في عام 2000، كان نيزك قديم يدنو من نهاية رحلته الطويلة. في صباح يوم شتوي، انفجر في سماء كندا مسببًا تساقط الشظايا النيزكية فوق سطح بحيرة تاغيش المتجمدة في ولاية بريتش كولومبيا الكندية.

تُسمى هذه البقايا «نيزك بحيرة تاغيش»، وتمثل اكتشافًا فريدًا في مجال دراسة أحجار الفضاء. عندما اصطدم النيزك بالغلاف الجوي كانت كتلة الجسم تقدر بـ 200 طن، وأنتج كرةً نارية يمكن رؤيتها على مساحة واسعة.

ولّد الاهتمام المتزايد بالأمر جهودًا لاسترجاع الشظايا النيزكية التي سقطت على سطح البحيرة الجليدي وتخزينها في مجمدات، ما يعني أن هذه القطع بقيت متجمدةً طيلة الوقت على الأرض، وربما منذ وقت طويل في الفضاء.

تفسر هذه الظروف سبب اعتبار جسم بحيرة تاغيش إحدى أنقى عينات النيازك المسجلة. يعود النيزك إلى ما يقرب من 4.5 مليار سنة؛ لذلك تُعَد البقايا الكيميائية القديمة المتوفرة داخل شظاياه المتجمدة سجلًا قيمًا لعمليات السوائل التي تعود إلى بداية النظام الشمسي.

يقول عالِم المعادن النيزكية (لي وايت) من متحف أونتاريو الملكي: «نحن نعلم أن الماء كان متوفرًا في النظام الشمسي المبكر، لكن لا يوجد دليل مباشر حول طبيعة كيمياء هذه السوائل ودرجة حموضتها رغم كونها مهمة في تكوين الأحماض الأمينية وتطورها، وصولًا إلى الحياة الجرثومية».

يعطينا نيزك بحيرة تاغيش فرصة التحقق من هذا، لكن يجب علينا النظر بتمعن. في تجربة جديدة، استخدم الفريق تقنية «التصوير المقطعي الذري» لفحص الهياكل فحصًا ثلاثي الأبعاد بدقة نانومترية، قال وايت: «يعطينا التصوير المقطعي الذري فرصةً لتحقيق اكتشافات عظيمة حول مواد أدق بآلاف المرات من شعر الإنسان».

باستخدام هذه التقنية، حصل الباحثون على صورة مقربة من حبيبات (فرامبويدال مغنتيت) صغيرة الحجم تشبه حبوب التوت، داخل كوندريت نيزك بحيرة تاغيش.

وفقًا للفريق، فهذه الهياكل الدقيقة تحتاج محيطًا قلويًا غنيًا بالصوديوم لتتكون بهذا الشكل. ولأن النيزك لم يمس الماء منذ هبوطه على الأرض، ترجح النتائج أن السائل المقصود يرجع إلى بدايات المجموعة الشمسية.

إضافةً إلى ذلك، قال الباحثون إن المحيط الغني بالصوديوم، الذي يمتلك درجة (أس هيدروجيني) مرتفعة في هذه السوائل القديمة يلائم تكوّن الأحماض الأمينية. إذا كانت فرضيتهم صحيحة، فقد يعني ذلك أن هذا السائل ساعد على تطور مراحل الحياة المبكرة على الأرض عندما تفاعلت أحجار فضائية تحمل سوائل مشابهة مع كوكبنا البدائي قبل مليارات السنين.

تقول الباحثة (بيث ليمير) من جامعة يورك في المملكة المتحدة: «تُعَد الأحماض الأمينية أساس الحياة على الأرض، لكن ما زال أمامنا الكثير لنتعلمه حول بداية تطورها في المجموعة الشمسية. وبتثبيت المزيد من المتغيرات مثل درجة الحرارة ودرجة الحموضة، نستطيع التوصل إلى فهم أفضل لتطور هذه الجزيئات المهمة للحياة على الأرض».

اقرأ أيضًا:

العلماء يكتشفون أحافير جليدية في شظية نيزك يبلغ من العمر 4.6 بليون سنة

ربما احتوى المريخ في الماضي على خزانين عملاقين للماء على عمق كبير

ترجمة: محمد لؤي الحليمي

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر