اكتشف الباحثون مؤخرًا سببًا مفاجئًا وربما مهمًا وراء تزايد الإصابة بالسرطان عند تناول الطعام المطبوخ على درجة حرارة عالية مثل اللحوم الحمراء والطعام المقلي. والسبب المزعوم هو الحمض النووي (DNA) المتخرب بسبب عملية الطهو.
هذه الدراسة التي أجراها علماء ستانفورد والمتعاونون معهم في المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا(NIST) وجامعة ماريلاند وجامعة ولاية كولورادو تكشف أن مكونات الحمض النووي المتخربة بالحرارة يمكن أن تكون مشوّهة فتمتص في أثناء الهضم وتندمج في الحمض النووي للمستهلك.
يُتلف هذا الامتصاص الحمض النووي للمستهلك مباشرة مسببًا طفرات جينية قد تؤدي في النهاية إلى الإصابة بالسرطان وأمراض أخرى.
من المبكر جدًا القول أن هذا ما يحدث عند البشر فالدراسة أُجريت على الفئران والخلايا المزروعة في المختبر فقط، ويمكن أن يكون للنتائج آثار مهمة على الخيارات الغذائية والصحة العامة.
أوضح كبير مؤلفي الدراسة إريك كول وهيلدا دوبيرت أستاذة الكيمياء في كلية ستانفورد للعلوم والعلوم الإنسانية: «لقد أثبتنا أن الطهو يمكن أن يدمر الحمض النووي للطعام وتناول هذا الحمض النووي التالف قد يكون مصدرًا لخطر وراثي، واعتمادًا على هذه النتائج يمكن أن يتغير مفهومنا عن إعداد الطعام وخياراته».
مخاطر وراثية جديدة:
قال كول: «تربط العديد من الدراسات استهلاك الطعام المشوي أو المقلي بتلف الحمض النووي، ونُسب الضرر إلى جزيئات صغيرة معينة تشكل ما يسمى الأنواع التفاعلية في الجسم. ومع ذلك، من الجدير بالملاحظة أن تلك الجزيئات الصغيرة التي تنتج عن الطهو التقليدي يقل عددها بآلاف المرات عن تلك المتشكلة طبيعيًا في الطعام».
لكي تسبب تلك الأنواع التفاعلية تلف الحمض النووي يجب أن تصطدم معه فيزيائيًا في الخلية، محدثةً تفاعلًا كيميائيًا ضارًا، وهو حدث نادر غالبًا. وعلى النقيض من ذلك فإن المكونات الأساسية للحمض النووي المعروفة باسم النكليوتيدات التي تتوافر نتيجة الهدم الطبيعي للجزيئات الحيوية، تندمج عند الهضم في الحمض النووي للخلايا، وأن يكون الحمض النووي المتخرب للأغذية قد ألحق الضرر بالحمض النووي للمستهلك هو اقتراح منطقي وربما يكون مهمًا.
يقول كول: «لا نشك في أن الجزيئات الصغيرة التي حُددت في دراسات سابقة هي بالفعل خطرة ولكن ما لم يوثّق قبل دراستنا هو الكميات الكبيرة والمحتملة من الحمض النووي التالفة بسبب الحرارة والمتاحة للتداخل في الحمض النووي للمستهلك».
نحن ما عليه الآن بسبب ما نأكله:
كثير من الناس لا يدركون أن الأطعمة التي نأكلها -اللحوم الأسماك والخضروات والحبوب والفواكه والفطر… سمّ ما شئت- تشمل الحمض النووي للكائنات الحية وهذا الإغفال مُبرر، فلا يظهر الحمض النووي على ملصقات الأغذية كما تظهر البروتينات والكربوهيدرات والدهون والدسم والفيتامينات والمعادن، ومع أن كميات الحمض النووي التي تُؤكل لا تكاد تُذكر، فإن تعرض الإنسان للحمض النووي التالف بالحرارة أيضا لا يستهان به.
البحث في التفاصيل الدقيقة لإصلاح جزيئات الحمض النووي المعقدة -سواءً بعد الأخطاء الطبيعية التي لا يمكن تجنبها أو بعد الضرر الناجم عن التعرض البيئي- هو الهدف الرئيسي لمختبر كول في ستانفورد.
ولهذه الغاية، ابتكر مختبر كول والمتعاونون معهم وسائل لإحداث وقياس أشكال معينة من الضرر الذي يصيب الحمض النووي. وفي أثناء متابعة هذه السلسلة من البحث بدأ كول يتساءل عن الارتباط المفترض بين DNA المنقول بالغذاء والعملية التي يقوم بها الجسم تلقائيًا، وإعادة استخدام أجزاء الحمض النووي.
بدأ الباحثون بطهو الطعام -لحم البقر المفروم ولحم الخنزير المفروم والبطاطا- إما باستخدام الغليان لمدة 15 دقيقة عند 100 درجة مئوية أو التحميص لمدة 20 دقيقة عند 220 درجة مئوية. ثم استخرج باحثو جامعة ستانفورد الحمض النووي من هذا الطعام وأرسلوا العينات إلى المتعاونين في المعهد القومي للمعايير والتقنية.
أظهر فريق(NIST) بقيادة ميرال ديزدار أوغلو أن أنواع الطعام الثلاثة أظهرت تلفًا في DNA عند غليها أو تحميصها، وزادت درجات الحرارة المرتفعة من تلفه في جميع الحالات تقريبًا، ومن المثير أنه حتى مجرد الغليان الذي هو طهو عند درجة حرارة منخفضة نسبيًا سبّب تلفًا في DNA.
وظهرت نتائج أخرى مثيرة للاهتمام أيضًا وهي أنه على درجات حرارة أعلى، تكبّدت البطاطا ضررًا أقل من اللحوم لأسباب غير معروفة.
اشتمل النوعان الأشيع من الضرر على تحول كيميائي للسيتوزين إلى مركب ذي صلة وهو اليوراسيل وإضافة الأكسجين إلى الغوانين، وكلا النوعين من التلف سامان جينيًّا ويمكنهما إعاقة عمل الجينات وتعزيز حدوث الطفرات التي تجعل الخلايا تتكاثر بطريقة لا يُسيطر عليه مثل السرطان.
بعد ذلك كشف فريق كول عن الخلايا المزروعة في المختبر والفئران التي أطعمها محلولًا يحتوي على مكونات DNA تالفة على درجات حرارة عالية استخدم الباحثون تراكيز عالية وأداة مبتكرة -أنشئت محليًا في مختبر كول في عمل سابق- تتعرف على مواقع DNA التالف بواسطة جزيئات فلورية، ما يسهل قياس مدى الضرر.
أظهرت الخلايا المزروعة في المختبر تلفًا كبيرًا في DNA ناتجًا عن امتصاص مكونات DNA التالفة للحرارة. أما بالنسبة للفئران فقد أظهرت تلف DNA بارزًا في الخلايا المبطّنة للأمعاء الدقيقة وهو أمر منطقي كونه المكان الذي يحدث فيه هضم الطعام بكثرة.
تستحق المزيد من البحث:
يخطط الفريق الآن للتعمّق أكثر في هذه النتائج الأولية المثيرة الدهشة، وتتمثّل إحدى الطرق المستقبلية للبحث في اختيار مجموعة متنوعة من الأطعمة لمتابعة فكرة أن الأطعمة التي تحتوي على مستويات عالية من الحمض النووي مثل المنتجات الحيوانية يمكن أن تشكل خطرًا وراثيًا محتملًا أكثر من الغذاء منخفض المستوى مثل البطاطا وغيرها من النباتات، ويخطط الباحثون أيضًا لفحص طرق طهو الطعام بالتحضير المختلف، مثل طهو الطعام لمدة لا تزيد عن 20 دقيقة.
والأهم من ذلك أن مجال البحث يحتاج إلى جرعات منخفضة من الحمض النووي التالف بسبب الحرارة على مدى عقود من الاستهلاك البشري للنظم الغذائية التقليديّة في حين أن الجرعات المتناولة لإثبات المفهوم هي جرعات عالية.
قال كول: «تُثير دراستنا الكثير من الأسئلة عن مخاطر صحية مزمنة غير معروفة تمامًا ولكن من المحتمل أن تكون ناتجة عن التناول المزمن للأطعمة المشوية أو المقلية أو المحضرة بطريقة أخرى على حرارة عالية، ونحن لا نعرف حتى الآن إلى أين ستؤدي هذه النتائج الأولية، وندعو المجتمع البحثي الأوسع للانطلاق منها».
اقرأ أيضًا:
اضطراب نهم الطعام: الأسباب والأعراض والتشخيص والعلاج
هل استخدام ورق الألومنيوم لتغطية الطعام مضر بالصحة؟
ترجمة: سمر نزار مقصود
تدقيق: يوسف صلاح صابوني