يتحدث من يعرفون الرياضيات أحيانًا عن الأعداد التخيلية، بل ويتبادلون النكات أحيانًا بأنها مزيفة وغير حقيقية، لكن ذلك كله يبدو محيرًا لمن لا يهتمون بالرياضيات، فما هو العدد التخيلي i وما معناه؟ وما أهميته وكيف يُستخدم؟
العدد التخيلي بالتعريف الأساسي هو ما يُنتج عددًا سالبًا عند تربيعه، وقد استُخدم أول مرة في القرنين 15 و 16 لحل بعض المعادلات المحيرة، في البداية كان يُعتقد أن الأرقام التخيلية نوع من الخداع، ولكن في القرون التي تلت ذلك، أصبح يُنظر إليها على أنها أداة لتصور العالم بطرق معقدة، وهي اليوم مفيدة في مجالات مختلفة من الهندسة الكهربائية إلى ميكانيكا الكم.
بحسب كريستوفر مور عالم فيزياء في معهد سانتا في،نيو مكسيكو، لقد اخترعنا أعدادًا خيالية لنفس الأسباب التي دفعتنا إلى اختراع الأعداد السالبة، وبوصفه مؤلف مشارك مع ستيفان ميرتنز لكتاب (طبيعة الحساب) عام 2011، يقول:
«لنبدأ بالحساب التقليدي، ما هو ناتج اثنان ناقص سبعة؟»
إذا لم تسمع من قبل عن الأعداد السالبة، فالعبارة السابقة غير منطقية، ولا توجد إجابة، فلا يمكن أن يكون لدينا سالب خمسة تفاحات، لكن فكر في الأمر بطريقة أخرى، من الممكن أن تكون مدينًا بخمس تفاحات، أو خمسة دولارات. ومع بدء الناس في ممارسة المحاسبة وإنشاء السجلات الحسابية، كنا بحاجة إلى هذا المفهوم، يعرف الجميع اليوم أنه عند كتابة شيكات كبيرة لدفع ثمن بعض الأشياء، إذا لم يتوفر مال كاف لتغطيتها، فمن الممكن أن تتحول قيمة الرصيد في الحساب إلى رقم سالب.
التفكير الإبداعي يقطع شوطًا طويلًا
توجد طريقة أخرى للنظر إلى الأعداد السالبة (وهذا سيكون مفيدًا لاحقًا)، وهي بحسب مور التفكير في التجول في أحد أحياء المدينة، إذا اتخذت منعطفًا خاطئًا وفي الاتجاه المعاكس للوجهة المحددة (مثلًا على بعد خمس أبنية جنوبًا، في حين كان ينبغي التوجه شمالًا)، فيمكن التفكير في الأمر على أنه المشي على بعد خمس بنايات سلبية إلى الشمال.
يقول مور: «باختراع الأعداد السالبة، استطعنا توسيع عالمنا الرياضي، ما مكننا من الحديث عن بعض الأشياء التي كانت صعبة الوصف من قبل».
الأعداد التخيلية والأعداد المركبة (أي الأعداد التي تتضمن مكونًا تخيليًا) هي مثال آخر على هذا النوع من التفكير الإبداعي، يشرح مور: «إذا سألتك، ما هو الجذر التربيعي لتسعة، فهذا سؤال تسهل الإجابة عليه، أليس كذلك؟ الجواب هو ثلاثة، مع إنه قد يكون سالب ثلاثة أيضًا»، لأن ضرب اثنين من السالب يؤدي إلى نتيجة إيجابية.
لكن ما هو الجذر التربيعي لسالب واحد؟ هل يوجد رقم عندما يضرب في نفسه يعطيك سالب واحد؟ يقول مور: «لا يوجد مثل هذا العدد».
لكن علماء الرياضيات في عصر النهضة توصلوا إلى طريقة ذكية للتغلب على هذه المشكلة، يتابع مور قائلًا: «قبل اختراع الأعداد السالبة، لم يوجد عدد يساوي اثنين ناقص سبعة، لذا ربما يجب علينا أن نخترع عددًا يمثل الجذر التربيعي لسالب واحد، حسنًا لنطلق عليه (i)».
فور أن توصلوا إلى مفهوم العدد التخيلي، اكتشف علماء الرياضيات أن بإمكانهم استخدامه لأداء أشياء مذهلة حقًا. لنضع بالحسبان أن ضرب عدد موجب بعدد سالب يساوي عددًا سالبًا، بينما ضرب عددين سالبين في بعضهما يساوي عددًا موجبًا، ولكن ماذا يحدث عندما تبدأ بضرب i في سبعة، ثم في i مرة أخرى؟
الإجابة هي سالب سبعة، لأن جداء i في i يساوي سالب واحد، لكن إذا ضربت سبعة في i في i في i في i، فجأة تحصل على موجب سبعة. يلاحظ مور: «إنهم يلغون بعضهم البعض».
الآن فكر في ذلك. لقد أخذت رقمًا وهميًا، وأضفته إلى معادلة عدة مرات، وانتهى بك الأمر برقم حقيقي تستخدمه عادةً في العالم الحقيقي.
الأرقام التخيلية هي نقاط على المستوي
استغرق علماء الرياضيات بعد بضع قرون لإيجاد طريقةً أخرى لفهم الأعداد التخيلية وفي أوائل القرن التاسع عشر نظروا إليها بوصفها نقاطًا على المستوى، وذلك حسب توضيح مارك ليفي، أستاذ الرياضيات ورئيس القسم في جامعة ولاية بنسلفانيا ومؤلف كتاب (لماذا تهبط القطط على قدامها، و76 مفارقة وألغاز فيزيائية أخرى) لعام 2012.
عندما نفكر في الأعداد بوصفها نقاط على خط ما، ثم نضيف بعدًا آخر: «فإن النقاط الموجودة على هذا المستوى هي أعداد تخيلية».
تصور خطًا من الأعداد، عندما نفكر في عدد سالب، فهو يبعد 180 درجة عن الأعداد الموجبة الموجودة على الخط، يوضح ليفي: «عند ضرب رقمين سالبين، فإننا نضيف زواياهما، 180 درجة زائد 180 درجة، ونحصل على 360 درجة، ولهذا السبب فهي موجبة».
لكن لا يمكن وضع الجذر التربيعي لسالب واحد في أي مكان على المحور (X). ومع ذلك، إذا أنشأنا محور Y متعامد مع X، فلدينا الآن مكان لوضعه.
ومع إن الأعداد التخيلية تبدو وكأنها بعض المرح الرياضي، فإنها في الواقع مفيدة جدًا لبعض العمليات الحسابية المهمة في عالم التكنولوجيا الحديث، مثل حساب تدفق الهواء فوق جناح الطائرة، أو معرفة كمية الطاقة المبددة في المقاومة، أو حساب التذبذب في نظام كهربائي.
يوضح رولاندو سوما، عالم الفيزياء المتخصص في خوارزميات الحوسبة الكمومية في مختبر لوس ألاموس الوطني، أن الأعداد المركبة ذات المكونات التخيلية مفيدة أيضًا في الفيزياء النظرية.
يقول سوما عبر البريد الإلكتروني: «نظرًا لعلاقتها بالدوال المثلثية، فهي مفيدة لوصف الدوال الدورية»، فمثلًا تنشأ هذه الدوال بوصفها حلولًا للمعادلات الموجية، لذلك نستخدم أعدادًا معقدة لوصف الموجات المختلفة، كالموجة الكهرومغناطيسية، وهكذا، كما هو الحال في الرياضيات، يعد حساب التفاضل والتكامل المعقد في الفيزياء أداة مفيدة جدًا لتبسيط العمليات الحسابية.
للأعداد المركبة أيضًا دور في ميكانيكا الكم، وهي النظرية التي تصف سلوك الطبيعة على مستوى الذرات والجسيمات دون الذرية.
يشرح سوما: «في ميكانيكا الكم يظهر i بوضوح في معادلة شرودنغر». وهكذا، يبدو أن الأعداد المركبة لها دور أكثر أهمية في ميكانيكا الكم وليست مجرد أداة حسابية مفيدة.
ويتابع قائلًا: «تُوصف حالة النظام الكمي من خلال الدالة الموجية الخاصة به» كحل لمعادلة شرودنجر، هذه الدالة الموجية هي تراكب لحالات معينة، والأعداد التي تظهر في التراكب معقدة، فبالوسع مثلًا وصف ظاهرة التداخل في فيزياء الكم بسهولة باستخدام الأعداد المركبة.
اقرأ أيضًا:
الرياضيات في دقيقة، أرقامٌ معقّدة
ما وراء الثابت الرياضي “باي”، سبعة ثوابت رياضية شديدة الأهمية
ترجمة: يوسف الشيخ
تدقيق: حسام التهامي
مراجعة: محمد حسان عجك