العالم بحاجة ماسة للانتقال نحو مصادر الطاقة المتجددة، لكننا بحاجة أيضًا إلى تحسين كفاءة منظومات الطاقة لدينا. يُفقَد في الوقت الحالي ما يقدر بنحو 70% من إجمالي الطاقة المنتجة في العالم على شكل حرارة، غالبًا في محطات الطاقة. هذه مشكلة كبيرة يمكن حلها جزئيًا على الأقل من طريق تحسين المواد الكهروحرارية، التي قد تقلل من الضياع الحراري وأيضًا تحصيل الطاقة الحرارية الضائعة.
خطا الباحثون في وقتنا الحالي بقيادة جامعة ليفربول في المملكة المتحدة خطوةً كبيرة نحو هذا الهدف؛ باكتشاف مادة غير عضوية جديدة بأقل ناقلية حرارية سجلت على الإطلاق.
عمليًا في درجة حرارة الغرفة تعمل تلك المادة على إبطاء نقل الحرارة بقدر ما يفعل الهواء تقريبًا.
وضح في بيان صحفي أن المادة الجديدة لها الصيغة الكيميائية Bi4O4SeCl2 ويعد إنتاجها «إنجازًا في التحكم بتدفق الحرارة على المستوى الذري».
يقول الكيميائي وقائد الفريق مات روسينسكي من جامعة ليفربول: «إن المادة التي اكتشفناها لديها ناقلية حرارية أقل مقارنةً مع سائر المواد الصلبة غير العضوية، وهي مماثلة تقريبًا للهواء في رداءة نقل الحرارة. تعد تبعات هذا الاكتشاف مهمةً سواء للفهم العلمي الأساسي أو للتطبيقات العملية في الأجهزة الكهروحرارية التي تحصل الحرارة المهدورة ويمكن استخدامها كطلاءات حاجز حراري لتحسين كفاءة عنفات الغاز».
لنقل إن قيمة الناقلية الحرارية للفولاذ هي 1، إذن سيكون لكل من الماء و حجر البناء ناقلية حرارية تبلغ 0.01، والهواء نحو 0.0005، أما المادة الجديدة 0.001 فقط.
ما يثير الاهتمام حول هذه المادة خصوصًا أنها أُنشئت بترتيب ذكي لطبقات من الذرات، ويقول الفريق إنهم يستطيعون استخدام التقنية ذاتها لإضافة خصائص أخرى.
قد يعني هذا الأمر أننا سنكون قادرين في المستقبل على إنتاج مواد لا تكون عازلة شديدة للحرارة فحسب، بل موصلة فائقة للكهرباء كذلك، وهاتان الخاصيتان مهمتان لشبكات الطاقة.
يوضح الفيزيائي جون ألاريا: «بعيدًا عن النقل الحراري، يمكن تطبيق هذه الاستراتيجية على خصائص فيزيائية أساسية أخرى مثل المغناطيسية والموصلية الفائقة، ما يؤدي إلى حوسبة تستهلك طاقة أقل إضافةً إلى نقل أكثر كفاءةً للكهرباء».
المواد غير العضوية هي تلك التي لا تحتوي على عنصر الكربون، وهذه المادة مصنوعة من أوكسي كلوريد البزموث BiOCl والمركب ذو الصيغة Bi2O2Se، إذن المادة الجديدة مركبة من البزموث والأكسجين والسيلينيوم والكلور.
بهدف صنع المادة الناقلة الجديدة، وجد الفريق ترتيبين مختلفين للذرات في تلك المواد ما أدى إلى ضعف النقل الحراري.
ثم درسوا آليات إبطاء الحرارة في كلا الترتيبين الذريين، ووجدوا أسلوبًا لدمج الاثنين بطريقة تسمح لهم بجمع تأثيري إبطاء الحرارة معًا، بدلًا من مجرد تحصيل متوسط الفرق.
في الصورة أدناه، يمكن رؤية تصور فني للترتيبين الذريين المختلفين باللونين الأصفر والأزرق، والتي تدمج بفاعلية أكبر خاصية إبطاء انتقال الحرارة عبر المادة.
والنتيجة هي أن المركب Bi4O4SeCl2 هو ناقل حراري أكثر رداءةً بكثير من أي من الترتيبين الذريين لوحدهما، وفي درجة حرارة الغرفة يحقق المركب الجديد قيمة نقل حراري (0.1 واط/متر/كلفن) فقط، ويمكن القول إن المادة تكتسب قيمتها العالية باجتماع أجزائها معًا، ولا أهمية لكل جزء على حدة.
يجدر بالذكر أن هذه الدراسة ركزت فقط على الناقلية الحرارية للمادة الجديدة، ولم تتضمن أي تأثيرات أخرى مثل التوصيل الكهربائي أو المغناطيسية، لذلك لم يتضح بعد هل بإمكاننا أن نستخدم هذه المادة في تطبيقات عملية كالحوسبة أو في الشبكة الكهربائية؟
ولكن الآن بعد أن عرفنا كيفية وضع الذرات بهذه الطريقة المعقدة، فإن تلك التقنية تفتح المجال لإمكانات كثيرة لتشكيل مواد جديدة تأخذ خصائص النقل الحراري هذه وتجمعها مع سمات أخرى مرغوبة لتحسين الأداء الكهروحراري أو الوصول للموصلية الفائقة.
كتب الباحثون: «توضح إمكانية تحسين الخصائص المتعددة كيف يمكن للتلاحم بين الوحدات المعيارية مع الترابط الملائم أن يتيح توليد المواد الكيميائية والتحكم في وظيفتها».
اقرأ أيضًا:
ترجمة: رولان جعفر
تدقيق: لبنى حمزة