يمكن لكبار السن تعلم بعض الحيل الجديدة بفضل جزيءٍ بروتينيٍّ يدعى (نترين – netrin)، ومن المعروف أنّه يساعد على ضبط الجهاز العصبي السليم في الدماغ النامي للرضيع عن طريق توجيه خلايا الدماغ إلى إجراء اتصالاتٍ مناسبةٍ مع خلايا الدماغ الأخرى.
وقد توّصل بحث جديد أجراه علماء في (The Neuro) إلى أنّ النترين في دماغ الشخص البالغ يجعل الارتباطات العصبية أقوى، وهو أمر ضروري ليس فقط لتعلم الحيل الجديدة ولكن أيضًا للحفاظ على ذاكرةٍ جيّدةٍ.
يقول تيموثي كينيدي وهو باحث في (The Neuro) وكبير مؤلفي البحث المنشور في الطبعة الثانية من أكتوبر لـ (Cell Reports): «كان الأمر غامضًا عندما استمرت العصبونات في صنع النترين في دماغ الشخص البالغ بعد أن كانت جميع الاتصالات قد تشكلت بالفعل في مرحلة الطفولة».
وأضاف: «وجدنا أنّه عندما يكون العصبون نشطًا، فإنّ النشاط يؤدي إلى تحرير النترين، ويعمل على تقوية الاتصال بين العصبون والخلايا العصبية المجاورة عند مفترق التشابك، وهدف النترين الأساسي في الخلايا العصبية هو جعل المشبك أقوى».
إنّ الفكرة القائلة بأنّ النشاط المشبكي نفسه يمكن أن يؤثر على قوة أو ضعف الروابط المشبكية اقتُرِحت منذ سنوات عديدة بواسطة دونالد هب.
في عام 1949 افترض هب أنّه إذا ساعدت إحدى الخلايا العصبية على تفعيل خليةٍ أخرى من الخلايا العصبية فإن العصبونتين ستكونان مرتبطتين.
العديد من الخلايا العصبية تتفعَّل معًا بطريقةٍ مترابطةٍ ثم تشكل دائرةً قادرةً على إجراء العمليات المعرفية.
قدمت نظرية هب تفسيرًا فيزيولوجيًا جديدًا لعمليات التعلم والذاكرة.
يقول الدكتور كينيدي: «نحن نقول أنّ هذه الآلية الجزيئية الجديدة التي اكتشفناها بعد 69 عامًا تعتبر أساسيةً لهذه النظرية».
في عام 1957، نشرت عالمة الأعصاب بريندا ميلنر في (The Neuro) ورقةً أكدت فيها أهمية شق الحُصَين لأنواعٍ معينةٍ من التعلم والذاكرة.
وقد ركزت الكثير من الدراسات اللاحقة على قرن آمون والنشاط المعقد الذي يحدث في المشبك.
يقول كينيدي: «إذا قمت بإنتاج جزيءٍ واحدٍ، فإن إطلاق النترين المنظم يعدّ أمرًا ضروريًا للتغيرات المشبكية التي تكمن وراء التغييرات في العصبونات التي تشارك في التعلم والذاكرة، وهو ما كان ميلنر يتحدث عنه».
يقول ستيفن غلاسكو، وهو باحث مشارك في (The Neuro) والمؤلف الرئيسي في صحيفة (Cell Reports): «إنّ العمل على النترين يعدّ خطوةً كبيرةً إلى الأمام في تحديد كيفية صنع الدماغ وتخزين الذكريات».
وأضاف: «يوضح بحثنا أنّ النترين ضروري للتغيرات في قوة الروابط بين خلايا المخ، ويقدم هدفًا جديدًا لم يُكتشف سابقًا للأمراض التي تؤثر على وظيفة الذاكرة».
على الرغم من وجود دليلٍ جيني يورّط النترين في العديد من الأمراض العصبية والتنكسية العصبية مثل مرض ألزهايمر وباركنسون والتصلب الجانبي الضموري (ALS)، فإنّ كيفية تأثير النترين كانت غير واضحةٍ».
يقول كينيدي: «لقد حددنا هدفًا كبيرًا للأدوية».
إذا كنت ترغب في حفظ وظيفة الذاكرة، سيكون الشيء المثالي هو وجود مركبٍ يستهدف الآليات الجزيئية الرئيسية في المشبك.
وقد أظهرت الأبحاث الحديثة أنّ العديد من المشابك في دماغ الشخص البالغ يتوقف تشغيلها، مثل المصابيح الكهربائية التي لا تعمل، فإنها سليمة صحيًّا لكنّها مُطفأة فقط.
رُبّما يكون هناك مخزون من المشابك العصبية التي يمكن استخدامها لتغيير قوة الاتصال بين العصبونات، ونعتقد أننا وجدنا آليةً جزيئيةً لتشغيل تلك المشابك.
ويشير الكاتب المشارك في الدراسة إدوارد روتهازر وهو محقق آخر في (The Neuro)، إلى أنّه من المثير للاهتمام أن تتطلب هذه التقوية المشبكية إطلاق النترين في الفراغ خارج الخلية، ما يوفر فرصةً غير معروفةٍ سابقًا للتفاعل مع الخلايا الأخرى.
يقوم الآن كينيدي وزملاؤه بإجراء تجاربٍ لمعرفة كيفية تفاعل الخلايا العصبية عند إزالة النترين أو إضافته.
بالإضافة إلى (The Neuro)، جرى بحث عن مقالة (Cell Reports) في جامعة (McGill) وفي مركز (CERVO Brain) للأبحاث التابع لجامعة (Université Laval).
- ترجمة: كنان مرعي
- تدقيق: رند عصام
- تحرير: صهيب الأغبري
- المصدر