لطالما كانت الثقوب الدودية محط اهتمام علماء الفيزياء ومتخصصي الرياضيات وعلماء الفلك وحتى صانعي الأفلام. يصف الثقب الدودي ظاهرة يتشكل خلالها حفرة تصل بين مكانين قريبين عبر الزمكان. يُمكن تشبيه الأمر ببناء أنفاق عبور لبعد آخر.
توجد نظرية أخرى مفادها أنه لو اتصل ثقبين أسودين ببعضهما بطريقة معينة، فسينتج عن ذلك تشكل ثقب دودي. بكل الأحوال، تُشبه دراسة الثقوب الدودية حل أحجية، دون توفر كامل المعطيات، ودون معرفة الحل الكامل.
من الممكن استنباط معلومات تُساعد في ملء الفراغات ومحاولة فهم هذه الأشياء، ولكن من المستحيل التأكد تأكدًا قاطعًا. يزداد الأمر صعوبة عند مواجهة الحقيقة القاسية التي تقول إنه لا يوجد دليل ملموس على وجود مثل هذه الثقوب أساسًا.
لكن، يفترض العلماء إمكانية وجود مثل هذه الثقوب، نظرًا لنقص المعلومات التي تلزم لحل بعض المعادلات الأساسية في الفيزياء، والإجابة عن العديد من الأسئلة التي لا تزال غير مفهومة.
في محاولةٍ لفهم خصائص هذه الثقوب الكونية الشبحية بناءً على المعطيات الحالية، تمكن باحثون من كالتيك وهارفارد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وفيرميلاب وشركة غوغل من صنع ثقب دودي صغير باستخدام نظامين حاسوبيين كميين يشتركان بنفس المعالج، بل وتمكنوا من إرسال إشارة عبر هذا الثقب.
تُفيد ما نشرته مجلة كوانتا أن إرسال الإشارة عبر الثقب يضع الباحثين من فريق كاليتش-غوغل في الصدارة أمام فريق آي بي أم-كوانتينوم ، الذين حاولوا بدورهم خلق ظروف الانتقال الآني عبر ثقب دودي.
ومع أن الثقب الدودي المختلق لم يتخطَ حاجز الزمكان، فإنه عاد بنتائج قيمة على صعيد محاكاة ما هو معروف عن الثقوب الدودية حتى الآن. يُشبه الثقب الدودي المختلق ثقبًا دوديًا صغيرًا جدًا من حيث الخصائص التي تُثير اهتمام علماء الفيزياء، مثل نوع طاقته، سواء موجبة أم سالبة، وقوة الجاذبية وتصرفات الجسيمات داخله.
قال الفريق في تصريح إن النموذج يفتح المجال لدراسة المشكلات المستعصية في الفيزياء وفهم طبيعة الكون داخل مختبر. نُشرت ورقة البحث المعنية بهذه الدراسة في مجلة Nature هذا الأسبوع.
قالت أستاذة الفيزياء في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا (كاليتك) ماريا سبيروبولو في تصريح:
«وجدنا نظامًا كميًا في الثقب الدودي المصطنع يتصف بالخصائص الأساسية التي قد نجدها في حقل جاذبية ثقب دودي حقيقي، واتضح أن الثقب صغير، إذ تستطيع التقنيات الحالية لدينا صنعه داخل مختبر. تُمثل هذه الدراسة خطوةً إلى الأمام في بناء صورة متكاملة عن الفيزياء التي تجعل الجاذبية الكمومية ما هي عليه، وكل ذلك بالاستفادة من حواسيب كمومية بين أيدينا».
تشمل الجاذبية الكمومية مجموعة النظريات التي تفترض وجود قوانين مشتركة بين الجاذبية (التي تُعبر عن حالة الطاقة والمادة) وميكانيكا الكم (التي تُفسر تصرفات الذرات والجسيمات)، وكيفية عمل هذه القوانين في الطبيعة.
لا يزال العلم يفتقر لوجود معادلة تصف الجاذبية الكمية في كوننا. مع أن العلماء استمروا بتمحيص العلاقة بين الجاذبية والثقوب السوداء لما يزيد عن 100 سنة، فإنهم لم يأخذوا بالحسبان تأثير ظاهرة التشابك الكمومي على كل ذلك. يُشار إلى أن ظاهرة التشابك الكمومي اكتُشفت في سنة 2013.
اكتشف العلماء سنة 2017 معلومات إضافية عن الثقوب الدودية، مفادها أن الثقوب التي تسمح بالسفر عبرها تعمل على نحو مُشابه للانتقال الآني الكمي (تنتقل المعلومات عبر الفضاء تبعًا لمبادئ التشابك الكمومي).
تعقيبًا على ما سبق، أجرى فريق الباحثين تجربة باستخدام معالج غوغل الكمي Sycamore، وخوارزميات تعليم الآلة لصنع نظام مبسط لكيفية عمل الثقب الدودي، واعتمد المعالج على 9 كيوبتات فقط لإتمام هذه التجربة الجديدة. يُمكن تضمين النظام المبسط هذا في البنى الكمومية المستخدمة حاليًا، وسيضمن ذلك عدم المساس بالخصائص المتعلقة بالجاذبية المدروسة، بحسب ما شرحت الأستاذة سبيروبولو.
استطاع العلماء ارسال المعلومات (على شكل كيوبتات) عبر الثقب الدودي وضمان وصولها إلى المتلقي على الطرف الآخر، مع الحفاظ على الترتيب الذي أُرسلت فيه المعلومات، يُحاكي ذلك ما يحدث داخل ثقب دودي حقيقي بالفعل.
إذًا، كيف بإمكان العلماء صنع كون في المختبر يخضع لقوانين معينة ويتمتع ببنية خاصة؟ يُمكن تطبيق الفكرة عبر الاعتماد على تقابل AdS/CFT، أو ما يُعرف بالمبدأ الهولوغرافي للكون. يحتاج الكون الهولوغرافي المفترض إلى وجود ارتباط بين الأجسام في فضائه، ومجموعات من الكيوبتات التي تتفاعل مع بعضها لتنجح التجربة، وفق ما نشره الباحثون في مدونة.
يُضيف الباحثون: «تسمح الإجراءات السابقة للمعالجات الكمومية بالاستفادة من الكيوبتات مباشرةً، واكتشاف أشياء جديدة عن فيزياء نسيج الزمكان. قد نستطيع التعرف على ما يحدث داخل الثقوب السوداء، أو حتى ثقبين أسودين مربوطين مع بعضهما، أيّ الثقب الدودي. كل ذلك بفضل تحديد بارامترات مناسبة للحواسيب الكمومية يُمكن عبرها نمذجة بنية كونية معينة».
بفضل تقنيات تعليم الآلة، تمكن العلماء من إيجاد النظام الأنسب الذي يحافظ على بعض خصائص الجاذبية الموجودة في الثقب الدودي، إضافةً إلى ضمان بقاء قوانين الطاقة كما هي عند بناء النموذج المدروس. كان على الباحثين أيضًا ضمان محاكاة جسيمات تُدعى الفرميونات.
وصلوا إلى نتيجة نهائية مفادها أن الكون يخضع لقوانين مشابهة لتلك التي درسوها في الكون الهولوغرافي باستخدام الحواسيب الكمومية. يُنهي أحد الباحثين قائلًا: «لم تكن جاذبية الثقب الدودي التي درسناها في هذه التجربة سوى واحدة من بين العديد من النظريات المعقدة التي باستطاعة الحواسيب الكمومية الكشف عن تفاصيلها. مع مرور الوقت، سنستطيع الاستفادة من إمكانية الحواسيب لفهم كريستالات الزمن، والفوضى الكمومية، والكيمياء».
اقرأ أيضًا:
ماذا يحدث إذا سقط ثقب أسود في ثقب دودي؟ طريقة جديدة لمعرفة ذلك
ترجمة: طاهر قوجة
تدقيق: باسل حميدي
مراجعة: نغم رابي