يتميز كل كوكب من الكواكب الواقعة خارج المجموعة الشمسية عن غيره بطريقةٍ خاصة، لكن هذا الكوكب المُكتشَف حديثًا الذي يبعد عنا مسافة 186 سنة ضوئية يعدنا بالمزيد من التشويق. هو كوكب صغير بنفس حجم كوكب الأرض تقريبًا يُكمل دورة كاملة حول نجمه المركزي خلال 3.14 يوم. وهو رقم يقترب بشدة من النسبة الرياضية الثابتة Pi، التي تصف النسبة بين محيط الدائرة إلى قطرها. أطلق عليه مكتشفوه لقب كوكب باي Pi، رغم أن اسمه العلمي الرسمي هو K2-315b.
اكتُشف هذا الكوكب بعد سنوات من الرصد والبحث، ويعود الدليل الأول على وجوده لعام 2017 عندما أتم تليسكوب كيبلر الفضائي مهمته الموسعة الثانية. عثر تليسكوب كيبلر على 20 منطقة ضوئية خافتة بفترات منتظمة، تحت تأثير الضوء القادم من نجم قزم أحمر خافت بحجم يصل لـ 20% من حجم الشمس.
هذه هي الطريقة الرئيسية التي يمكننا بواسطتها اكتشاف الكواكب خارج المجموعة الشمسية، إذ تشير هذه المناطق الضوئية الخافتة غالبًا إلى مرور كوكب بيننا وبين النجم في ظاهرة تسمى العبور.
تُصنَف مناطق العبور هذه على أنها مناطق تقلبات طفيفة جدًا في ضوء النجم.
لكن تشكيلة واحدة من هذه التقلبات الضوئية لا تكفي لتأكيد العثور على الكواكب الخارجية. لذا بدأ الفلكي براجوال نيراولا وزملاؤه مؤخرًا هذا العام متسلحًا ببيانات تليسكوب كيبلر في رحلة لدراسة هذا الكوكب باستخدام سبيكولوس – SPECULOOS؛ وهي مجموعة من التليسكوبات التي تعمل معًا للبحث بصورة خاصة عن الكواكب الخارجية ذات الحجم المقارب لحجم الأرض حول النجوم القزمة الخافتة.
وبعد ثلاث محاولات رصد في فبراير و مارس ومايو، وجه الفريق تليسكوبات سبيكولوس نحو دراسة نجم يسمى K2-315.
إذ اكتشفوا ثلاثة مناطق ضوئية خافتة إضافية وحصلوا على التركيب الطيفي للنجم باستخدام مطياف إيكيل عالي الدقة HIRES التابع لمرصد ويليام مايرون كيك W. M .Keck observatory
توافقت فترات الخفوت الضوئي هذه تمامًا مع توقيت ال 3.14 يوم المسجل بواسطة تليسكوب كيبلر قبل 3 أعوام.
وأكد التركيب الطيفي لضوء النجم أن فترات الخفوت هذه هي بالتأكيد ناتجة عن عمليات عبور لكواكب خارجية بيننا وبين النجم.
يمكننا معرفة الكثير عن طريق العبور النجمي. إذ يمكن لمقدار خفوت الضوء النجمي أن يخبرنا عن حجم الكوكب الخارجي، وتمكن نيراولا وزملاؤه بهذه الطريقة من تحديد حجم كوكب K2-315b بنحو 95% من حجم الأرض.
بهذا الحجم، ربما يكون الكوكب صخريًا، مثل الأرض والزهرة وعطارد والمريخ، لكن لا يمكن استبعاد التكوينات الأخرى تمامًا.
لهذا الغرض نحتاج لاستخدام مطياف دوبلر. إذ يمكن حتى لأصغر الكواكب حجمًا أن يجر النجم الذي يدور حوله نحوه قليلًا في الوقت الذي يتحرك فيه الاثنان حول مركز جاذبية مشترك، وتولد هذه الحركة تغييرات طفيفة في الأطوال الموجية لضوء النجم، إذ تقصر هذه الأطوال الموجية كلما اقترب النجم من الراصد وتتمدد كلما ابتعد عنه.
بإمكان المسافة التي يقطعها النجم أن تخبرنا عن كتلة الكوكب الخارجي.
تنخفض الكثافة في الكواكب العملاقة التي تحتوي على غازات خفيفة، لذلك إذا كان الكوكب كبيرًا بكتلة منخفضة نسبيًا، يمكنك أن تستنتج أنه كوكب غازي.
للكواكب الصخرية كثافة أكبر، لذلك فإن نسبة كتلتها إلى حجمها تكون أعلى.
حتى لو كان كوكب K2-315b كوكبًا صخريًا فعلًا، فلا توجد فرصة لأن يكون قابلًا للحياة بمفهومها الحالي.
بامتلاكه لزمن مداري يبلغ 3.14، فحتى عندما يدور بأقصى سرعة له 81 كيلومترًا في الثانية -علمًا أن السرعة المدارية للأرض تبلغ 29.78 كيلومترًا في الثانية أي 18.5 ميل في الثانية- فإنه سيكون قريبًا من نجمه لدرجة يصبح فيها سطحه ساخنًا حتى حوالي 450 كلفن (177 درجة سيليزية).
على أية حال، قد يكون هذا الكوكب مناسبًا جدًا لاستكمال دراسته، لأنه صغير جدًا ولأن النجوم الخافتة لا تتوهج بنفس توهج شبيهاتها الأكبر. ما يعني أنها تقدم فرصة أفضل للبحث عن الأغلفة الجوية خلال فترات عبور الكواكب الخارجية.
قد يتغير ضوء النجم قليلًا عند مروه خلال الغلاف الجوي لكوكب خارجي إذ تمتص العناصر المختلفة أطوالًا موجية معينة أو تبعثها.
حتى الأغلفة الجوية للكواكب غير الصالحة للعيش ستكون أمرًا رائعًا لدراسته. ويقدر الفريق أن تليسكوب جيمس ويب الفضائي سيحتاج فقط لـ 40 حدث عبور للحصول على بيانات كافية لإكمال عملية التحقق.
هذا بالنسبة لما يمكن فعله في المستقبل.
في هذه الأثناء، يخطط الفريق مواصلة استخدام سبيكوليوس لمحاولة العثور على مزيد من الأهداف.
يقول نيراولا: «سيكون هناك المزيد من الكواكب المثيرة للاهتمام مستقبلًا، في الوقت المناسب تمامًا لتجربة JWST، وهو تليسكوب مصمم لاستكشاف الأغلفة الجوية لهذه العوالم الغريبة. مع توفر خوارزميات أفضل، نأمل يومًا ما أن نتمكن من البحث عن كواكب أصغر حتى لو كانت بكتلة كوكب المريخ».
اقرأ أيضًا:
الوقت الأمثل لاستكشاف الكون هو الآن، لهذا السبب
رصد كوكب خارج المجموعة الشمسية من طريق الأمواج الراديوية للمرة الأولى
ترجمة: رياض شهاب
تدقيق: نغم رابي