في ظل انتشار الفيروسات المتزايد في فصل الشتاء، يجدر بنا التساؤل: هل الإصابة بفيروسين أو ثلاثة أو أكثر في الوقت ذاته ممكنة؟
طُرح هذا السؤال في عام 2022 بعد أن انتشرت مخاوف حول حدوث جائحة ثلاثية تتضمن كوفيد-19 والإنفلونزا والفيروس التنفسي المخلوي.
يقول عالم الفيروسات بابلو مورسيا من جامعة مركز غلاسكو لبحوث الفيروسات: «إن معظم ما نعرفه عن عدوى الفيروسات وآلية إمراضها ووبائيتها مبني على مفهوم أحادي يتناول كل فيروس على حدة مع المرض الذي يسببه، إلا أن هذا ليس حقيقيًا».
هل الإصابة بعدة فيروسات في الوقت ذاته أمر ممكن؟
من المؤسف أنها قد تحدث في الواقع فعلًا، لكن يقول مورسيا إنه ليس لدينا سوى معلومات قليلة عن كيفية تفاعل هذه الفيروسات مع بعضها.
حلل باحثون من ضمنهم مورسيا في دراسة نُشرت عام 2019 حالات أمراض تنفسية بين عامي 2005 و2013 في اسكتلندا، ووجدوا أن جميع المرضى الذين شملتهم الدراسة كانوا مصابين بفيروس واحد على الأقل، وكان 11% منهم مصابين بفيروسين، في حين أصيب بعضهم بخمسة فيروسات في الوقت ذاته.
ماذا يحدث عند الإصابة بعدة فيروسات معًا؟
في هذه الحالة قد يزيد أحد الفيروسات حدة عن أعراض الآخر، ما يجعل المصاب يشعر بحال أسوأ مقارنةً بالإصابة بفيروس واحد، إلا أن هذه ليست بالضرورة قاعدة عامة.
علّق الدكتور ريتشارد كلاسكو في عام 2018 عبر مجلة نيويورك تايمز: «إن أفضل بيانات لدينا عن العدوى المرافقة نشأت من دراسات عن فيروسات أكثر خطورة مثل فيروس عوز المناعة البشري (HIV) وفيروسات التهاب الكبد الوبائي. أظهرت هذه الدراسات أن العدوى المرافقة قد تتفاقم أو تتحسن أو لا تؤثر في مجرى الإصابة على الإطلاق، وأن مصيرها يعتمد على نوع الفيروسات المنخرطة فيها، فعلى سبيل المثال، تؤدي الإصابة بفيروس عوز المناعة البشري وفيروس التهاب الكبد الوبائي سي على الأرجح إلى مصير أسوأ».
أما في حالة الإصابة بعدوى مرافقة في الجهاز التنفسي، فيقول رئيس قسم الأمراض المعدية في مستشفى بايستيت الدكتور أرماندو بايز: «يُطلب الإيواء في المستشفى غالبًا للمرضى المصابين بعدوى مرافقة نظرًا إلى خطورة حالتهم المرضية».
بيد أن العدوى المرافقة ليست دائمًا بتلك الخطورة، إذ لا تؤدي جميعها إلى مصير سلبي. مثلًا، لم يلاحظ الباحثون تفاقمًا في أعراض المرضى المصابين بفيروسي الإنفلونزا النوع A والنوع B معًا، والأمر ذاته ينطبق غالبًا على الزكام أيضًا.
يقول كلاسكو: «في حين أنك قد تصاب بنزلتي برد في الوقت ذاته، فإنك على الأرجح لن تشعر بأن حالك أسوأ من الإصابة بنزلة برد واحدة، لكن الفارق هو أن فترة مرضك قد تصبح أطول من المتوقع».
التداخل الفيروسي:
قد تعرقل الفيروسات أحيانًا بعضها، وتسمى هذه الظاهرة التداخل الفيروسي. يقول بعض الخبراء إن ظاهرة التداخل الفيروسي حدثت غالبًا في أثناء جائحة كوفيد-19 ومن الممكن أن الفيروس سبق فيروس الإنفلونزا والفيروس التنفسي المخلوي وعرقل الإصابة بهما.
على غرار ما حدث في جائحة كوفيد-19، تمكن الفيروس الأنفي المسؤول عن نزلة البرد من السيطرة على بعض أجزاء أوروبا في أثناء جائحة إنفلونزا الخنازير في خريف عام 2009، ثم احتلت مكانه إنفلونزا الخنازير مجددًا، ولوحظ أيضًا أن تلك الجائحة أدت إلى تأخير ظهور الفيروس التنفسي المخلوي قرابة شهرين ونصف.
قد ينجم هذا النوع من التداخل عن عدة أسباب، مثلًا، قد تستهدف فيروسات مختلفة المستقبل ذاته على خلايا المستضيف، أي أن الفيروس الذي يصل إليها أولًا قادر على منع الفيروسات الأخرى من الدخول. إلى جانب ذلك، قد تتنافس الفيروسات أيضًا على الموارد عند دخولها إلى خلايا العائل، ما يؤدي بدوره إلى سيناريو البقاء للأقوى.
تتضمن آلية التداخل الأكثر فهمًا لدى العلماء الإنترفيرونات، وهي جزئيات دفاعية تنتجها خلايا الفقاريات عندما تستشعر وجود فيروس. تحفز الإنترفيرونات التعبير عن الجينات التي تمنع دخول أكثر من فيروس واحد في الخلية أو تؤدي إلى خروج الفيروسات الموجودة بالفعل من الخلية أو إيقاف تكاثرها.
ومع أن التداخل الفيروسي قد يمثل مناعةً قصيرة المدى ضد الفيروسات الأخرى، فإن استخدام هذه الوسائل وغيرها ليس مضمونًا، واحتمالية الإصابة بعدة فيروسات في الوقت ذاته ستظل قائمة.
اقرأ أيضًا:
ليست كل الفيروسات سيئة، بعضها يعمل لإنماء صحتنا!
علماء بريطانيون يحذرون من حدوث جائحة أخرى ونحن غير مستعدين لها
ترجمة: رحاب القاضي
تدقيق: جعفر الجزيري
مراجعة: باسل حميدي