اعتمد البشر منذ نشأتهم على ضوء النجوم في إنارة كوكب الأرض ليلًا، ولكن ما لبث أن تغيّرت الحال مع بدايات الثورة الصناعية. فأصبحت الأضواء الصّناعية بديلًا للإنارة، وشيئًا فشيئًا انتفت الحاجة إلى النجوم.
يعيش معظم الناس اليوم في المدن أو ضواحيها، ويعتمدون في الإنارة على مصادر صناعية؛ الأمر الذي أدى إلى نقص مشاهدة النجوم. إذ تُظهر بيانات استطلاع لقمر اصطناعي أنّ التلوث الضوئي فوق كلٍ من أمريكا الشمالية وأوروبا ظلّ ثابتًا أو نقص بمقدار ضئيل مقارنةً بالعقد الماضي، في حين أظهر تزايدًا في بقية أنحاء العالم مثل: أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية.
وعلى الرغم من ذلك كله، ما تزال الأقمار الاصطناعية غير قادرة على التقاط الضوء الأزرق لمصابيح LEDs الشائعة في الإضاءة الخارجية؛ وذلك يؤثر على قدرتها في تقدير كمية التلوث الضوئي الحقيقية.
في نفس السياق، أُطلق مشروع دولي وعالمي سُميّ Globe at Night، يهدف إلى قياس تغيّر نظرة البشر إلى السماء يوميًا.
بالإضافة إلى ذلك، يقوم عالما الفلك كريس إيمبوي، وكوني ووكر ببناء تيلسكوبات وإجراء تجارب في أكثر المناطق ظلمةً على وجه الأرض لتجنب التلوث الضوئي.
قياس التلوث الضوئي خلال الزمن:
تسهل عملية قياس التلوث الضوئي بوجود المتطوعين الذين يساعدون في تسجيل قياسات متعددة للسماء خلال أوقات مختلفة وفي أماكن مختلفة، إضافةً إلى مشاركة العديد من البيانات في صفحة تقارير إلكترونية، إذ تكون هذه البيانات عبارةً عن وقت أخذ تلك القياسات ومكانها الدقيقين، إلى جانب أماكن وجودهم الحالية والظروف الجوية السائدة.
تُظهر الصفحة ثماني لوحات، في كل لوحة تظهر مجموعة نجوم مرئية في الوقت نفسه من السنة، مثلًا: أوريون في يناير وفبراير.
على سبيل المثال، تُظهر اللوحة الأولى المُمثلة لسماء ليل ملوثة ضوئيًا عددًا قليلًا من النجوم الأكثر إشراقًا، وتتبعها اللوحات الأخرى التي تُظهر النجوم الخافتة تدريجيًا بدءًا من السماء الحالكة إلى الأشد عتمةً وهكذا. عندها يطابق المتطوع المشارك ما رآه بنفسه مع إحدى هذه اللوحات.
بالإضافة إلى ذلك، أطلق فريق Globe at Night صفحةً إلكترونيةً لمشاركة التقارير عن التلوث الضوئي عام 2011، معتمدين فيها على أضواء مصابيح LEDs. ففي ورقة بحثية أُصدرت مؤخرًا، اعتمد باحثوها على تنقية البيانات المأخوذة في عدة فترات زمنية مثل: أوقات الشفق وغياب القمر والأجواء الغائمة، وغيرها من الأسباب التي تؤثر في دقّة أخذ البيانات.
نتيجة ذلك أُبقي على 51,000 نقطة بيانات معظمها مسجلة في أمريكا الشمالية وأوروبا. إذ أظهرت هذه البيانات السماء في أوقات الليل بمعدل زيادة في الإضاءة بمقدار 9.6% لكل سنة. فمثلًا يلاحظ معظم الناس أن إضاءة سماء ليل اليوم تُعادل ضعفي إضاءة سماء الليل قبل ثماني سنوات؛ الأمر الذي من شأنه التأثير على رؤية النجوم، فكلما ازدادت السماء إضاءةً، قلّت رؤية النجوم فيها. وعلى سبيل المثال، يمكن لطفل مولود اليوم في مكان يُرى منه 250 نجمةً، رؤية 100 من تلك النجوم مع حلول عيد ميلاده الثامن عشر في المكان ذاته.
الأسباب والتأثيرات والحلول:
سبب التلوث الضوئي الرئيسي هو التمدّن الحضري، وما رافقه من تزايد الحاجة إلى الإضاءة الخارجية بمختلف مصادرها. ولا تُنسب أسباب زيادة رؤية الأضواء في السماء إلى التلّوث الضوئي وحده، بل إنّ تزايد أعداد الأقمار الاصطناعية التي تلّف الأرض يُعد سببًا مهمًا أيضًا.
من شأن السببين السابقين التأثير على دقة نتائج دراسات وأبحاث علماء الفلك؛ وليس علماء الفلك وحدهم من يتأثر، فمنذ نشأة البشرية شكلت سماء الليل المزيّنة بنجومها مصدر إلهام لكثير من الناس العاديين والفنانين والموسيقيين، إضافةً إلى الفلاسفة ونتاجهم الثقافي، كل ذلك له روابط وثيقة وملحوظة بالنجوم وانعدام رؤيتها، ما قد يؤثر على رؤية التراث مستقبلًا.
من جانب مهم أيضًا، يمكن أن يؤثر التلوث الضوئي على تداخل الدورة اليومية لليل والنهار، التي تعتمدها الكثير من الحيوانات والنباتات في تنظيم النوم والتغذية وحتى التكاثر، ومن المهم الإشارة إلى أنّ ثلثي مناطق التنوع البيولوجي الرئيسية ملوّثة ضوئيًا.
يقتصر عمل الأفراد والمجتمعات التي تُعنى بأمر التلوث الضوئي على مراقبة استخدامهم لكميات الضوء المناسبة، وتحديد أماكن وأوقات حاجتها، إضافةً إلى الانتباه بشأن تسليط الأضواء الخارجية إلى الأسفل واستخدام مصابيح تعتمد على الضوء الأصفر بنسبة أكبر من الأبيض إلى جانب وضع مؤقتات ومستشعرات حركة للمصابيح، كل ذلك يساهم في تخفيف التلوث الضوئي.
أخيرًا يمكننا القول أنّه عند الابتعاد قليلًا عن مصادر التلوث الضوئي يمكن لنا النظر إلى السماء، عندئذ من المحتمل ملاحظة ما يقرب من 2500 نجمةً بالعين المجردة وحدها، إنه بالفعل منظر يستحق التفكير للحفاظ عليه.
اقرأ أيضًا:
التلوث الضوئي يحجب درب التبانة عن ثلث سكان العالم
التلوث الضوئي يتزايد أكثر من أي وقت مضى
ترجمة: علي الذياب
تدقيق: منال توفيق الضللي