كنا نظن أن حاسة التذوق تقتصر على إحساسات التذوق الخمسة، وثلاثة أنواع من الخلايا الذوقية ، لتساعدنا على الاستمتاع بمختلف النكهات، لكنَّ دراسة جديدة أثبتت أن حاسة التذوق أكثر تعقيدًا مما تخيلنا.
حدَّد باحثون يجرون أبحاثهم على القوارض نوعًا جديدًا من خلايا التذوق، قادرة على استشعار النكهات أكثر بكثير من أنواع خلايا التذوق المُكتَشَفة سابقًا. فبدلًا من القدرة على تذوق نوع واحد فقط من النكهات مثل خلايا التذوق الأخرى، تتمتع هذه الخلايا «واسعة الاستجابة» بالقدرة على تذوق كل الطعوم المعروفة، باستثناء الطعم المالح.
خلايا التذوق هي مُستَقبِلات تتجمَّع معًا لتُكوِّن حُليَمات التذوق بشكلها المُمَيَّز الذي يشبه رأس الثوم، وتُوجَد حُلَيمات التَّذوِّق على اللسان، أو في سقف الحلق أو مؤخرته.
عندما تستشعر خلايا التذوُّق طعومًا سيئة لطعام قد يكون سامًا، تخبرنا برفض هذا الطعام وإخراجه من أفواهنا، في حين تطلب المزيد من الطعام عندما يكون طعمه حلوًا.
توجد خمسة أنواع رئيسية من الطعوم المعروفة حتى الآن، وهي: الطعم الحلو والمالح والمُر والحامض، والأومامي أو (savoury)، وهو الطعم الذي يعطي شعورًا باللذة في أثناء تناول أنواع مختلفة من الطعام. وقد يكون الطعم الدهني نوعًا إضافيًا لهذه الطعوم وطعم النشا كذلك. هذا الاختلاف في تحديد عدد الطعوم وأنواعها بدقة ناجم عن اختلاف أذواق البشر، الذي يجعل بعضنا مثلًا يرى أن نكهة «الكزبرة» رائعة في حين يشبّه آخرون طعمَها بطعم الصابون. وما زال العلماء يتناقشون ويبحثون في الأنواع المختلفة من الطعوم والخلايا الذوقية.
يُشَكِّل النوع الأول من الخلايا الذوقية نحو نصف الخلايا الموجودة في الحُليمات، ويستجيب للسكريات والأحماض الأمينية في طعامنا ليُنتج إحساسات الطعم الحلو وطعم الأومامي، وهو الطعم اللذيذ الذي يرافق تناول الأحماض الأمينية الموجودة في البروتينات والإضافات الغذائية (غلوتامات أحادي الصوديوم MSG)، لكن الدور الأساسي لهذا النوع من الخلايا هو دعم الخلايا العصبية المجاورة.
تستشعر الخلايا من النوع الثاني الطعوم المرة والحلوة والأومامي، لكن خلايا النوع الثالث أكثر انتقائية، وتُشكِّل أقل من خُمس خلايا التذوق الموجودة في الحُلَيمات الذوقية، وتستطيع استشعار الطعوم المالحة والحمضية.
اكتشف فريق من العلماء من جامعة بوفالو في نيويورك مجموعة فرعية من خلايا النوع الثالث غير معروفة سابقًا عُزِلَت في فئران مُعَدَّلة جينيًا. وجد العلماء أن هذه الخلايا حساسة للطعم الحامض، لكنها لا تستشعر الطعم المالح. وهي شديدة الحساسية وتستخدم مسارات عصبية فريدة من نوعها لاستشعار الطعوم المُرَّة والأومامي والحلوة أيضًا.
يوضُّح العلماء: «تركِّز دراستنا على مجموعة جديدة من خلايا التذوُّق التي تستطيع التقاط أنواع مختلفة من المُحَفِّزات ومن ضمنها المواد الكيميائية ذات الخواص الذوقية المختلفة».
يشبه التنوُّع الوظيفي للخلايا الجديدة التنوُّع الوظيفي للخلايا العصبية في الدماغ، حيث يوجد نوعان من الخلايا: الخلايا العامة والخلايا المُتَخصصة بمعالجة إشارات التذوق التي تصل إلى الدماغ.
ومن الجدير بالذكر أن الخلايا المُختَبَرة في الدراسة لم تكن كلها قادرة على استشعار جميع أنواع الطعوم، إذ تبيَّن أن نسبة 100% من الخلايا «واسعة الاستجابة» حساسة لطعمين على الأقل، و80% منها قادرة على استشعار 3-4 أنواع من الطعوم.
أضاف واضعو الدراسة: «إن امتلاك خلايا واسعة الاستجابة قد يسمح لنظام التذوق أن يُميِّز بدقة أكبر بين المواد الكيميائية ذات الخواص المتشابهة، وهذا ينطبق أيضًا على الثدييات التي تتشابه أنظمة التذوق لديها تشابهًا كبيرًا».
بعد التعرُّف على خلايا التذوق الجديدة وتحديد خصائصها، تهدف المرحلة التالية إلى معرفة مدى اعتماد حاسة التذوق على هذه الخلايا. وتتضمَّن اختبار السلوكيات المُحَفِّزة للتذوق عند الفئران المُعَدَّلة وراثيًا لتفتقر إلى المُكوِّن الرئيسي لمسارات الإشارات العصبية الذي تستخدمه الخلايا واسعة الاستجابة.
أعُطيت كلٌّ من مجموعتي الفئران الطبيعية والمُعَدَّلة جينيًا أنابيب شرب احتوى بعضها على محاليل غلوتامات أحادي الصوديوم لتحفيز طعم الأومامي، وبعضها الآخر على ماء مُحلَّى، أو مركِّب مُر الطعم يُسمَّى ديناتونيوم أو محلول ملحي. وقاس جهاز سُمِّي «مقياس اللعق» استجابة الفئران لكل نوع من المحاليل، وقورنت باستجابتها للماء.
شربت الفئران المُعَدَّلة جينيًا المحاليل الحلوة والمُرَّة ومحاليل الأومامي كالماء تمامًا، إذ لم تجد فرقًا في الطعم بين المحاليل إلا عند الوصول إلى المحاليل ذات التراكيز العالية جدًا. وتبيَّن أنها فقدت القدرة على تذوق هذه الطعوم في غياب مسارات الإشارات العصبية للخلايا واسعة الاستجابة.
قال واضعو الدراسة: «رغم أن خلايا الاستجابة العامة ليست إلا جزءًا فرعيًا من الخلايا في الحُلَيمات الذوقية، تُظهِر بياناتنا أن لهذه الخلايا دورًا مهمًا في حاسة التذوق».
وقد توقَّع العلماء وجود هذه الخلايا منذ وقت طويل، بعد بحث سابق وجد أن العديد من الخلايا المُستَقبِلة التي أُخِذَت عينات منها ضمن حليمَات ذوقية سليمة في الفئران، استجابت لأكثر من طعم. لكن لم يستطع أحد قبل دراستنا هذه فصل الخلايا الذوقية متعددة الوظائف والتعرف عليها.
يرجع الفضل في هذه الدراسة مرة أخرى لفئران التجارب، ويسعى العلماء في المرحلة القادمة لتصميم «مقياس لعق» بشري، لدراسة هذه الخلايا عند البشر.
اقرأ أيضًا:
سبعة عوامل تؤثر على حاسة التذوق
علاقة التذوق بين الدماغ واللسان أكثر تعقيدا مما ظنناه
ترجمة: غند ضرغام
تدقيق: وئام سليمان
مراجعة: أكرم محيي الدين