تولد الجرذان معَ عواملَ وظروفٍ وراثيّة تؤدّي بها إلى العمى، ممّا يستدعي وجود آليّاتٍ لتحسينِ بصرها. ولذلك، شكرًا لتقنيّة التّعديل الجينيّ الجديدة، والتي من المتوقّع أن تعملَ على البشرِ أيضًا.
إنّ هذه الحالة تُدعى التهاب الشّبكيّة الصّباغيّ (Retinitis pigmentosa)؛ هذا المرض هو مرضٌ وراثيّ، وناتجٌ عن خللٍ جينيّ، وتظهر آثاره غالبًا مع التّقدّم في السّن (عند الإنسان)، وهو أيضًا سببٌ شائعٌ لفقدانِ البصر عند الإنسان، وإلى الآن لا علاج لهذا المرض. وهذه هي المرّة الأولى التي يتمكّن فيها العلماء من ‘محوِ’ بعض أضرار هذه الحالة بصورة فعّالة من الجينوم -في الجرذان على الأقل- وهو إنجازٌ عظيمٌ جدًّا.
ومن المعروف أنّ تقنيّة التّعديل الجينيّ تُدعى CRISPR/Cas9، وإذا لم تكن قد سمعت بها من قبل، فستفعل قريبًا. إنّها مجموعة تتكون من أنزيمين اثنين، تستخدم عادة من قِبَل البكتيريا التي تعمل إلى حدٍّ كبيرٍ بطريقةِ القصّ/اللصق للجينوم. ولهذا السّبب، أصبح من الممكن الآن إزالة الجينات الضّارّة بسهولة وسرعة من الحمض النّوويّ البشريّ، فضلًا عن إضافةِ جيناتٍ جديدةٍ بصفاتٍ ومزايا محسّنة.
وبقدر ما يمكنك الإبحار بخيالك تجاه تقنيّة CRISPR/Cas9، وبقدر ما هي باهرة ومثيرة للجدل، فإنّ إمكانيّة حقيقيّة جدًّا في إنتاج أطفالٍ معدّلين ومصمّمين تلوح في الأفق. وإذا ما تمّت الموافقة على هذه الصّفقة الحقيقيّة، فإنّه وبغضونِ أسابيع، سنشهد أوّل أجنّةٍ بشريّةٍ معدّلة جينيًّا باستخدام هذه التّقنيّة في المملكة المتّحدة، وقد اعترف بالفعل العلماء الصينيين من استخدام هذه التقنيّة على الأجنّة البشريّة (Human embryos).
والعرض التوضيحيّ من قِبَل العلماء في مركز سيدارز سيناي الطّبّيّ (Cedars-Sinai Medical Centre)، يقرّ أنّ استخدام تقنيّة CRISPR/Cas9 يساعد في تحسين البصر عند القوارض، والتي قُدِّر لها وراثيًّا أنّها ستُصاب بالعمى، وهذا السّبب هو سببٌ آخر يُظهِر لنا جليًّا أنّ هذه التّقنيّة ستكون الأكثر طلبًا في المستقبل.
“هذه هي المرّة الأولى التي يتمّ فيها استخدام تقنيّة CRISPR/Cas9 للتّعديل الجينيّ لمنع فقدان البصر عند الحيوانات الحيّة.” وهذا ما يقوله أحد أعضاء الفريق؛ كلايف سفندسن (Clive Svendsen). ويضيف: “إنّها لَنتيجة رائعة حقًّا، وهذا يمهّد الطريق لدراساتٍ أكثر إثارة، ولترجمة كلّ هذه الأمور إلى العيادات الطّبّيّة في المستقبل.”
وبهدف تحسين رؤية الفِئران، قد صمّم سفندسن وزملاؤه نظامَ CRISPR/Cas9 جديدٍ، من شأنهِ أن يُزيلَ الجينات المتحوّرة (الطَّفرات الجينيّة) التي تسبّب فقدان الخلايا المُستقبلة للضّوء في العين من جينوم القوارض.
قامَ الفريق بحقنِ نظام CRISPR/Cas9 في صغار فئران، قد ولدت معَ نوعٍ معيّنٍ من التهاب الشّبكيّة الصّباغيّ، والذي من المعروف أنّه يؤثّر على الجينات، وبمجرّد حقنة واحدة، لاحظوا أنّ بصرَ هذه الفِئران قد تحسّن، وقد كانت قادرة على الرّؤية بشكلٍ أفضل. (وقام الفريق بقياس هذا الأمر من خلال النّظر في كيّفيّة التفات الفِئران وتوجيه رؤوسها استجابةً لأشرطةٍ أو خطوطٍ (Stripes) مختلفة من حيث درجة السّطوع).
وسيستمرّ العلماء الآن في تطوير هذا النّظام وتعديله، ليتناسب في نهاية الأمر معَ ما هوَ أبعدُ من تحسينِ رؤيةِ الفئران فقط. ولكنّ الأمرَ المثير للاهتمامِ حقًّا، هو الآثار المترتّبة على الاستخدام البشريّ لهذه التّقنيّة في المستقبل.
“تُظهر بياناتُنا المتوفّرة لدينا حاليًّا، أنّه ومعَ المزيد من التّطوير المستقبليّ لهذا النّظام، فإنّه قد يكون من الممكن استخدام تقنيّة تعديل الجينات المتطوّرة لعلاجِِ التهابِ الشّبكيّة الصّباغيّ الوراثيّ عند المرضى به.” وهذا ما يقوله وانغ شاومي (Shaomei Wang)، المؤلّف الرئيس للدّراسة.