواة الصلبة الذي من شأنه أن يوفر دفعة محددة Isp من 900 ثانية، أي ضعف الأداء الحالي للصواريخ الكيميائية، إضافةً إلى شاحن فائق.
أوضح البروفيسور غوس الفرق بين النظامين، إذ إن محرك الدفع النووي الحراري NTP يعتمد على المفاعل الذي يستخدم الضغط الناتج عن تسخين المفاعل كوقود LH2 لضغط كتلة التفاعل ضغطًا أكبر، وهذا ما سوف يقدم مستويات دفع مماثلة لتلك التي في مفهوم فئة NTP من NERVA ولكن سيوفر دفعة Isp من 1400 – 2000 ثانية.
أما في محركات الدفع النووي الكهربائي NEP، فيمكن زيادة دورة عمل Isp من 1800 – 4000 ثانية مع إضافة الحد الأدنى من الكتلة الجافة. وسيتيح هذا التصميم الثنائي النقل السريع للبعثات المأهولة (45 يومًا إلى المريخ)، وسيُحدث ثورة في استكشاف الفضاء والمجموعة الشمسية.
مقارنةً بتكنولوجيا الدفع التقليدية، قد تستمر بعثة مأهولة إلى المريخ مدة تصل إلى ثلاث سنوات باستخدام تكنولوجيا الدفع النووي. وكانت هذه البعثات تنطلق كل 26 شهرًا عندما تكون الأرض والمريخ في أقرب نقطة لهما. وستستغرق الرحلة ما لا يقل عن 6 إلى 9 شهور للوصول إلى كوكب المريخ.
بفضل النظام الحديث، فإن الرحلة إلى المريخ ستستغرق نحو 45 يومًا، أي أن النظام الحديث استطاع أن يقلص مدة الرحلة للبعثة إلى أشهر بدلًا من سنوات.
فضلًا عن سرعة الوصول إلى المريخ، فإن النظام الحديث له ميزات مهمة للغاية، فهو يقلل بدرجة كبيرة من المخاطر الرئيسية مثل: التعرض للإشعاع، والوقت الذي تقضيه البعثات في الجاذبية الصغيرة للغاية، والمخاوف الصحية.
إضافةً إلى ما سبق، هناك اقتراحات بتصميمات مفاعلات جديدة ستساعد على توفير مصدر طاقة ثابت للبعثات السطحية طويلة الأمد التي لا تتوفر فيها دائمًا الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
من الأمثلة على ذلك مفاعل كيلوباور التابع لوكالة ناسا باستخدام تكنولوجيا ستيرلينغ (KRUSTY) ومفاعل الانشطار والاندماج الهجين التابع لوكالة ناسا.
اقرأ أيضًا:
الدفع النووي.. الطريقة الواقعية الوحيدة لإرسال البشر إلى المريخ
خطة روسية جنونية للوصول الى المريخ خلال 45 يوم باستخدام الطاقة النووية
ترجمة: يزن دريوس
تدقيق: هادية أحمد زكي