في ثقافتنا، عندما يخبرك أحد ما «إنك شخص حساس للغاية!» فهو لا يقصد مجاملتك أو مدحك. والحقيقة هي أن بعض الأشخاص يكونون على درجة عالية من الحساسية مقارنةً بالآخرين، ويعيشون بقدرة عالية على الإحساس بما حولهم بشكل مزمن من الناحيتين الفيزيولوجية والشعورية على حد سواء. هذه الشخصية الحساسة للغاية ليست اضطرابًا، بل تُعدّ من سمات الشخصية وقد عُرفت هذه الحالة ودُرست عندما شخّصتها الدكتورة Elaine Aron لأول مرة عام 1996.
أن تكون شخصًا حساسًا للغاية لا يعني أنك شخص انطوائي. وإنما تكون الحالة أشبه بأن تنتاب الشخص ردّات فعل ذهنية وجسدية وشعورية حادة تجاه جميع المنبهات المختلفة المحيطة به، بما فيها المنبهات الموجودة داخله.
يختلف الأشخاص الذين لديهم حساسية عالية عن أولئك الذين لديهم مستويات طبيعية من الحساسية تجاه العديد من الأمور والتفاصيل الدقيقة، فهم لا يعالجون المعلومات بدماغهم بدقة فقط، بل هم أيضًا أشخاص مفرطو التنبه أكثر من غيرهم، أي قد تُزعجهم مثلًا الأصوات العالية والبيئات المشوشة، ولهذا السبب نجدهم يتجنبون غالبًا مشاهدة البرامج التلفزيونية العنيفة أو أفلام الرعب، ويُفضلون ممارسة التمارين الرياضية بمفردهم بعيدًا عن أجواء النوادي الرياضية.
أفادت بعض التقارير بأن الأشخاص مفرطي الحساسية يفضلون كثيرًا شرب الكحول أو الكافيين مقارنةً مع الأشخاص ذوي الحساسية المتوسطة، وقد يفضلون أيضًا العمل بمفردهم بدلًا من العمل ضمن مكاتب مع غيرهم.
ذكرت الدكتورة Aron بأنهم يكرهون كثيرًا أن يُطلب منهم إنجاز العديد من المهام والواجبات خلال وقت قصير جدًا، ويحتاجون إلى أن يختلوا بأنفسهم -خاصةً بعد يوم حافل ومتعب- في مكان هادئ ومريح ليسترجعوا طاقتهم وعافيتهم، وهم قادرون على تنظيم حياتهم وجدولة أيامهم على هذا النحو، ونعم هم مثل الأطفال! من المحتمل كثيرًا أن يخبروا المحيطين بهم بأنهم أشخاص حساسون كثيرًا أو أنهم ينزعجون بسهولة.
ليس من السهل أن تتفاعل دائمًا مع المواقف بكامل مشاعرك وأحاسيسك مقارنةً مع الأشخاص العاديين، وكونك حساسًا للغاية فهذا يعني أنك قد تذرف الدموع بسرعة كبيرة بمجرد اعتقادك بأنك اتخذت قرارًا خاطئًا أو إذا انتقدك الآخرون، ويميل عادةً الشخص مفرط الحساسية إلى تقبل النقد بطريقة شخصية، وعندما يسوء الوضع سيواجه صعوبة كبيرة في مواجهة هذه اللحظات المُحبِطة وتجاوزها.
من المحتمل أن يكون الشخص مفرط الحساسية أكثر عرضةً للمعاناة من القلق أو الاكتئاب مقارنةً مع الأشخاص الطبيعيين الذين قد تحدث عندهم هذه المعاناة أيضًا، إلا أن الشخص مفرط الحساسية سيشعر بالتوتر والقلق والعصبية وسيضطرب مزاجه بسهولة أكبر.
بالإضافة إلى ذلك، قد يقلق كثيرًا بشأن ما يُفكر به الآخرون حوله وقد يُصيبه الحزن الشديد إذا شعر بأنه شخص مرفوض أو منبوذ، أو قد يعاقب نفسه بشدة عندما لا تتحقق توقعاته أو عندما لا يستطيع تنفيذ ما كان يسعى إليه. يشعر الشخص الحساس غالبًا بالإحراج أو بأنه شخص غير مناسب في المواقف الاجتماعية الجماعية، وقد يشعر بالخجل في العلاقات الحميمية، ومن المحتمل جدًا أن يقلق من أن يُحاكم أو يُلقى اللوم عليه من قبل شريكه وزملائه.
نظرًا لأن الشخص مفرط الحساسية يعالج أفكاره ومشاعره أكثر من الشخص العادي، فهو قادر غالبًا على الاستفادة من الإبداع العميق الذي لديه عندما يحاول أن يفهم نفسه تمامًا، وهو قادر أيضًا على تجربة المشاعر الإيجابية ومواجهتها والعيش بها وليس فقط المشاعر السلبية. ولكونه يستطيع ضبط مشاعره الخاصة بعناية فهو قادر على الشعور بالأشخاص الآخرين من حوله والتعاطف معهم والإشفاق عليهم.
يهتم الشخص ذو الشخصية الحساسة للغاية جيدًا باحتياجاته الخاصة، وبالتالي هو قادر على الحفاظ على الأمور الروتينية في حياته وتنظيمها جيدًا، مثل التغذية والنوم والرياضة. ينتبه كثيرًا إلى التفاصيل ويدركها جيدًا ويلاحظ بدقة التغييرات التي تحصل من حوله، فقد يكون أول من يكتشف الأشياء الجميلة أو أول من يلفت انتباه الآخرين إلى وجود خطر ما.
هو شخص وجداني كثيرًا، أي يفعل ما يمليه عليه ضميره، ويهتم بإظهار نفسه بلباقة وأدب أمام الآخرين ويكره أن تُؤخذ نظرة عنه بأنه شخص وقح أو غير مهذب. وأخيرًا، نلاحظ أن للشخص مفرط الحساسية حياته الخاصة العميقة والمثمرة.
معظم مبادئ المجتمع وعاداته وقواعده السلوكية موجهة للأشخاص الذين لا يعانون من الحساسية المفرطة، وذلك لأن الشخصية مفرطة الحساسية لا نراها إلا عند خُمس الأشخاص فقط، ولهذا السبب قد يعاني الشخص الحساس كثيرًا في حياته التي تكون شبيهة بالتسلق الشاق، فهو يكافح وينازع لجعل الآخرين يفهمون مشاعره وأحاسيسه.
لقد أصبحت ظاهرة الشخصية الحساسة مفهومة جيدًا في الوقت الحالي أكثر من أي وقت مضى، وبهذا الفهم ينبغي أن تحظى هذه الشخصية بقدر كبير من التسامح والقبول من قبل الآخرين.
اقرأ أيضًا:
اضطراب الشخصية النرجسية Narcissistic personality disorder
هل تعلم الأنواع الأربعة من اضطراب الشخصية الحدية؟
ترجمة: يوسف الجنيدي
تدقيق: محمد نجيب العباسي
مراجعة: رزان حميدة