تتميز المواد فائقة التوصيل بانعدام مقاومتها الكهربية، ما يعني أن الكهرباء تمر عبرها بكفاءة تقترب من 100%، وطالما توقع العلماء وجود أنواع أخرى من المواد فائقة التوصيل تنتظر اكتشافها، ويبدو أن ظنهم لم يخب، إذ تعرف بحث جديد للمرة الأولى على موصل فائق من نوع (g-wave)، ما يُعد تطورًا مهمًا في هذا الفرع من الفيزياء. تكمن أهمية هذا الاكتشاف فيما سيضيفه إلى شبكات الطاقة، فيما يتعلق بتقليل فقدان الطاقة الناتج عن حرارة التوصيل، لكن لا تنس أن المواد فائقة التوصيل من هذا النوع تتطلب تبريدًا فائقًا حتى تظهر خصائصها فائقة التوصيل.
تُعد جميع الموصلات الفائقة تقريبًا حتى اللحظة أحادية الدوران، إذ تتضمن زوج من الإلكترونات يُعرَف بزوج كوبر، وفيه يدور أحد الإلكترونين إلى أعلى ويدور الآخر إلى أسفل، ما يزيل المقاومة الكهربائية للمادة، يوجد حاليًا نوعان من المواد فائقة التوصيل تندرج تحت هذا الوصف: (s-wave) و (d-wave). للتبسيط، تتجه الإلكترونات في زوج كوبر من نوع (s-wave) نحو بعضها مباشرةً، ما يسبب إلغاء العزم الزاوي الذي يُعد مقياسًا للطاقة والحركة الدورانية لكل منهما.
ينتج عن اختلاف المحاذاة في (d-wave) عزم زاوي موجب على امتداد المحور الأول، وآخر سالب على امتداد المحور الثاني، ما يعطي هذا النوع وحدتين من العزم الزاوي.
أما موصلات (g-wave) الفائقة المكتشفة حديثًا فتتميز بامتلاكها نوعًا مختلفًا من العزم الزاوي. اكتُشف هذا النوع بعد التحليل الطيفي للرنين الفائق لمعدن السترونتيوم روثينات.
يقول الفيزيائي براد رامشاو من جامعة كورنيل: «تُظهر هذه التجربة إمكانية الحصول على هذا النوع من الموصلات الفائقة وهو ما لم نفكر فيه من قبل، وتفتح مجال احتمالات أوسع بشأن الصور التي تتخذها وتظهر بها الموصلات الفائقة، وإذا كنا راغبين في التحكم في الموصلات الفائقة بنفس الطريقة التي نتحكم بها في أشباه الموصلات واستخدامها في التكنولوجيا، فعلينا معرفة كيفية عملها، ومعرفة أنواعها وتشكيلاتها كذلك».
بحث الفريق عن نوع آخر من الموصلات الفائقة الموجودة نظريًّا حتى الآن، وهي موصلات (p-wave) الفائقة، التي يعتقد العلماء أنها ثلاثية الدوران، إذ يُفترض -نظريًّا على الأقل- أن الإلكترونات المترابطة في هذا النوع تدور في نفس الاتجاه منشئةً عزمًا زاويًّا يساوي 1، وهي قيمة تقع بين العزم الزاوي لـ (s-wave) و(d-wave)، لكن بدلًا من إيجاد (p-wave)، وجد الفريق نوعًا مختلفًا من العزم الزاوي.
أخذ التحليل الطيفي في الحسبان تناظر بلورة السترونتيوم روثينات، لاتخاذ اللازم لخفض حرارة المادة إلى البرودة المطلوبة.
أظهرت الثوابت المرنة للمادة -سرعة الصوت في أثناء مروره عبرها- أن معدن السترونتيوم روثينات هو موصل فائق ذو مكونين، قادر على الربط المعقد للإلكترونات ربطًا يتطلب اتجاهًا ورقمًا للتعبير عنه، ما يعني أن هذه المادة لا تُصنف بوصفها موصلات فائقة من النوع (s-wave) أو (d-wave) أو (p-wave) بل هي نوع مختلف بالتأكيد.
يقول رامشاو: «يمنحك رنين الموجات فوق الصوتية تصورًا للمادة، ولو لم تتعرف على كل التفاصيل المجهرية فإنك تستطيع أن تستنتج عمومًا ما يمكنك استبعاده، وقد وجدنا أن التجارب تعطي نتائج غريبة أو غير مسبوقة، من تلك النتائج (g-wave) التي تعني عزمًا زاويًّا يساوي 4».
يُعد هذا الاكتشاف خطوة أخري نحو فهم الموصلات الفائقة، وسنجني منافع جمة إذا تمكنا من تطوير التكنولوجيا وتشغيلها في درجات حرارة أعلى، من تلك المنافع لوحات الدوائر الكهربية وشبكات الكهرباء التي لا تفقد الكهرباء عند نقلها بسبب الحرارة.
يتطلع الفريق إلى البحث عن مواد أخرى قادرة على التوصيل الفائق من النوع المراوغ (p-wave)، وسيحللون أيضًا معدن السترونتيوم روثينات المدهش تحليلًا أعمق.
«لقد دُرست هذه المادة جيدًا في سياقات مختلفة وليس فقط لدراسة خصائصها فائقة التوصيل، وقد أصبحنا الآن نفهم طبيعة هذه المادة وسبب كونها معدنًا وكذلك سلوكها عند تغير درجة الحرارة وسلوكها عند تغير المجال المغناطيسي، لذا يُفترض أن نستطيع صياغة نظرية عن سلوك تلك المادة فائقة التوصيل».
اقرأ أيضًا:
لأول مرة.. اكتشاف الناقلية الفائقة في النيازك
حطّم علماء فيزياء رقمًا جديدًا لدرجة حرارة التوصيل الفائق
ترجمة: أحمد جمال
تدقيق: محمد الصفتي
مراجعة: أكرم محيي الدين