عندما أعلن السيد جيمس جينس (James Jeans) أن: «الله عالم رياضيات بحتة!»، كان يشير إلى حقيقة أن معظم العمليات الأساسية في الطبيعة تخضع لعلاقات رياضية بأناقة.
العلم ناجح جدًا لأن العلماء النظريين يمكنهم استخدام الرياضيات لإجراء توقعات يمكن للتجارب أن تختبرها.
استُخدمت الرياضيات، على سبيل المثال لا الحصر، لتوقع وجود كوكب نبتون (Neptune)، وموجات الراديو، والمادة المضادة (antimatter)، والنيوترونات (neutrinos)، والثقوب السوداء، وموجات الجاذبية، والهيجز بوزون (the Higgs boson).
أحيانًا تكون التوقعات دقيقةً بشكل مدهش، ربما المثال الأكثر نجاحًا على قوة النظرية الفيزيائية يتعلق بالحالة الغامضة لـ “الإلكترون الدوار the spinning electron”.
منذ زمن طويل، اكتشف مايكل فارادي (Michael Faraday) أن الشحنات الكهربائية المتحركة تولد مجالات مغناطيسية؛ التيار الكهربائي المتدفق حول لفافة من الأسلاك هو أساس المحرك الكهربائي، حتى الإلكترون الساكن لديه مجال مغناطيسي، وذلك بسبب الحقيقة أن جميع الإلكترونات تدور.
يحتوي كل إلكترون على مقدار مماثل من الدوران، كما هو الحال بالنسبة إلى الشحنة، يعمل هذا الدوران الداخلي على تحويل الجسم إلى مغناطيس ضئيل.
بالطبع يريد الفيزيائيون أن يعرفوا مدى قوة المغناطيس، إذا عومل الإلكترون على أنه كرة دوارة ضئيلة، فإن الحساب يصبح سهلًا، لكن الإجابة هي نصف ما يقيسه المجربون فقط.
يُفسَّر التعارض عن طريق الدوران الداخلي الذي لا يتصرف كدوران عادي، لتوضيح الفرق، تخيل ساحرًا كونيًا يحول الأرض رأسًا على عقب.
من شأن منعطف آخر بمقدار 180 درجةً أن يسترجع الحالة الطبيعية منعطف بمقدار 360 درجةً يعيده إلى حالته الأولية.
حتى الآن، كل شيء واضح، تكمن المشكلة في أنك إذا قمت بتدوير الإلكترون خلال 360 درجةً فإنه لا يرجع إلى حالته الأولية، بدلًا من ذلك، يجب عليك تدويره خلال 720 درجةً.
يُمكن للفيزيائيين التجريبيين إجراء مثل هذا الدوران المزدوج للتحقق بسهولة، وبالتالي فإن الدوران في شكل دوائر يحمل معنى مختلفًا تمامًا لدى الإلكترونات.
بسبب تصرفه الغريب بالنسبة للعالم المحيط به، قوة المغناطيس الإلكترونية تضاعفت أيضًا.
لا تملأ الطبيعة فقط فراغ الفضاء بجسيمات افتراضية
كل ذلك نجح في أواخر العشرينات من القرن العشرين، ووُصف بشكل رائع بمعادلة بسيطة مكتوبة على حجر داخل دير وستمنستر (Westminster Abbey) لإحياء ذكرى عمل عالم الفيزياء النظرية بول ديراك (Paul Dirac).
استمد ديراك الخصائص الهندسية الغريبة لدوران الإلكترون عن طريق دمج نظرية الكم والنسبية.
ربما يبدو أن المشكلة اختفت ولكن المشكلة الآن هي أن العنصر 2 ليس صحيحًا تمامًا، يكشف القياس الدقيق عن المجال المغناطيسي للإلكترون ليكون أعلى بنسبة 0.1% من توقعات معادلة ديراك، حل هذا التناقض هو انتصار للفيزياء النظرية الحديثة.
عندما تتحرك الإلكترونات، فإنها تصدر الفوتونات، لوصف هذه العملية يتطلب ميكانيكا الكم “the physics of the microworld”، التي تسمح قواعدها الغامضة للإلكترون بأن يصدر فوتونات إلى العالم الواسع الكبير، وأيضًا تسمح له بإصدار ومن ثم إعادة امتصاص نفس الفوتون بسرعة.
تسمى الفوتونات التي تتمتع بوجود زائل فقط قبل أن يتم نزعها مرةً أخرى بأنها “افتراضية”، لتمييزها عن الفوتونات “الحقيقية” التي تطير إلى الخارج.
وفقًا لهذا الوصف الكمي، فإن كل الإلكترونات مغطاة داخل سحابة من الفوتونات الافتراضية.
تؤدي سحابة الفوتون الافتراضية هذه إلى تأثيرات فيزيائية حقيقية، وإن كانت صغيرة، بما في ذلك تغير المجال المغناطيسي لدى الإلكترون بعض الشيء.
حساب معدل التغير صعب بشكل مخيف، المحاولة الأولى قام بها جوليان شفينجر (Julian Schwinger) في عام 1948، الذي وجد أن هناك تصحيح للعامل 2 لـ α / π، حيث يسمى α بـ “ثابت البنية الدقيقة”، رقم آخر عميق يحدث في الطبيعة.
قيمته تبلغ حوالي 0.0023228، والتي قطعت شوطًا طويلًا في حل عدم تطابق النظرية والتجربة.
كانت معادلة شفينجر محفورةً على شاهد قبره، ولكن بحلول الوقت الذي توفى فيه عام 1994، كان المجربون والعلماء النظريون في سباق لحساب وقياس المجال المغناطيسي للإلكترون في دقة متزايدة، كان حساب شفينجر أول تقدير تقريبي.
لتحسينه؛ كان لا يعني عدم اعتبار الفوتونات الافتراضية التي تحيط بالإلكترون فقط، بل الإلكترونات الافتراضية أيضًا، ما يؤدي إلى حدوث هياج من الجسيمات التي تظهر داخل وخارج الوجود، يعتبر الجهد الحسابي في هذه العمليات هائل.
ومع ذلك، تتفق الآن كلٌ من النظرية والتجربة على حوالي جزء واحد لكل تريليون، وهو ما يمثل أنجح اختبار لنظرية فيزيائية في التاريخ.
قال أرسطو أن الطبيعة تمقت الفراغ، إنه كان على صواب، الطبيعة لا تملأ فراغ الفضاء بسحب الجسيمات الافتراضية فقط؛ بل إنها تزين خصائص الإلكترونات بتعديلات لحظية، والتي قد لا تلاحظ من قبل وإلى الأبد، لولا إيمان الفيزيائيين بقوة الرياضيات لوصف العالم بتفاصيل أجمل دائمًا.
- ترجمة: علي طارق عاطف
- تدقيق: أحلام مرشد
- تحرير: تسنيم المنجّد
- المصدر