عثرت مجموعة باحثين فنلنديين على أدلة قوية على وجود مادة الكوارك في مركز أحد النجوم النيوترونية، وأتى هذا الاكتشاف على خلفية الجمع بين فيزياء الجسيمات النظرية والفيزياء النووية من جهة وقياسات الموجات الناتجة عن اصطدام النجوم النيوترونية من جهة أخرى.
تتكون المادة الطبيعية التي نعرفها من ذرات، كل ذرة تحاط نواتها (التي تحوي النيوترونات والبروتونات) بإلكترونات سالبة الشحنة. أما النجوم النيوترونية فتتكون من مادة نووية شديدة الكثافة تتجمع فيها النيوترونات والبروتونات بشدة تدفعنا لاعتباره (أي النجم) نواة هائلة.
حتى الآن لم تتبين صحة انهيار المادة النووية الموجودة في مركز النجم النيوتروني الضخم لتصل إلى حالة مدهشة تسمى بالكوارك تختفي فيها النوى. لكن هذا ما يراه الباحثون من جامعة هلسنكي الذين نشروا نتائج بحثهم في دورية نيتشر فيزيكس (Nature Physics).
«إن التأكد من وجود الكوارك داخل نوى النجوم النيوترونية كان واحدًا من أهم أهداف علماء الفيزياء المختصين بهذه النجوم، منذ أن طُرح هذا الموضوع بقوة قبل 40 عامًا»، على حد قول أليكسي فورينين الأستاذ المساعد في قسم الفيزياء بجامعة هلسنكي.
الاحتمالية:
لم يستطع العلماء تحديد مصير المادة النووية داخل النجوم النيوترونية رغم عمليات المحاكاة بالحواسيب المتطورة. لكن تمكنت مجموعة الباحثين الفنلنديين، وبالجمع بين فيزياء الجسيمات والفيزياء النووية من جهة والقياسات الفلكية من جهة أخرى، من تحديد خصائص وهوية هذه المادة.
تضم مجموعة الباحثين، إضافةً إلى فورينين، طالب الدكتوراه إيميل أنالا من هلسنكي، وزملاؤهم: تايلور جوردا من جامعة فرجينيا وألكسي كوركيلا من سيرن وجوناس ناتاليا من جامعة كولومبيا.
وتشير الدراسة إلى أن المادة الموجودة بمركز أكثر النجوم النيوترونية استقرارًا وأضخمها أقرب للكوارك من المادة النووية العادية. إذ يتجاوز محيط النواة قياس نصف النجم النيوتروني بأكمله. ومع ذلك لا دلائل مؤكدة عن هوية هذه المادة كما يقول فورينين، ولكن إلى أين يقودنا هذا الاكتشاف؟
يقول فورينين: «أن تتكون النجوم النيوترونية من المادة النووية وحدها لهو احتمال ضئيل، ولكن في حال وجوده علينا أن نكون مستعدين لدراسة السلوك الغريب الذي ستسلكه المادة وقتها؛ كأن تكون سرعة الصوت قريبةً من سرعة الضوء!».
تحديد نصف القطر من ملاحظات موجات الجاذبية
أسهمت نتيجتان جديدتان في الاكتشافات الحديثة في الفيزياء الفلكية: قياس موجات الجاذبية من اندماج نجوم نيوترونية، واكتشاف نجوم نيوترونية هائلة بكتل تصل إلى ما يعادل كتلتين شمسيتين.
في خريف عام 2017 تمكن مرصدا ليجو وفيرغو، ولأول مرة، من رصد موجات جاذبية ناتجة عن اندماج نجمين نيوترونيين. وبإجراء هذا الرصد وُضِع حد أعظمي صارم لما يسمى بالتشوه المدي؛ الذي يقيس مدى تأثر نجم مداري بجاذبية مرافقة. فيما بعد اشتُق من هذه القيمة حد أعلى لنصف محيط النجوم النيوترونية المتصادمة بلغ نحو 13 كم.
سُجلت أول ملاحظة لنجم نيوتروني عام 1967، ومع ذلك لم يكن من الممكن تحديد كتل النجوم النيوترونية بدقة حتى العشرين عامًا الماضية. تتراوح كتلة هذه النجوم ضمن إطار من 1 إلى 1.7 من الكتلة الشمسية؛ لكن العقد الأخير شهد تحديد ثلاث نجوم تصل أو تتجاوز في كتلتها ثلاث كتل شمسية.
الملاحظات المتوقعة
حدت المعلومات الجديدة عن نصف قطر النجم النيوتروني وحجمه من التخمينات حول الديناميكا الحرارية للمادة المكونة لهذه النجوم بشكل ملحوظ، وأسهمت أيضًا في استكمال مجموعة البحث الفنلندية لبحثها ونشره في دورية نيتشر فيزيكس (Nature Physics).
جمعت في البحث الجديد الملاحظات الفلكية من جهة مع النتائج النظرية للفيزياء النووية وفيزياء الجزيئات من جهة أخرى كما ذكرنا سابقًا؛ ما مكن من الوصول إلى تصور دقيق لمعادلة تعبر عن حالة المادة المكونة للنجوم النيوترونية.
تشير هذه المعادلة إلى العلاقة بين ضغط وكثافة هذه المادة، وشكلت أحد نتائج الجاذبية العامة عاملًا مهمًّا في الوصول إليها؛ حيث ربطت معادلة حالة المادة بالعلاقة بين قطر النجم النيوتروني وكتلته.
رُصد عدد من النجوم النيوترونية المندمجة منذ خريف عام 2017، وتعاظم دور مرصدي ليجو وفيرغو في اكتشاف تلك النجوم. إذ لعبت معلومات الرصد دورًا مهمًّا في تحسين دقة بحث المجموعة الفنلندية وتأكيد وجود مادة الكوارك في النجوم النيوترونية، هذا وستقوم عمليات الرصد المستقبلية بتعزيز البحث عن طريق حدها من النتائج غير المؤكدة.
يقول فورينين: «أعتقد بأن العصر الذهبي لموجات الجاذبية في الفيزياء الكونية قد بدأ لتوه، وسنشهد قفزات جديدة في فهمنا للكون».
اقرأ أيضًا:
للمرة الثانية يرصد العلماء اصطدام نجم نيوتروني ملحمي
كن مستعدًا، استطاعت مسرعات الجسيمات لتوها توليد تصادم النجوم النيوترونية
ترجمة: أماني مرشد
تدقيق: رزوق النجار
مراجعة: صهيب الأغبري