الخروج من الجسد، ربما اللوم على أذنيك

أثناءَ قيادته لسيارته وأثناءَ تسارعه، أحسَّ رجلٌ في فرنسا فجأةً بإحساسٍ غريبٍ؛ شعر بأنّه خارجَ سيّارته، يشاهد نفسَه في صورته الماديّة التي كانت لا تزال خلف عجلة القيادة.

كان الرجل جزءًا من دراسةٍ جديدةٍ تربط مشاكلَ الأذن الداخليّة مع حالات «الخروج من الجسد Out-of-body».

هذه التجارب غريبةٌ، وتكون الإحساسات قصيرةً عادةً يبدو فيها أنّ وعيَ الشخص قد خرج من جسده ثمّ شاهدَ الجسمَ من الخارج.
وقد حلّلتِ الدراسة 210 مريضًا زاروا أطبّاءَهم لوجود ما يسمّى بالاضطرابات الدهليزيّة.

يتكوّن النظام الدهليزيّ-Vestibuler System من عدّة هياكلَ في الأذن الداخليّة، ويوفّر للجسم الشعورَ بالتوازن والتوجُّه المكانيّ.

يمكن أن تسبّبَ المشاكلُ في هذا النظام الدوخةَ أو الإحساسَ بالطفو أو أعراضًا أخرى.

استعانت مايا إلزيير Maya Elzière – وهي أخصّائيّة الأنف والأذن والحنجرة في المستشفى الأوروبيّ في مرسيليا في فرنسا والمشاركة في إعداد الدراسة – بالمرضى الذين يعانون من بعض الأمراض، بدءًا من الدوار المتكرّر وطنين الأذن وصولًا إلى التهابات الأذن.

ومن بين هؤلاء المرضى، ذُكر أنّ 14% منهم قد مرّوا بتجربة الخروج من الجسد، مقارنةً مع 5% فقط من الأشخاص الأصحّاء دون اضطراباتٍ دهليزيّةٍ مرّوا بنفس التجربة.

وقال كريستوف لوبيز Christophe Lopez، وهو المؤلّف الرئيسيّ للدراسة وعالم الأعصاب في جامعة إيكس-مارسيل في فرنسا: «كانت تجارب الخروج من الجسد أكثرَ تواترًا بثلاث مرّاتٍ عندَ المرضى الذين يعانون من اضطراباتٍ دهليزيّةٍ، مقابلَ أولئك الذين لا يعانون من هذه الاضطرابات».

يقول لوبيز: «مثال المريض الذي شعرَ بأنّه خرج من جسده أثناءَ تسارع سيّارته يبدو منطقيًّا».

وأوضح أنّه نظرًا لكون النظام الدهليزيّ مسؤولًا عن توجيه السائق وإعطائه الإحساسَ بالمضيّ قدمًا أثناءَ تسارعه في السيارة، فإنّ خطأً في النظام الدهليزيّ يمكن أن يرسلَ إشاراتٍ متقاطعةً إلى الدماغ أثناءَ الحركة.

«إذا كنت ترسل إشاراتٍ خاطئةً إلى دماغك حولَ حركتك، فإنّها تخلق ارتباكًا؛ فالدماغ عليه أن يجعلَ المعلوماتِ المتضاربةَ ذاتَ معنى».

وأضاف: «نعتقد أنّ الإشاراتِ المتضاربةَ تخلق نوعًا من عدم الترابط المركزيّ، وهذا يخلق تشوّهاتٍ في الإحساس بجسمك وبالبيئة المحيطة بك».

ومن بين 29 مريضًا في الدراسة من الذين أفادوا بمرورهم بإحساس الخروج من الجسد، وصفها أحدهم بأنّها: «إحساسٌ بدخول جسدي، مثلَ مظروفٍ، من الأعلى».

وقال آخرٌ: «رأيت نفسي أصغرَ من الأعلى».

وجد البحث أيضًا أنّ معظمَ المرضى أفادوا بأنهم أحسُّوا بإحساس الخروج من الجسد فقط بعدَ أن عانَوا من الدوخة لأوّل مرّةٍ.

وهذا يشير إلى ما قاله لوبيز، وهو أنّ المشاكلَ في الجهاز الدهليزيّ كانت عاملًا في خلق هذه الأحاسيس الغريبة.

وقد وُثّقت تجاربُ الخروج من الجسد لعدّة قرونٍ، على الأقلّ منذُ أواخر عام 1800.

ومن إحدى الحالات، تلك التي سجّلها طبيب الأذن الفرنسيّ بيير بونييه Pierre Bonnier في عام 1905، يصف مريضًا شعر بأنّه: «مقسّمٌ إلى شخصين، شخصٌ لم يغيّر مجلسَه وشخصٌ آخرُ جديدٌ على يمينه، يبدو إلى حدٍّ ما نحوَ الخارج، ثمّ اقترب الشخصان الجسديّان من بعضهما البعض، واندمجا معًا ثمّ اختفى الدوار».

وقال لوبيز إنّ الأطبّاءَ يعزون هذا الإحساسَ عادةً إلى نوعٍ من الاضطراب العقليّ.

ولكنّ الدراسةَ الجديدةَ تعتمد على أبحاثٍ حديثةٍ أخرى تربط الشعورَ – على الأقلّ في بعض الحالات – بوجود خللٍ في الجهاز الدهليزيّ.

يقول بيتر بروجر Peter Brugger، عالم النفس في جامعة زيوريخ في سويسرا: «ما قام به مؤلّفو هذه الدراسة هو تحديد تأثير الأحاسيس الدهليزيّة وعلاقتها بالأعراض التي وصفت تقليديًّا بأنّها من (الطبّ النفسيّ)».

وقد درس بروجر أحاسيسَ غريبةً مماثلةً من ناسٍ يرَون أنفسَهم أو شبيهًا بهم قبلَ ذلك.

وقال لوبيز إنّه استلهم فكرةَ البحث بعدَ العمل في مختبر أولاف بلانك Olaf Blanke، عالم الأعصاب في المعهد الفيدراليّ السويسريّ للتكنولوجيا في لوزان في سويسرا.

في عام 2002، أظهر بلانك أنّه يمكن إنتاج أحاسيس الخروج من الجسد في المريض عن طريق التحفيز الكهربائيّ لمنطقة تداخل المدخل الدهليزيّ والبصريّ في الدماغ.

يقول تيرانسي هاينز Terence Hines، أستاذ علم النفس في جامعة بيس في نيويورك ومؤلّف كتاب «العلوم الزائفة والخوارق»: «إنّ الدراسةَ الجديدةَ منطقيّةٌ نظرًا لدور الجهاز الدهليزيّ في جسم الإنسان».

يقول هاينز: «لا أعتقد أنّ هذا هو التفسير الوحيد لتجارب الخروج من الجسد، لكنّنا نعلم أنّ هذا الجزءَ من الأذن الداخليّة يلعب دورًا في كيفيّة إدراك وتوجيه أجسادنا، لذلك إذا كان هناك شيءٌ خاطئٌ فإنّ هذا التفسيرَ منطقيٌّ إلى حدٍّ ما».

وهناك عواملُ أخرى ترتبط بالفعل بإحساس الخروج من الجسد.

وفقًا للدراسة الأخيرة فقد ارتبط التاريخ الشخصيّ من الصداع النصفيّ والقلق والاكتئاب مع تواتر هذه الأحاسيس.

وهناك بحثٌ آخرُ، بقيادة عالمة النفس أندرا سميث Andra Smith في جامعة أوتاوا في كندا، تصف فيه حالةَ امرأةٍ يمكن أن تطلقَ هذا الإحساسَ عمدًا، ممّا يشير إلى أنّه قد يكون من الممكن القيام بذلك من خلال التأمُّل.

كما قال لوبيز إنّه من الشائع تجربة إحساس «الطفو» أو «الغرق» أثناءَ بدءِ النوم أو الحلم أو الاستيقاظ، ومن حيث الفيزيولوجيا العصبيّة، فإنّه من غير الواضح سبب حدوث ذلك.

واستبعد لوبيز الحالات التي حدثت أثناءَ النوم من دراسته، لأنّها ليست مرتبطةً بالضرورة مع نظامٍ دهليزيٍّ خاطئٍ.

واستبعد أيضًا أيّة أحاسيس مرتبطةٍ باستخدام المخدّرات أو الكحول.

وقال لوبيز إنّ كونَ النظام الدهليزيّ الخاطئ «ليس التفسيرَ الوحيدَ لتجارب الخروج من الجسد»، فقد يكون من المطمئن للبعض أن نعرفَ أنّ التفسيرَ الميكانيكيّ قد يلعب دورًا.

وقال: «قد تحدث تجربة الخروج من الجسد بسبب عدم عمل أحد النظم الحسيّة الرئيسة بشكلٍ صحيحٍ، وهذا لا يعني أنّك مجنونٌ».

نُشرت الدراسة على الإنترنت في الثامن من حزيران في صحيفة «journal Cortex».