يصنع مؤسسو شركة سبيس إكس لمالكها إيلون ماسك والشركات المنافسة لهم قمرًا اصطناعيًا شبكيًا سريعًا يمكن الاعتماد عليه في الحياة الواقعية بفضل الأسطول الكبير من الأقمار الصناعية التي تدور فوقنا.

تمنح شركة سبيس إكس خدمات إنترنت إلى نحو مليون مستخدم حول العالم، بواسطة مجموعة من الأقمار الصناعية التي تزيد عن 6000 قمرًا، فبعض المستخدمين يقطنون في مناطق بعيدة غير مخدّمة بخدمات إنترنت تقليدية، ولكن ماذا يحدث عندما لا تفي هذه الأقمار الصناعية القديمة بالغرض المطلوب منها؟

يحذر تقرير جديد نشرته الوكالة البيئية بأن التوجه الحالي لوقف تشغيل الأقمار الصناعية القديمة بإحراقها إلى أجزاء هشة بعد دخولها إلى الغلاف الجوي تعوزه القوانين المفهومة والتخطيط. يقول التقرير بأن غياب تلك النظرة المتعمقة قد يؤدي إلى ازدياد في مخاطر النفايات الفضائية التي تؤثر في الأرض، وخصوصًا بعد أن تقوم الشركات ببناء عشرات الآلاف من الأقمار الصناعية الجديدة في المدار.

تقدر الوكالة البيئية مقدار المواد القديمة التي سيعاد إدخالها الغلاف الجوي للأرض كل يوم عن طريق شركة سبايس إكس بنحو 29 طنًا في حال استطاعت الشركة تنفيذ رغبتها. أما الآن، يبدو أن لا أحد يستوعب خطر هذه النفايات النارية على المدى الطويل.

كتبت الوكالة في تقريرها: «توجد الكثير من المعلومات المجهولة فيما يتعلق بالأثر البيئي لانبعاثات الصاروخ والنفايات الفضائية ودخول الأقمار الصناعية إلى الغلاف الجوي والأرض والمناخ نظرًا للأرقام الهائلة للأقمار الاصطناعية».

يضيف التقرير: «بقياس التشكل الكبير للأقمار الاصطناعية وقابلية التخلص منها التي تتطلب تجديدًا دائمًا، لا نستطيع إلا دراسة المخاطر البيئية لصناعة الأقمار الصناعية لأننا نفترض أنها خيال علمي، إلا أن العلم يعتقد بأن المخاطر قادمة بسرعة».

يتعرض المدار الأرضي المنخفض لمراحل نمو غير مسبوقة:

الأقمار الصناعية قادرة على منح خدمة إنترنت إلى الأرض منذ بداية الألفية، ولكن أعدادها ازدادت خلال السنوات الخمس الماضية، والفضل الأساسي يعود إلى إطلاق شركة سبايس إكس موجة من الأقمار الصناعية ذات المدار الأرضي المنخفض.

تعمل تلك الأقمار على ارتفاع 1200 ميل أو أقل، وهذا يعد أقل من ارتفاع الأقمار الجغرافية المكانية المسؤولة عن خدمات مثل نظام تحديد المواقع وخدمات شبكية أقدم بكثير. ما يجعل هذه الأقمار الصناعية مثالية للاتصالات الشبكية اللاسلكية هو قربها من السطح وانتشارها في أماكن التغطية. وقد أجرت محطة الفضاء الدولية صيانةً على المدار الأرضي المنخفض.

لدى شركة سبيس إكس في الوقت الحالي نحو 6000 قمر صناعي في المدار الأرضي المنخفض، ولكنها تخطط لزيادة هذا العدد إلى أكثر من 40 ألفًا.

شركة ماسك ليست الوحيدة، فالمنافسون -مثل مشروع أمازون كوبير وشركة ون ويب- ينفقون المليارات لإطلاق مجموعتهم، الصين أيضًا تخطط لإطلاق ما لا يقل عن 15 ألف قمر صناعي في نفس المنطقة في الفضاء.

من المفترض أن يؤدي هذا العدد الكبير من شبكات الأقمار الصناعية إلى توفير تغطية واسعة وخدمات شبكية أكثر سرعة للمستخدمين، بالإضافة إلى زيادة في المواد التي تُقذف إلى الفضاء التي لا بد لها من أن تعود إلى مكانها.

بدءًا من هذا العام، سيكون من الضروري أن تمنح لجنة الاتصالات الفدرالية رخصة للشركات لتعمل في المدار الأرضي المنخفض حتى تخرج أقمارها الصناعية من المدار بعد خمس سنوات. سيساعد ذلك على التقليل من الفوضى في السماء ظاهريًا، ولكن قد يزيد من احتمالية إعادة الدخول في المدار ويعنى أيضًا أن شركات الأقمار الصناعية الشبكية قد تُطلق أقمارًا صناعية إضافية لاستبدال الأقمار الخارجة عن الخدمة.

الفضاء المزدحم بالأقمار الصناعية قد يزيد من خطر النفايات أو الأضرار البيئية:

لا تشتعل النفايات الفضائية قبل وصولها إلى سطح الأرض. ففي السنة الماضية، دخلت نحو 7 كيلوغرامات من أجزاء منصة أطلقتها محطة الفضاء الدولية إلى الغلاف الجوي وضربت منزلًا في مدينة نابوليس بولاية فلوريدا بعنف، لحسن الحظ لم يصب المالك بأذى. أيضًا، وجد فندق كلامينغ كوليكتيف الواقع في شمال كارولاينا مؤخرًا مجموعة من النفايات التي تزيد عن 90 رطلًا تعود إلى مهمة دراغون كو7 التي أطلقتها شركة سبايس إكس.

هذا النوع من القصص المخيفة نادر الحدوث، ولكن الوكالة البيئية ووكالات أخرى قلقة من أن تصبح أكثر شيوعًا بعد ازدياد الأقمار الصناعية في الفضاء.

بالإضافة إلى أن ازدياد الأقمار الصناعية ذات المدار الأرضي المنخفض قد يزيد من احتمال حدوث اصطدام بين الأقمار الصناعية والأجسام ما يولد نفايات خطرة.

الكتل الحمراء من نفايات الأقمار الصناعية ليست مصدر القلق الوحيد، فهناك ورقة بحثية نشرها باحثون من جامعة آيسلندا تقول أن إعادة الدخول قد يولد ما يدعى “الغبار الموصل” لمواد تغطي الغلاف الجوي العلوي للأرض، ويقول الباحثون أن المستويات العالية من الألمنيوم والمواد الموصلة الأخرى التي تنبعث إلى الغلاف الجوي من جراء اختراق الأقمار الصناعية قد يؤدي إلى حدوث اضطرابات في الغلاف المغناطيسي، ما يسمح لمستويات عالية من الإشعاعات الكونية في الوصول إلى السطح.

كتب باحثون من جامعة كاليفورنيا الجنوبية في مجلة رسائل بحثية في الفيزياء الجيولوجية (Goephysic Research Letters) بأن تلوث أكسيد الألومنيوم الجوي الناجم عن الأعداد المتزايدة من الأقمار الصناعية قد يحمل خطرًا محتملًا يهدد طبقة الأوزون في الأرض.

وبالتالي تصل الإشعاعات فوق البنفسجية إلى سطح الأرض، الأمر الذي يضعف الأجهزة المناعية ويساهم في وجود نسب عالية من الإصابة بمرض السرطان عند البشر.

كتبت الوكالة البيئية: «لا يجب أن نستعجل في إطلاق الأقمار الصناعية على هذا القياس دون التأكد من الفوائد التي تبرر العواقب المحتملة لهذه التشكيلات الكبيرة التي تُطلق، ومن ثم إعادة إدخالها في الغلاف الجوي لتحترق أو تخلف نفايات».

من الممكن أن تجعل المراجعات البيئية الأكثر صرامة عملية إعادة إدخال الأقمار الصناعية أكثر أمانًا.

تعتقد الوكالة البيئية بأن جزءًا من هذه الشكوك التي تدور حول مصير الأقمار الصناعية فور جهوزيتها للتقاعد يعود إلى سوء في التنظيم.

لجنة الاتصالات الفيدرالية -التي تمنح موافقة لمشاريع الأقمار الصناعية الشبكية العائدة إلى الولايات المتحدة الأمريكية- قد أعطت مشغلي الأقمار الصناعية إعفاء مراجعة بيئية، ويناقش النقاد بأن سوء المراجعة في هذا المجال قد يؤدي إلى تلوث وتخريب الأرض عند مستوى الإطلاق ومن الممكن أن يستمر بتشكيل مشكلات بيئية.

جاء في تقرير عام 2022 من مكتب المحاسبة الحكومية يطلب فيه من لجنة الاتصالات الفدرالية إزالة الإعفاء ولكنها لم تفعل ذلك بعد.

كتبت الوكالة البيئية: «إن إطلاق 30 ألف إلى 50 ألف قمر صناعي في المدار الأرضي المنخفض لا يضمن حتى إجراء مراجعة بيئية تسيء إلى المنطق السليم».

بالإضافة إلى دعوة الوكالة البيئية إلى مراجعة قواعد المراجعات البيئية، فإن المنظمة تدعو لجنة الاتصالات الفدرالية إلى الإيقاف الفوري لإطلاق الأقمار الصناعية ذات المدار الأرضي المنخفض، والنظر جيدًا قبل الموافقة على مشاريع جديدة، وأوصت الوكالة بالحدود الدنيا للعدد الكلي للأقمار الاصطناعية التي تُطلق في المدار في أي وقت.

ولكن كما حدث مع خبراء التكنولوجيا البارزين الذين دعوا إلى إيقاف تطوير الذكاء الصناعي، يبدو أن إبطاء إطلاق أقمار اصطناعية جديدة أمرًا ليس محتملًا في أي وقت من الآن.

تقترح بعض التقديرات بأن المدار الأرضي المنخفض قد يمتلئ بنحو 58 ألف قمر صناعي بنهاية العقد، ويمكن أن تزيد بعض الأقمار الصناعية من أداء خدمات شبكة الإنترنت، ما يجذب 2.6 مليار مستخدم حول العالم يفتقدون الوصول الواسع بسبب البنية التحتية وقيود التكلفة.

إن توخي الحذر البيئي الشديد والمعايير الداعمة بشأن إجراءات إعادة النفايات الفضائية من المحتمل أن تساعد على دعم الثقة مع وجود الأقمار الصناعية.

اقرأ أيضًا:

علماء في اليابان يصلون إلى طريقة لصنع قمر اصطناعي خشبي!

الصين تمنح الذكاء الاصطناعي تحكمًا بقمر صناعي.. والنتائج كانت غريبة!

ترجمة: خضر نعامة

تدقيق: حسام التهامي

المصدر