وفقًا لدراسة جديدة تتبعت بيانات من الصين، فإن التوقف عن العمل والاستمتاع بالتقاعد قد يعود بالكثير من الفوائد، لكنه أيضًا قد يسبب تسريع التدهور المعرفي في الدماغ.
مع ارتفاع متوسط العمر المتوقع وانخفاض الخصوبة في البلدان النامية، أصبح السكان المسنون القطاع الديموغرافي الأهم في آسيا وأمريكا اللاتينية، ما أبرز حاجة ملحة إلى إنشاء أنظمة تقاعد ريفية جديدة ومستدامة.
توفر برامج التقاعد الجديدة دخلًا ثابتًا عند تقاعد المشاركون به في سن الستين، وأُجريت الدراسة الحالية لدراسة هذا النظام. لكن يبدو أن فوائد هذا النظام تأتي أيضًا مع بعض الجوانب السلبية.
يقول الخبير الاقتصادي التطبيقي بلامين نيكولوف من جامعة بينغهامتون في نيويورك: «أبلغ المستفيدون من النظام عن قلة المشاركات الاجتماعية وتدهور التفاعل الاجتماعي والتطوعي مقارنةً بغير المستفيدين. ووجدنا أن زيادة العزلة الاجتماعية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالتدهور المعرفي السريع بين كبار السن».
أُنشئ البرنامج بسبب الزيادة السريعة في عدد المسنين في الصين، في محاولة لتخفيف حدة الفقر في سن الشيخوخة، إذ إنه في المناطق الريفية من البلاد انهارت الرعاية الأسرية التقليدية للمسنين إلى حد بعيد، دون وجود آليات مناسبة تحل محلها.
بالنظر إلى الاختبارات والطرق التي تقيس قوة الذاكرة وتدرس القدرة المعرفية، حلل الباحثون بيانات حكومية شملت 15990 فردًا على مدى 10 سنوات، معظمهم في المجتمعات التي اعتمدت النظام الجديد.
رُصدت بعض الإيجابيات للتقاعد، إذ انخفض استهلاك الكحول بين المتقاعدين، وأقلع الكثير منهم عن التدخين، وتحسنت عادات النوم لديهم.
لكن لم يمارس معظمهم التمارين والمشاركات الاجتماعية والأنشطة المرتبطة بالصحة النفسية. ظهر الانخفاض في الأداء الإدراكي متمثلًا في التدهور المعرفي، وهو مؤشر على الإصابة بالخرف.
يقول نيكولوف: «الأفراد في المناطق التي تطبق نظام التقاعد الجديد أقل بكثير ممن يعيشون في مناطق لا تقدم برنامج التقاعد. بدء تنفيذ النظام قبل نحو 10 سنوات، وأدى البرنامج إلى انخفاض الأداء المعرفي بنسبة تصل إلى خُمس الانحراف المعياري تقريبًا في مقاييس الذاكرة محل البحث».
يقترح الباحثون أن العزلة الاجتماعية تفسر التدهور المعرفي الملحوظ في دراستهم، وهو أمر تمكن معالجته بتقديم برامج وأنشطة مجتمعية لكبار السن.
إضافةً إلى تشجيع الأشخاص على المشاركة في الأنشطة الداعمة، يسعى الفريق لدراسة تأثير الوظائف المختلفة في التدهور المعرفي بعد التقاعد، مع التركيز على جوانب الصحة النفسية، وهو جانب لم يشمله البحث الحالي.
في أنحاء مختلفة من العالم، يزداد متوسط العمر ويعيش الناس فترةً أطول، وعادةً ما يصحب التقاعد والتوقف عن روتين العمل تغير كبير في جوانب الحياة جميعها تقريبًا، ما يستتبع تغيرًا في نظام الرعاية الصحية ووسائل الرفاهية.
يقول نيكولوف: «تختلف الاهتمامات والأنشطة التي يمارسها الشبان عن الأمور المهمة لتحسين الإدراك لدى كبار السن. المشاركة الاجتماعية وزيادة الترابط بين الأفراد من أهم العوامل لتحسين الأداء المعرفي في سن الشيخوخة».
يأمل نيكولوف أن يساهم هذا البحث في وضع سياسات جديدة لتحسين الأداء المعرفي لكبار السن بعد التقاعد. قال: «نأمل أن تؤثر النتائج التي توصلنا إليها في كيفية رؤية المتقاعدين لأنشطتهم التقاعدية من منظور أشمل، وإيلاء اهتمام خاص لمشاركتهم الاجتماعية والتطوع النشط والمشاركة في الأنشطة التي تعزز قواهم العقلية».
«نسعى أيضًا للتأثير في صناع السياسات. توجد أدلة قوية على أن للتقاعد فوائد مهمة، لكن له أيضًا تكاليف باهظة. تؤدي الإعاقات الإدراكية بين كبار السن، وإن لم تكن موهنة بشدة، إلى تأثر نوعية الحياة، وقد يكون لها عواقب سلبية على الرفاهية. يمكن لصناع السياسات تقديم أنشطة تهدف للتشجيع على المشاركة الاجتماعية والأنشطة العقلية، وبهذا تؤدي برامج التقاعد إلى آثار إيجابية في الحالة الصحية للمتقاعدين، دون التأثير سلبًا على إمكانياتهم الإدراكية».
اقرأ أيضًا:
صناديق المعاشات التقاعدية: ما هي؟ وما آلية عملها؟
كيف يتأثر المتقاعدون بانقطاعهم عن العمل؟ دراسة تبين تأثير التقاعد على الدماغ
ترجمة: فاطمة الرقماني
تدقيق: أكرم محيي الدين
مراجعة: لبنى حمزة