التفسيرات الخاطئة للعملية العلمية الخلط بين المفردات
يحدث سوء فهم أحيانًا في العملية العلميّة، لأن اللغة العلمية واللغة التي نستخدمها كل يوم يستعملان نفس الكلمات أحيانًا، لكن لأغراضٍ مختلفة.
الحقيقة : الحقائق هي تعابير نعلم أنَّها صحيحة عبر الملاحظة المباشرة. في اللغة اليومية، تعتبر الحقائق شكلًا ذا قيمة عليا للغاية من المعرفة لأنه بإمكاننا أن نثق بها بشكلٍ كبير. ورغم اعتراف التفكير العلمي بأهمية الحقائق، إلَّا أنه بإمكاننا أن نكون على ثقة تامة فقط حول العابير البسيطة نسبيًّا.
على سبيل المثال، قد يكون وجود ثلاث أشجار في حديقتك الخلفية حقيقة. لكن، معرفتنا حول كيفية ارتباط الأشجار الثلاثة ببعضها ليست بالحقيقة؛ إنه جسد معقد من المعرفة يقوم على أدلة كثيرة وتفكير منطقي بإمكانه أن يتغير باكتشاف أدلة جديدة وتفسير الأدلة السابقة بطرقٍ جديدة.
ورغم كون معرفتنا حول العلاقات بين الأشجار ليست بالحقيقة، فهي قابلة للتطبيق على نطاقٍ واسع، ومجدية في العديد من المواقف، كما أنَّها تجمع العديد من الحقائق الفردية في أطر واسعة النطاق. العلم يقدّر الحقائق، لكنه يعترف بوجود العديد من أشكال المعرفة التي هي أقوى من حقائق بسيطة.
القانون: في اللغة اليومية، يعتبر القانون كقاعدة يجب الإلتزام بها أو شيء يمكن الاعتماد عليه في موقف معين. أما القوانين العلمية من جهة آخرى، فهي أقل صرامة.
قد نجد بعض الإستثناءات، ومثل المعارف العلمية الأخرى، بإمكاننا إحداث التغييرات عليها أو رفضها اعتمادًا على أدلة ووجهات نظرٍ جديدة. في العلم، يشير المصطلح إلى تعميمٍ حول البيانات، وهو طريقة مختصرة لشرح ما نتوقع حدوثه في موقفٍ معين. بعض القوانين هي تعابير غير آلية حول العلاقة فيما بين الظواهر الملاحظة. على سبيل المثال، قانون الغاز المثالي يشرح كيفية ارتباط ضغط وحجم ودرجة حرارة عدد معين من جسيمات الغاز فيما بينها.
لكنها لا تشرح السلوك الذي يجب على الغازات اتباعه؛ نعلم أن الغازات لا تعمل وفق قانون الغاز المثالي تمامًا. قوانين أخرى تُعني بالظواهر التي هي غير قابلة للملاحظة المباشرة. على سبيل المثال، القانون الثاني للديناميكا الحراريَّة يهتم بالفوضى (الأنتروبية)، وهو أمر غير قابلٍ للملاحظة المباشرة عكس الحجم والضغط.
وبعض القوانين الأخرى تقترح تفسيرات آلية أكثر للظواهر. على سبيل المثال، القانون الأول لمندل يقترح نموذجًا لكيفية توزيع الجينات إلى أمشاج ونسل، يساعدنا ذلك في وضع توقعات حول نتائج التقاطعات الجينية. مصطلح القانون قد يستعمل لتفسير عدة أشكال للمعرفة العلمية، وإذا ما أطلق على فكرة ما اسم قانون أم لا، فذلك يعتمد على الاختصاص الذي تكون تحت إطاره، و الإطار الزمني الذي طورت فيه لأول مرة.
الملاحظة : في اللغة اليومية، تعني كلمة الملاحظة عامةً شيئًا نراه بأعيننا المجردة. في العلم، يستعمل المصطلح على نطاق أوسع. يمكن أن نقوم الملاحظات العلمية مباشرة عبر حواسنا، أو بطريقة غير مباشرة عبر استعمال الأدوات مثل التيرمومتر، عدة اختبار الحموضة، عداد جيجر (Geiger counter) لقياس الإشعاع… إلخ. لا يمكنني أن نرى جسيمات بيتا، لكن بإمكاننا ملاحظتها عبر استعمال عداد جيجر.
الفرضية : في اللغة اليومية، يتم الإشارة إلى الفرضية كتكهن أو فكرة لسنا متأكدين من صحتها تمامًا. الفرضية العلمية من جهتها، هي أكثر من مجرد تكهن وهي غالبًا ما تقوم على أساس خبرة مُسبقة، معرفة علمية خلفية، ملاحظات أولية ومنطق. بالإضافة إلى ذلك، الفرضيات دائمًا ما تكون مدعومة بعددٍ كبيرٍ من الأدلة ــ وفي تلك الحالة يكون العلماء على ثقة أكبر بصحتها مقارنة بالتكهنات البسيطة.
ونجد بشكلٍ واسع في الكتب الدراسية العلمية، سوء استعمالٍ للمصطلح. فقد تطلب من التلميذ أن يقوم بوضع فرضية حول نتيجة تجربة معينة (مثل : ملح الطعام يذوب في الماء أسرع من الملح الصخري). هذا يعتبر كمجرد توقع أو تكهن (حتى لو كان توقعًا قويًا) حول نتيجة تجربة معينة. من جهة أخرى، تملك الفرضية العلمية قوة تعليلية ــ هي تفسيرات لظاهرة معينة. فكرة ذوبان ملح الطعام أسرع من الملح الصخري ليست شبيهة بالفرضية لأنَّها ليست تعليلية بشكلٍ كبير.الفرضية الأكثر علمية يمكن أن تكون مثلًا “سرعة ذوبان المادة تعتمد على مساحة السطح لديه. مساحة سطح أكبر تعني معدل ذوبان أسرع”. لهذه الفرضة قوة تعليلية معينة ــ تمنحنا فكرة عن كيفية حدوث ظاهرة معينةـ
وهي قابلة للإختبار لأنَّها تولد توقعات حول ما يجب علينا ملاحظته في مواقف مختلفة. إذا كانت الفرضية دقيقة، فنحن نتوقع ذلك، على سبيل المثال، السكر الذي يأتي على شكل مسحوق يذوب أسرع من السكر الذي يأتي على شكل حبيبات. بإمكان التلاميذ فحص معدلات ذوبان عدة أشكال للسكر، كالمسحوق والحبيبات والكريات، من أجل اختبار الفكرة بشكلٍ أوسع. عبارة “ملح الطعام يذوب في الماءأسرع من الملح الصخري” ليست فرضية، بل توقع نتج عن فرضية. الكتب الدراسية والمختبرات العلمية قد تقود إلى إلتباس حول الفرق بين الفرضية والتوقع حيال نتائج تجربة علمية.
النظرية: في اللغة اليومية، تستعمل كلمة نظرية للإشارة إلى حدسٍ لديه أدلة داعمة قليلة. من جهة أخرى، النظرية العلمية، هي تفسيرات واسعة لظواهر على مدى واسع. النظرية العلمية تكون موجزة (بشكلٍ عام لا تملك لائحة طويلة من التوقعات والقواعد الخاصة)، متماسكة ومنهجية، وبالإمكان استعمالها من أجل وضع توقعات لمواقف عديدة. تلقى النظرية قبولًا كبيرًا في المجتمع العلمي عندما تكون مدعومة بشكلٍ قوي عبر أدلة عديدة ــ لكن يمكن تعديل النظريات و تجديدها إذا ما ظهرت أدلة جديدة.
قابلية التنفيذ : لا تستخدم هذه الكلمة بشكلٍ كبير في اللغة اليومية، لكن عن حصول ذلك، دائمًا ما ترتبط الكلمة بأمورٍ تم إظهار عدم صحتها. حين تكون هذه الحالة أمامنا، أي إظهار عدم صحة فكرة معينة، قد يقول العالِمُ أنَّه قد تم دحضها.
الفكرة القابلة للتنفيذ من جهة أخرى، هي تلك التي بإمكاننا وضعها في تجربة ممكنة بإمكانها إنتاج أدلة تؤكد عدم صحتها. العلماء المتأثرون بأفكار الفيلسوف كارل بوبر (Karl Popper) وآخرون يؤكدون على أن الأفكار العلمية هي القابلة للتنفيذ فقط. رغم ذلك، نعي اليوم أن العلم ليس بإمكانه تأكيد عدم صحة أية فكرة بشكلٍ فوري (أو صحتها). بالإضافة إلى ذلك، من الواضح أن يلعب الدليل دورًا في دعم فكرة معينة على حساب الأفكار الأخرى.
عندما يقول العالم “قابلية التنفيذ”، فهو يعني غالبًا قابلية الإختبار. الفكرة القابلة للإختبار هي التي بإمكاننا جمع الأدلة اللازمة حيالها من أجل مساعدتنا على تحديد ما إذا كانت الفكرة دقيقة أم لا.
الريبة : كما يشار إليها أيضًا بالشك، اللايقين وعدم التأكد. في اللغة اليومية، الريبة تعني عدم التأكد من شيءٍ معين. العلماء من جهة أخرى، يستعملون الكلمة غالبًا من أجل الإشارة إلى القياسات. الريبة في القياسات هي نطاق القياسات التي قد نجد فيها القياس الصحيح.
في العلم، الريبة ليست بالشيء السيّء؛ هي فقط حقيقة من حقائق الحياة. كل قياسٍ له درجة من اللايقين. إذا ما قمت بقياس طول قلم باستعمال مسطرةٍ عاديَّة، لن يكون بإمكانك التأكد ما إذا كان طول القلم 5.880 إنش، 5.875 إنش أو 5.870 إنش. مسطرة دقيقة أكثر بإمكانها تضييق ذلك النطاق، لكن ليس بإمكانها إقصاء الريبة بشكلٍ كامل.
الخطأ : في اللغة اليومية، الخطأ هو مجرد غلطة، لكن في العلم للخطأ معنىً إحصائي دقيق. الخطأ هو الفرق بين القياس والقيمة الحقيقية، وذلك يحصل عادةً عند أخذ عينة. على سبيل المثال، لنتخيل أنك تريد معرفة إمكانية إنتاج نبات الذرة لأكواز ضخمة في حال ما إذا خُصّبت بسمادٍ جديد، وهكذا تقوم بوزنِ كوز الذرة من تلك النباتات. تأخذ كتلة عينة من 50 كوز للذرة وتقوم بقياس المعدل.
ذلك المعدل هو تقديرٌ جيد لما تود معرفته: معدل كتلة كل كوز من الذرة التي بإمكانها النمو باستعمال السماد الجديد. تقديرك ليست غلطًا ــ لكن به نسبة خطأ (من المعنى الإحصائي للكلمة) لأن تقديرك ليس القيمة الصحيحة. الخطأ في العينة من هذا الشكل المفسر آنفًا هو متأصل كلما كانت العينة التي أخذتها صغيرةً لتمثيل وحدة أكبر. نوعٌ آخر من الخطأ ينتج عن التحيزات المنهجية في القياس (إذا لم يكن لقياسك معيارٌ مضبوط، كل قياسات ستكون خاطئة).
التنبؤ: في اللغة اليومية، يشير التنبؤ عادة إلى شيء يتوقعه العرَّاف حول المستقبل. في العلم، يعني المصطلح عامةً “مالذي نتوقع حدوثه أو مالذي نتوقع ملاحظته إذا ما كانت هذه الفكرة صحيحة.” في بعض الأحيان، لا تكون لهذه التنبؤات العلمية أي علاقة مع المستقبل.
على سبيل المثال، افترض العلماء سقوط كويكبٍ ضخمٍ على الأرض قبل 4.5 مليار سنة مضت، تركَ فضلاتٍ كوَّنت القمر. إذا كانت هذه الفكرة صحيحة، نتوقع أن يكون للقمر اليوم نفس المكونات مع قشرة الأرض قبل 4.5 مليار سنة، تنبؤ يظهر وكأنه دقيق. هذه الفرضية تتعامل مع الماضي السحيق لنظامنا الشمسي ومع ذلك يتطلب الأمر تنبؤات، بالمعنى العلمي للكلمة. وما يثير السخرية، أنَّ التنبؤ العلمي غالبًا ما يكون حول أحداثًا حصلت في الماضي.
الإعتقاد/الإيمان : عندما نقول أنَّنا نؤمن بشيء في اللغة اليومية، قد نعني بذلك أشياء كثيرة ــ كـأن ندعم قضية، أن نؤمن بفكرة، أو أن نظن أن شيئًا ما هو دقيق. كلمة الإيمان دائمًا ما تربط بالأفكار التي لنا حولها قناعات قوية، مهمًا كانت الأدلة التي تدعمها أو تدحضها. وذلك قد يولد التباسًا عندما يدعي عالمٌ ما أنه “يؤمن ب” بفرضية علمية أو نظرية. في الحقيقة، يعني ذلك العالم بالكلمة على الأرجح أنه “يقبل” بالفكرة ــ بكلمات أخرى، أنه يظن أنَّ تلك الفكرة العلمية هي الفكرة المتاحة الأكثر دقة بالاعتماد على التقييم النقدي للدليل. الأفكار العلمية دائمًا ما تقبل أو ترفض بالاعتماد على الأدلة الداعمة أو الداحضة لها ــ وليس بناءًا على الإيمان، الدوغمائية أو القناعات الشخصية.
إعداد : وليد سايس
تدقيق: جدل القاسم
المصدر