وجدت دراسة أن التعرض إلى جزيئات فائقة الدقة (UFPs) من الملوثات قد يكون محفزًا للنوبات القلبية، وأظهر البحث أنه بعد 6 ساعات من التعرض لهذا النوع من الملوثات، زادت النوبات القلبية غير المميتة بنسبة 3-6%
يوجد ربط واضح بين تلوث الهواء والظروف الصحية المختلفة، وتعرض الأطفال خاصةً للأذى، ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية بوصفها مصدرًا موثوقًا، يتسبب التلوث في ثلث الوفيات الناجمة عن السكتة الدماغية وسرطان الرئة وأمراض القلب.
تُعد الجسيمات فائقة الدقة ذات أهمية خاصةً للباحثين الذين لديهم أدلة على أن هذه الجسيمات قد تكون سببًا رئيسيًا للآثار الصحية السلبية الناجمة عن التلوث، خصوصًا في صحة الجهاز التنفسي.
يعود السبب في ذلك إلى صغر حجمها، ومساحتها السطحية الكبيرة بالنسبة لكتلتها، وقدرتها على دخول مجرى الدم.
مصدر الجسيمات فائقة الدقة في المناطق الحضرية هو احتراق البنزين أو الديزل في السيارات والمركبات الأخرى مع دخول أبخرة عوادم السيارات والمركبات الأخرى إلى البيئة المحيطة.
نتيجة لذلك، تحاول بعض المدن حول العالم بجهد كبير تقليل عدد المركبات القادرة على القيادة إلى مراكز هذه المدن.
وفقًا لدراسة نُشرت في مجلة (Environment International) فإن هذا الإجراء لا يقلل فقط من تلوث الهواء، بل يقلل أيضًا من التلوث الضوضائي وغازات الاحتباس الحراري، ويزيد أيضًا من أشكال النشاط البدني كالمشي وركوب الدراجات.
تأثير الجسيمات فائقة الدقة في صحة القلب
نظرت الدراسة الأخيرة في (Environmental Health Perspectives) بإمعان في آثار الجسيمات فائقة الدقة في صحة القلب، ومع إن العلماء اشتبهوا بوجود هذه العلاقة فلم يتمكنوا من إثبات الصلة بوضوح قبل هذه الدراسة.
وفقًا للدكتور كاي شين الأستاذ مساعد في كلية ييل للصحة العامة في نيو هافن، والمؤلف الأول للدراسة: «تؤكد هذه الدراسة شيئًا يُشتبه به منذ زمن، قد تؤدي جزيئات ملوثات الهواء الصغيرة دورًا في أمراض القلب الخطيرة، وهذا صحيح خصوصًا خلال الساعات القليلة الأولى من التعرض. يُعد ارتفاع مستويات الجسيم فائق الدقة UFP مصدر قلق خطير للصحة العامة».
تضيف أنيت بيترز مديرة معهد علم الأوبئة في مركز هيلمهولتز في ميونيخ في ألمانيا والمؤلفة المشاركة للورقة البحثية: «كان أول ظهور لآثار UFP في صحة مرضى الربو في دراسة وبائية في التسعينيات، ومنذ ذلك الحين نُشر 200 دراسة إضافية تقريبًا، لكن الأدلة الوبائية ما تزال غير متسقة وغير كافية لاستنتاج وجود علاقة سببية بينهما».
يعتقد المؤلفون أن التناقض في النتائج السابقة يرجع إلى الكثير من الطرق المختلفة التي استخدمها العلماء من أجل قياس الجسيمات فائقة الدقة، فمثلًا قد تركز مجموعات مختلفة إلى حجم هذه الجسيمات أو مساحة سطحها أو كميتها، وتتغير النتائج أيضًا اعتمادًا على كيفية تعريف الجسيمات فائقة الدقة. أخذ مؤلفو الدراسة الأخيرة الكثير من هذه المتغيرات بالحسبان.
مواقع الرصد الجوي
تشير البيانات التي جُمعت من مختلف أنحاء سنغافورة منذ 10 سنين تقريبًا إلى زيادة تراكيز الجسيمات فائقة الدقة في الهواء التي قد تؤدي إلى توقف القلب، ما يُظهِر حاجة ملحة إلى خفض مستويات تلوث الهواء في جميع أنحاء العالم.
بحث الباحثون عن جزيئات أصغر على الأقل 25 مرة من عرض شعرة الإنسان المعروفة باسم جسيمات 〖PM〗_2.5 (قطرها 2.5 ميكروميتر)، وبسبب صغر حجمها تُستنشَق بسهولة، لذلك رُبطت بمجموعة من المشكلات الصحية مثل أمراض المناعة الذاتية.
تتبعوا مستويات التلوث في سنغافورة مقابل أكثر من 18000 حالة سكتة قلبية خارج المشفى (OHCA) بين يوليو 2010 وديسمبر 2018، ويبين التحليل الإحصائي أن 492 حالة ربما تُعزى إلى زيادة تراكيز 〖PM〗_2.5.
تقول عالمة الأوبئة جويل أيك من كلية الطب (Duke–NUS) في جامعة سنغافورة الوطنية: «لقد قدموا دليلًا واضحًا على ارتباط قصير الأمد بين 〖PM〗_2.5 والسكتة القلبية خارج المشفى، وهو حدث كارثي غالبًا ما يؤدي إلى الموت المفاجئ».
هذه دراسة قائمة على الملاحظة، ما يعني أنه التكهن بالعلاقة بين مستويات التلوث والسكتات القلبية هو أقصى ما يُمكن فعله، ولا يمكن الافتراض أيضًا أن قياسات تلوث الهواء التي تُجرى في محطات جودة الهواء تعكس التعرض الفردي. ولكن يوجد ما يكفي من البيانات للإشارة إلى أن وجود رابط بينهما يستحق المزيد من الاستكشاف.
أظهرت البيانات أن متوسط تراكيز 〖PM〗_2.5 اليومية بلغ 18.44 ميكروغرام لكل متر مكعب، ولاختبار الانخفاضات الافتراضية في تلوث الهواء، وجد الباحثون أن انخفاض 1 ميكروغرام لكل متر مكعب مرتبط بانخفاض بنسبة 8% في حالات النوبات القلبية (أي ما يُترجم افتراضيًا إلى 39 نوبة قلبية أقل). بينما انخفاض 3 ميكروغرام لكل متر مكعب تبعه انخفاض بنسبة 30% (149 نوبة قلبية).
لوحِظ أيضًا انخفاض واضح في خطر الإصابة بنوبة قلبية بعد 3-5 أيام من التعرض لمستويات أعلى من التلوث، ما يشير إلى أن هذه الآثار قصيرة الأمد، وصرح الباحثون أن تنظيف هواء المدينة قد ينقذ الأرواح ويقلل من الضغط على المستشفيات.
تقول أيك: «توضح هذه النتائج أن الجهود المبذولة لتقليل مستويات جزيئات تلوث الهواء في نطاق 2.5 ميكروغرام أو نطاق أقل، وخطوات الحماية من التعرض لهذه الجسيمات، قد يؤدي دورًا في تقليل حالات السكتة القلبية المفاجئة لدى سكان سنغافورة، مع تقليل العبء على الخدمات الصحية».
معدل النجاة النموذجي من السكتة القلبية خارج المشفى هو 10% تقريبًا، وهو أقل بكثير من فرص النجاة من نوبة قلبية في المشفى، لذلك ليس من المبالغة القول إن تقليل عدد هذه الحالات ينقذ الأرواح، وبإمكاننا إضافته إلى القائمة الطويلة للأسباب التي تجعلنا ننظف الهواء.
رُصد هذا الرابط من قبل في مدن مثل نيويورك وملبورن بأستراليا، وكانت النتائج غير متناسقة مع البيانات التي جُمعت في أماكن أخرى مثل الدنمارك.
لتحديد العلاقة بين الجسيمات فائقة الدقة والنوبات القلبية غير المميتة، نظر الفريق أيضًا في بيانات جُمعت من مواقع مراقبة تلوث الهواء في مدينة أوغسبورغ في ألمانيا بين عامي 2005-2015، ثم قارنوها ببيانات عن النوبات القلبية غير المميتة في المدينة خلال نفس الفترة، وعدلوا النتائج التي توصلوا إليها لحساب مجموعة متنوعة من العوامل الأخرى التي قد تسبب أيضًا زيادة في النوبات القلبية غير المميتة.
وجد الباحثون علاقة بين زيادة الجسيمات فائقة الدقة ومعدل النوبات القلبية غير المميتة، خاصةً في الساعات القليلة الأولى التالية لزيادة الجسيمات، وتراوحت هذه الزيادة في النوبات القلبية بين ما يزيد قليلاً عن 3% إلى 6% تقريبًا، اعتمادًا على الطريقة التي قاسوا بها الجسيمات.
لم يتمكن الباحثون من النظر إلا في النوبات القلبية غير المميتة إذ لم تتوفر معلومات حول توقيت النوبات القلبية المميتة، لكنهم لاحظوا أن دراسة أخرى نظرت في المستويات اليومية الجسيمات فائقة الدقة ولم تجد أي فرق بين النوبات القلبية المميتة وغير المميتة.
تميل هذه التناقضات إلى الظهور عند تراكيز التلوث الأقل من القيم التوجيهية لجودة الهواء لمنظمة الصحة العالمية، لكن الأبحاث تظهر أنه لا يوجد مستوى آمن من التعرض لهذه الملوثات على صحة قلب السكان.
من الواضح أن معظم الناس يتنفسون هواء سيء النوعية ويُعتقد أنه مسؤول عن ملايين الوفيات المبكرة سنويًا في كل من مناطق المدن والريف.
علق البروفيسور تشين قائلاً: «تمثل هذه النتائج خطوة مهمة نحو فهم المؤشر المناسب للتعرض للجسيمات فائقة السرعة في تحديد الآثار الصحية قصيرة المدى … نظرًا لأن تأثيرات طول الجسيمات والتراكيز السطحية كانت أقوى من تأثيرات التراكيز العديدة للجسيمات، وظلت هذه المقارنة متشابهة بعد تعديل ملوثات الهواء الأخرى».
يريد الفريق المسؤول عن الدراسة الجديدة رؤية المزيد من العمل للتحكم في جودة الهواء في أماكن مثل سنغافورة، وذلك بالتحكم بكل شيء من الازدحام المروري إلى حرائق الغابات، فيوجد كثير من الأماكن التي نستطيع البدء منها لإحراز تقدم، من ضمنها النشاطات داخل المنزل التي تسيء لجودة الهواء.
أوضح البروفيسور تشين أن التحليلات المستقبلية ستنظر في التعرض المشترك في كل ساعة لكل من ملوثات الهواء ودرجات الحرارة العالية، ويختم بقوله: «سيحددون أيضًا الفئات السكانية الفرعية الضعيفة كالفئات التي تملك أمراضًا سابقة وتتناول الأدوية».
يقول الطبيب ماركوس أونج من كلية الطب Duke–NUS: «تقدم هذه الدراسة دليلًا قويًا على تأثير جودة الهواء في الصحة، ويجب أن تحفز الجهود السياسية على أرض الواقع لإدارة الانبعاثات الناتجة من المصادر الرئيسية التي قد تؤدي إلى زيادة الجسيمات فائقة الدقة ( 〖PM〗_2.5) ومنع الضرر المحتمل للصحة العامة».
وأضاف أيضًا: «قد تساعد التدخلات السياسية الجديدة (كالتخلص التدريجي من مركبات محركات الاحتراق الداخلي) في تقليل المخاطر».
اقرأ أيضًا:
هل يزيد النظام الغذائي عالي البروتين خطر النوبات القلبية؟
جراحة السمنة تقلل عدد النوبات القلبية والسكتات الدماغية
ترجمة: جوليا كاملة
تدقيق: رغد أبو الراغب
مراجعة: محمد حسان عجك