جهاز كشف جديد للمادة المظلمة على وشك أن يبدأ بالعمل تحت جبل في جونسون، بكوريا الجنوبية.

يسعى فريق الباحثين إلى استبعاد -أو ربما إعادة إنتاج- النتائج المحيرة التي تم الحصول عليها من جهاز كشف سابق في إيطاليا.

وفقًا لملاحظات علماء الفلك عند دراسة الكون المرئي، فإن نحو 5% فقط من الكون يتكون من المواد المعروفة. أما الباقي، أو الغالبية العظمى منه، فيتكون من المادة المظلمة 27%، والطاقة المظلمة 68%.

المادة المظلمة هي مادة غير مرئية لا تبعث ضوئها الخاص وتتفاعل فقط مع المادة العادية بالجاذبية، ويمكن رؤية أدلة على وجودها في المجرات وعناقيد المجرات. ولكن بالنظر إلى أن هناك خمسة أضعاف من المادة المظلمة مقارنة بالمادة العادية، فإن العلماء بالطبع يبحثون عن أدلة مباشرة على وجودها.

إحدى الطرق للبحث عنها -رقد تبدو غير منطقية نظرا لأن المادة المظلمة تفسر ما نراه في النجوم والمجرات- هي التوجه تحت الأرض.

يشرح هيو ليبينكوت، أستاذ الفيزياء المساعد في جامعة كاليفورنيا، سانتاباربرا: «على الأرض، نحن محاطون دائمًا بمستويات منخفضة وغير خطرة من النشاط الإشعاعي القادم من عناصر ضئيلة -بشكل رئيسي اليورانيوم والثوريوم- في البيئة المحيطة بنا، وكذلك بالأشعة الكونية القادمة من الفضاء. الهدف من البحث عن المادة المظلمة هو بناء جهاز كشف حساس قدر الإمكان، يمكنه رؤية المادة المظلمة، ووضعه في مكان هادئ قدر الإمكان أيضًا، لنتمكن من رؤية إشارة المادة المظلمة على خلفية النشاط الإشعاعي».

العديد من المنشآت تحت الأرض حول العالم يبحث الفيزيائيون بواسطتها عن علامات وجود جسيمات ضخمة ضعيفة التفاعل، وهي ما تعرف (WIMPs)، إلى جانب قياس تأثير النيوترينوات. تكمن الفكرة في أن جسيمات WIMPs يجب أن تمر عبر الأرض طوال الوقت في أثناء حركتها عبر الفضاء، لذلك، لاكتشافها نحتاج ببساطة إلى كاشفات حساسة بما يكفي لالتقاط تلك التفاعلات الضعيفة.

حتى الآن، لم يحالف العلماء الحظ بشكل كبير في تحقيق ذلك. ولكن في عام 1997، أبلغ فريق من الباحثين في إيطاليا -من خلال تجربة DAMA/LIBRA في مختبر غران ساسو الوطني- عن نتائج محيرة. إذ يستخدم كاشفهم بلورات يوديد الصوديوم، التي تنتج ومضات ضوئية صغيرة عندما يتفاعل جسيم دون ذري داخل أي نواة في هذه البلورات.

أبلغ الفريق عن اكتشاف ومضات ضوئية، وهي علامات على أنهم قد تعرضوا لضربات من جسيمات دون ذرية. وكان هذا متوقعًا، إذ تصل بعض الأحداث الخلفية المذكورة أعلاه وتشق طريقها إلى أجهزة الكشف.

مع ذلك، اختلف عدد هذه الأحداث المكتشفة على مدار السنة، وهو ما يمكن توقعه أيضًا إذا كانت بعض هذه الأحداث ناتجة عن المادة المظلمة. ذلك لأن الأرض تتحرك عبر هالة المادة المظلمة لمجرة درب التبانة بسرعة أكبر خلال أجزاء معينة من مسارها، ما يزيد من عدد الاكتشافات المتوقعة. وعندما تتحرك أبطأ عبر الهالة، يتوقع أن تكون الاكتشافات أيضًا أقل.

كانت النتائج مثيرة للجدل، خصوصًا أن فرقًا أخرى من الباحثين حاولت وفشلت في تكرار تلك النتائج. ولكن الفريق استمر في رؤية هذه الاكتشافات حتى مع رفع حساسية أجهزتهم، ما زاد الأمور تعقيدًا، فمع زيادة حساسية الكاشف، يجب أن يكون قادرًا على اكتشاف التصادمات ذات الطاقة المنخفضة. وكانت هذه التصادمات يتوقع أن تبلغ ذروتها في أوقات مختلفة من السنة، لكن لم يظهر ذلك في البيانات.

الآن، يحاول فريق في كوريا الجنوبية تكرار تجربة DAMA/LIBRA في منشأة جديدة تسمى Yemilab.

تجربة الفريق السابقة -COSINE-100- لم تتمكن من تكرار نتائج DAMA/LIBRA، رغم استخدام أدوات وإعدادات مشابهه بنفس بلورات يوديد الصوديوم.

قال هيون سو لي، المتحدث باسم COSINE-100، في بيان عام 2016: «النتائج الأولية تستبعد جزءًا كبيرًا من منطقة البحث عن المادة المظلمة التي حددتها إشارة DAMA. بمعنى آخر، هناك مساحة قليلة متبقية لهذا الادعاء بأن يكون ناتجًا عن تفاعل المادة المظلمة ما لم يُعدّل نموذج المادة المظلمة بشكل كبير».

التجربة الجديدة -المسماة COSINE-200- تستخدم نفس الاعدادات ولكن مع حساسية معززة وبلورات يوديد الصوديوم أكثر نقاءً إشعاعيًا.

عمومًا، المشروع -الذي يجب أن يبدأ العمل في أغسطس- محمي أكثر من تجربة DAMA/LIBRA، على أمل تقليل أي تداخل خلفي قد يكون حدث في التجارب السابقة.

نأمل أن تخبرنا البيانات التي ستُجمع ما إذا كان الاكتشاف السابق ناتجًا عن خطأ أو مصادر أخرى -وهذا دائمًا ما يكون هذا احتمالًا واردًا، ويمكنك أن تسأل في ذلك الفريق الذي ظن أنه رأى نيوترينوات أسرع من الضوء- أو إذا كان يشير الى وجود شيء غير معتاد حقًا.

اقرأ أيضًا:

لماذا لا نستطيع رؤية المادة المظلمة؟

الصين تفتتح أكبر وأعمق مختبر في العالم لكشف أسرار المادة المظلمة

ترجمة: حمداش رانية

تدقيق: بسام موسى

المصدر