قدّر العلماء خريطة الكون مسبقًا بعد دقائق من الانفجار العظيم منذ 13.8 مليار السنة؛ الذي أدى إلى توسّع الكون والزمن، إذ نشاهد أدق التفاصيل في هذا الكون الذي تمكنا من دراسته بفضل الفيزياء الكمية.
أظهرت نتائج تحليل رياضيّ لأصل الكون وجود حقبة بدأت بعد دقائق من الانفجار العظيم تدعى الحقبة التضخمية، تحتوي على بنية من نوعٍ ما قد تُساعد في فهم خريطة الكون، حتى لو بدا ذلك صعبًا للوهلة الأولى بناءً على معرفتنا المحدودة في الفيزياء الكمّية.
استخدم علماء الفيزياء الفلكية من جامعة غوتنغن في ألمانيا، وجامعة أوكلاند في نيوزيلندا مزيجًا من عمليات محاكاة حركة الجسيمات، ونوعًا من الجاذبية ونمذجة كمية للتنبؤ بكيفية تشكّل البنى نتيجة تكثيف الجسيمات، بعد انقضاء الحقبة التضخمية.
إن حجم الأجسام الذي تدرسها هذه النماذج هائل جدًا، إذ تصل كتلها إلى 20 كيلوغرامًا مضغوطة في مساحاتٍ عرضها بالكاد 0.00000000000000000001 مترًا. هذه القياسات كانت موجودةً عندما كان عمر الكون 10 بالقوة -24 ثانية.
يقول مختص الفيزياء الفلكية جيمس نيمير من جامعة غوتنغن: «الفضاء الذي أظهرته المحاكاة يمكن أصغر من حجم البروتون مليون مرة. ولربما كانت هذه أكبر محاكاة أجريناها للحصول على تقدير حجمي لأصغر منطقة في الكون حتى الآن».
إن كل المعرفة التي لدينا عن مراحل تشكل الكون الأولية جمعناها بواسطة الحسابات الرياضية الدقيقة مثل المحاكاة المذكورة.
يُمكن مشاهدة علامة أخرى تتعلق بحياة الكون الأولية وهي إشعاع الخلفية الكونية الميكروي (CMB) Cosmic Background Radiation؛ التي يُقدّر عمرها بحوالي 300,000 سنة في ذلك الوقت. لكن الإشعاعات الخافتة تُظهر لنا أدلة تقودنا لتقصي ما كان يحدث في الكون.
أدت بداية حقبة إعادة الالتحام إلى اجتماع الجسيمات الأساسية مع الذرات، إثرَ طاقة الضوء الحارة الكثيفة القادمة من الإشعاعات الكونية.
بعد رسم خريطة تتضمن الطرق التي تتبعها هذه الإشعاعات الكونية، نكتشف أن الكون كان يتمتع ببنية خاصة تشكّلت بعد مضي مئات الآلاف من السنوات.
كانت مناطق الكون تتصف بالحار منها والبارد، فنجد المادة التي نشأ منها الكون تندفع إلى مناطق في الفضاء وتؤدي إلى تشكّل النجوم، والمجرات الحلزونية، والكتل فيما يُشبه ما نسميه اليوم بالمدينة الكونية.
وهذا يقودنا إلى طرح إشكال: يستمر الكون في التوسع، أي في مرحلةٍ ما كان الكون أصغر حجمًا. هذا الافتراض يقتضي أن كل ما نراه اليوم في الفضاء كان مجموعًا ومضغوطًا في حيّز ضيق جدًا، ما يعني استحالة وجود المناطق الباردة والساخنة فيه معًا.
اقترح العلماء وجود الحقبة التضخمية حلًا لمشكلة البرودة والسخونة هذه. فالكون ازداد حجمًا مهولًا خلال أجزاء من تريليون جزء من ثانية واحدة بعد الانفجار العظيم، فلم يعد هنالك وجود لتنوّع درجات الحرارة على المستوى الكمي.
قولنا بأن كل ذلك حدث في لمح البصر لن يكون كافيًا لشرح هذه الظاهرة. من الأفضل القول أن هذه التغيرات بدأت بعد حوالي 10 بالقوة -36 ثانية من الانفجار العظيم، واستمرت 10 بالقوة -32 ثانية. لقد كانت تلك المدة كفيلة بوضع قياسات للكون تمنع حدوث تنوعات في الحرارة مرة أخرى.
يُركز الباحثون على القيام بالحسابات المتعلقة بتلك المدة البسيطة التي حدثت ضمن الحقبة التضخمية فقد وجدوا أن الجسيمات الأولية تتعقد نتيجة الموجات الكمية القادمة من بحر الكون. وكانت لتسبب انحرافات في الزمكان نفسه، نتيجة هالات المادة المؤقتة التي تؤلفها هذه الجسيمات.
يقول المؤلف الأول لهذا البحث مختص الفيزياء الفلكية بندكت إيغمير من جامعة غوتنغن: «لا بد أن تكوّنَ هذه البنى الكونية، وحركتها في الفضاء وتفاعلها مع محيطها، أدّى إلى توليد موجات جاذبية لها خواص معينة. باستخدام نماذج المحاكاة التي صممناها، سنستطيع حساب شدة إشارة موجة الجاذبية المحددة، وقد يُصبح من الممكن قياسها في المستقبل».
في بعض الحالات، من المحتمل أن كتلَ هذه الأجسام الهائلة أدّت إلى سحب المادة في الكون إلى داخل ثقوب سوداء أزلية، ويُفترض أن هذه الثقوب السوداء تلعب دورًا في ابتلاع المادة المظلمة لسببٍ مجهول.
لا يعني تجمّع هذه البنى الكونية مع بعضها -مثلما تُظهر لنا التلسكوبات النجمية- أنها مرتبطة بنسقٍ معينٍ يُمكن من خلاله تخمين توزّع النجوم والغازات، والمجرات في وقتنا الحاضر.
في الختام، ما يزال الأمل قائمًا على إمكانية اكتشاف نوع جديد من الفيزياء المعقدة في أعماق الكون المليء بالنجوم البرّاقة، والفراغات المظلمة وحتى في الطبقات الأكثر بروزًا؛ حيث نجد الجسيمات الأولية تتّخذ شكلًا من الأشكال التي عهدناها.
نُشر هذا البحث في مجلة Physical Review D.
اقرأ أيضًا:
رحلةٌ لاستكشاف تاريخ وبنية الكون
ترجمة: طاهر قوجة
تدقيق: منال توفيق الضللي