آخر ما يريده العالم الآن هو حدوث جائحة جديدة مع جائحة كورونا، لهذا فإن إصابة أعداد متزايدة من الخنازير بسلالة إنفلونزا يمكن انتقالها إلى البشر تثير مخاوف علماء الأمراض المعدية حول العالم. يقول الباحث روبرت وبستر المهتم بالإنفلونزا، المتقاعد حديثًا من مستشفى سانت جود لبحوث الأطفال: «لا نعرف هل ستتحول سلالة الإنفلونزا هذه بسرعة لتنتقل بين البشر أم لا؟ لم يحدث هذا حتى الآن، لكن المشكلة هي أننا لا نعرف بالجائحة إلا بعد حدوثها. تمتلك الصين أكبر عدد خنازير في العالم، ولا نعلم هل ستتطور هذه الإنفلونزا إلى جائحة؟».
عندما تصيب سلالات عديدة من الإنفلونزا الخنزير نفسه يسهل تبادل الجينات بينها، في عملية تُعرف بإعادة تشكيل الفيروس. ركّزت دراسة جديدة نُشِرت حديثًا في مجلة PNAS على فيروس الإنفلونزا G4، وهو مزيج فريد لثلاث سلالات من الفيروسات: إحداها شبيهة بالفيروسات الموجودة في الطيور الآسيوية والأوروبية، وسلالة H1N1 التي سببت جائحة 2009، وسلالة H1N1 من أمريكا الشمالية، وهي خليط من جينات فيروسات إنفلونزا الطيور والبشر والخنازير.
يثير فيروس G4 القلق لأنه أساسًا فيروس إنفلونزا الطيور -الذي لا يملك البشر مناعة ضده- مع أجزاء من سلالات إنفلونزا أخرى من بعض الثدييات. يقول إدوارد هولمز عالم الأحياء التطورية في جامعة سيدني، الباحث في مسببات الأمراض: «تشير البيانات إلى انتقال وشيك لفيروس الخنازير هذا إلى البشر، يجب علينا أن نراقب ذلك جيدًا».
حلل فريق بقيادة لو جينوا من جامعة الصين الزراعية نحو 30 ألف مسحة أنفية لخنازير من مسالخ في عشر مقاطعات صينية، و1000 مسحة أخرى من خنازير ظهرت عليها أعراض تنفسية في المستشفى الجامعي البيطري. أُخِذت هذه المسحات بين عامي 2011 و2018 ووُجِد فيها 179 نوعًا من فيروسات إنفلونزا الخنازير، معظم هذه الفيروسات كان من نوع G4 أو إحدى سلالاتG الخمس الأخرى من الطيور الأوراسية. كتب أعضاء الفريق: «ازداد انتشار فيروس G4 منذ 2016 زيادةً حادة، وهو النمط الجيني السائد بين خنازير المقاطعات العشر».
يقول صن هنغلي من جامعة الصين الزراعية، أحد مؤلفي الدراسة: «قد يعزز احتواء G4 على جينات من فيروس H1N1 الذي سبب جائحة 2009 فرص تكيف الفيروس، وقد يؤدي إلى انتقال العدوى بين البشر، لذا يجب تشديد المراقبة على الخنازير في الصين لاكتشاف فيروسات الإنفلونزا التي تصيبها».
تنتقل فيروسات الإنفلونزا عادةً من الخنازير إلى البشر، لكن معظمها لا ينتقل بعد ذلك بين البشر، وقد وُثقت حالتا انتقال فيروس G4 إلى البشر لكن العدوى لم تنتقل من المصابَين إلى أشخاص آخرين. تقول مارثا نيلسون عالمة الأحياء التطورية في مركز فوجارتي الدولي التابع لمعاهد الصحة الوطنية الأمريكية، التي تدرس فيروسات إنفلونزا الخنازير في الولايات المتحدة وانتقالها بين البشر: «إن احتمال تحول هذا الفيروس إلى جائحة ضئيل، لكننا لم نكن نعرف سلالة الإنفلونزا التي سببت جائحة H1N1 وانتقلت من الخنازير إلى البشر إلا بعد ظهور أول حالة إصابة سنة 2009، تستطيع الإنفلونزا أن تفاجئنا، وقد يؤدي انشغالنا بكوفيد-19 إلى إهمال فيروسات الإنفلونزا وغيرها من الأخطار».
تقدم الدراسة الجديدة لمحةً مختصرة عن سلالات إنفلونزا الخنازير في الصين، التي تربي نحو 500 مليون خنزير. ترى نيلسون أن هيمنة فيروس G4 على معظم حالات الإنفلونزا بين الخنازير المدروسة نتيجة مثيرة للاهتمام، لكن ذلك لا يدل بالضرورة على مشكلة متزايدة، لقلة عدد العينات المدروسة نسبيًا. تضيف نيلسون: «لا يمكننا تكوين تصور شامل عن الأمراض الأكثر انتشارًا بين الخنازير في الصين، إذ يتطلب الأمر دراسة عدد أكبر من الخنازير».
يصف صن وزملاؤه في البحث -ومن ضمنهم جورج جيو رئيس المركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها- كيف تتأقلم فيروسات G4 وتنقل العدوى إلى البشر، وتنسخ نفسها في الخلايا الظهارية التنفسية عند البشر. وتصيب هذه الفيروسات حيوانات النمس بسهولة وتنتقل بينها، وهي نموذج حيواني شائع الاستخدام لدراسة الإنفلونزا عند البشر. وجد الباحثون أجسامًا مضادة لسلالات G4 في 4.4% من 230 شخصًا تضمنهم مسح أُجري على مجموعة من أفراد العائلات، وتضاعفت هذه النسبة بين العاملين في تربية الخنازير.
إضافةً إلى زيادة المراقبة، يقول صن إننا بحاجة إلى تطوير لقاح G4 لكل من الخنازير والبشر. ويرى وبستر أن أقل ما يمكن فعله هو البدء بتطوير سلالة الفيروس الأولية اللازمة لصنع لقاح للبشر، أو ما يُعرف بالـ seed stock، وهي سلالة من الفيروس تُطَور وتُستنسخ بسرعة في بيض الدجاج لصنع لقاح متكامل».
عادةً لا تلقح الصين الخنازير ضد الإنفلونزا على عكس الولايات المتحدة، لكن تأثير اللقاحات يكون محدودًا عادةً لأن الفيروسات تتطور بسرعة، ما يجعل اللقاحات قديمة ولا تتوافق مع السلالات المنتشرة من الفيروس.
يقول نيلسون: «يحتاج بدء العمل على تطوير لقاحات بشرية ضد فيروس G4 إلى تمويل مستمر، ويجب أن نبقى متيقظين وأنا نأخذ تهديدات الأمراض المعدية الأخرى على محمل الجد، حتى مع وجود جائحة كوفيد-19».
اقرأ أيضًا:
أنت مُصاب بالانفلونزا! هل تذهاب إلى الطبيب أم تنتظر كي تتعافى؟
هل اقتربنا من الحصول على لقاح ابدي للانفلونزا؟
ترجمة: ضياء الأطرش
تدقيق: وئام سليمان
مراجعة: أكرم محيي الدين