التطور ليس تأقلما بالضرورة
من المُغري أن نبحثَ عن تفسيرٍ تأقلميّ (تلاؤميّ) «adaptive explanations» لكلّ شيء، بدءًا من شكل بتلة الزّهرة، وطريقةِ دوران كلبك حول نفسه قبل أن يستلقي لينام، وانتهاءً إلى لونِ شعر جارتك الشّقراء. تمكّنّا من ابتداع تفسيراتٍ تأقلميّة، لكن هناك تفسيراتٍ أخرى علينا أخذها بعين الاعتبار. حيث يمكن للصّفة أن تكون ناتجة عن أحد هذه الأسباب غير التّأقلميّة:
1- نتيجة مصادفة عبر التّاريخ:
لماذا يرمز تسلسل القاعدة (GGC) في حمضنا النّوويّ، إلى الحمض الأمينيّ الغليسين (Glycine) في البروتين، وليس إلى حمض أمينيّ آخر؟ لأنّ هذا ما كان عليه الوضع في البداية، وهكذا بدأت الأمور –وهكذا ورثناها من سلفنا المشترك أيضًا. لا يوجد شيء مميّز في العلاقة بين الـGGC، والغليسين. إنّه مجرّد حدثٍ تاريخيّ، بقي إلى يومنا هذا.
2- مُنتج ثانويّ لخاصّيّة أخرى:
لماذا الدّم أحمر اللون؟ حسنًا، هذا ليس بسبب تفوّق الثّدْييّات ذات الدّم الأحمر في القدرة على النّجاة، على الثّدييات ذات الدّم الأصفر، مثلًا. اللون الأحمر للدّم، هو منتج ثانويّ لتركيبته الكيميائيّة، الّتي جعلته يعكس الضّوء الأحمر. قد يكون التّركيب الكيميائيّ للدّم ناتجًا عن التّأقلم، لكنّ لونه الأحمر بحدّ ذاته ليس كذلك.
3- تأقلم عفا عليه الزّمن:
تشكّلت بعض الصّفات للتّأقلم مع بيئات قديمة، ولا قيمة لها بالنّسبة للبيئة الحاليّة. على سبيل المثال، افترض العلماء أنّ الثّمرة الكبيرة قاسية القشرة، لشجرة الكالاباش (شجرة تنمو في أمريكا الشّماليّة، والوسطى، ومنطقة البحر الكاريبيّ)، كانت مفيدة لتوزيع البذور من قِبَل الثّدييات الكبيرة، مثل فيل الـ«gomphothere». ولسوء الحظ، انقرض فيل الـ« gomphothere» منذ نحو 10 آلاف سنة مضت! إن كانت الفرضيّة صحيحة، فإنّ مميّزات الفاكهة كانت تأقلمًا مفيدًا لتوزيع البذور في ذلك الوقت، لكنّها لم تعد كذلك الآن.
4- التّكيّف المسبق «exaptation»:
التّكيّف المسبق هو صفة تقوم بتنفيذ وظيفة غير الوظيفة التي نشأت من أجلها عن طريق الانتقاء الطّبيعيّ. حيث من الممكن أنّ هذه الصّفة أنتجها الانتقاء الطّبيعيّ، من أجل وظيفة ما، ومن ثَمَّ تحوّلت لأداءِ وظيفتها الحاليّة المُغايرة. على سبيل المثال، من الُممكن أنّ الريش قد ظهر في البداية كي يعمل كعازلٍ للجلد، وفيما بعد فقط، تكيّف مع الطّيران. في هذه الحالة، نعتبر تشكّل الرّيش تأقلمًا لتشكيل عازلٍ، وتكيّفًا مسبقًا للطّيران أيضًا.
5- نتيجة انحرافٍ جينيّ (وراثيّ):
تظهر في البشر بعض التّنوّعات الجينيّة الّتي لا تؤثّر على التّلاؤم بأيّ شكلٍ من الأشكال. على سبيل المثال، بعض البشر لديهم القاعدة “A” في نقطة معيّنة من الجينوم، لكنّ بعضهم الآخر، يمكن أن تكون لديهم القاعدة “G” في نفس النّقطة. إن لم يؤثّر هذا الاختلاف على استمراريّتهم بالعيش وتكاثرهم بطريقة أو بأخرى، لا يمكننا أن ندعوَ إذًا اختلافات كهذه بعمليّات تأقلّم؛ إنّها ببساطة، تباين محايد، تمّ الوصول إليه نتيجة طفرةٍ وانحرافٍ جينيّ. فكرة أنّ معظم الطّفرات الّتي تصيب الجينوم إمّا أن تكون غير-فعّالة في تلاؤم الكائن الحيّ، أو مُحايدة، أوحت بفكرة تُدعى بنظريّة الحياد «Neutral Theory».
ترجمة: مصطفى بجود
مراجعة وتدقيق: بشار غليوني
المصدر