اكتشف علماء الأعصاب بجامعة براون نوعًا جديدًا من الخلايا تُبقي التوقيت داخل الدماغ منتظمًا جدًّا، ربما تلعب هذه الخلايا دور الساعة البيولوجية أو بندول الساعة المُفترَض. جاء الاكتشاف من طريق قياس التموجات الكهربية السريعة للخلايا العصبية المنفردة في منطقة اللمس من الدماغ.
صرح كريس مور أستاذ علم الأعصاب في جامعة براون: «يُصدر هذا النوع من الخلايا العصبية موجات إيقاعية متزامنة دون ارتباط بالأحاسيس الخارجية، تحسن هذه الخلايا العصبية قدرة القوارض على اكتشاف النقر على شاربيها من طريق ضبط هذا الإيقاع».
دُرست موجات الدماغ ذات الأربعين دورة في الثانية -تُعرف أيضًا بترددات غاما gamma rhythms منذ ثلاثينيات القرن الماضي- في البشر والقوارض. بينت دراسة مور أن تعزيز ترددات غاما الطبيعية عند القوارض ساعدها على اكتشاف أحاسيس أدق بشواربها.
قال مور: «كانت ترددات غاما موضوع نقاش حاد، يعد بعض علماء الأعصاب البارزين ترددات غاما ساعةً سحريةً موحدة تنسق الإشارات عبر المناطق الدماغية. لكن يراها علماء آخرون مثل أبخرة عادم تصدر من الدماغ نتيجة التفكير والتحليل، لكن ليس لها أهمية في ذاتها».
إن فرضية قيام ترددات غاما بوظيفة الساعة البيولوجية طُرحت سابقًا، لكنها لم تحظ بقبول كبير لكونها تتأثر بالأحاسيس الخارجية، أما الخلايا العصبية المتموجة المُكتشفة حديثًا -أطلق عليها الباحثون خلايا غاما العصبية الوسيطة المنتظمة سريعة التموج غير الحسية gamma regular nonsensory fast-spiking interneurons – فلا تتأثر بتغير الإحساس.
لم يكن مور وHyeyoung Shin -طالبة الدكتوراه في جامعة براون- يبحثان عن هذه الخلايا، بل أرادوا دراسة ترددات غاما الناتجة عن الإحساس.
استخدمت شين آلةً دقيقةً جدًّا لتحريك شاربي القارض بدرجة خفيفة، وسجلت النشاط العصبي في الجزء الدماغي المرتبط بإحساس شاربي القارض، لرصد الفرق في النشاط الدماغي بين حالتين: حال اكتشاف القارض للنقر الخفيف على شاربيه، وحال عدم اكتشافه لذلك.
قالت شين: «لقد كنا مهتمين خاصةً بنوع ثانوي من خلايا عصبية وسيطة كابحة، تتواصل على نطاق ضيق، وظيفتها الرئيسية كبح التموجات من الخلايا الأخرى. ووجدنا أن هذه الخلايا العصبية الوسيطة سريعة التموج تدق بانتظام عال، ما يعني تمتع القارض بقدرة عالية على استقبال الأحاسيس الدقيقة».
تتميز هذه التجربة بفحص سلوك الخلايا العصبية منفردةً بدلًا من دراسة المعدل الوسطي للنشاط العصبي، ما قاد إلى اكتشاف 3 أنواع مختلفة من الخلايا.
تتموج بعض الخلايا العصبية مستقلةً عن الإحساس في شاربي القارض (وهو ما كان سيُتجاهل في تجربة أخرى). تضم هذه المجموعة مجموعةً فرعية من الخلايا العصبية ذات التموج المنتظم، هي المسئولة عن الساعة البيولوجية، ونوعين فرعيين آخرين يتموجان عشوائيًّا، ويتأثر بعضها بالإحساس المُستقبَل من مستشعرات شاربي القارض. أيضًا وجدت شين أن خلايا الساعة البيولوجية العصبية الموجودة في منطقة اللمس من الدماغ منسجمة مع بعضها.
يضيف مور: «أرى هذا أمرًا طريفًا، إنه عندما يدرس العلماء الدماغ ويجدون خلايا لا تستجيب للمؤثرات الخارجية فإنهم يتجاهلونها. تمكننا الأقطاب الكهربية من رصد عمل خلايا الدماغ، لكنك قد تبالغ في تفسير الأشياء المهمة أو تتجاهلها تمامًا لأنك غير مستعد لرؤيتها. أما شين فقد رأت هذه الخلايا منتظمة التموج».
قبل إجراء التجربة، راجعت شين الأبحاث السابقة بتعمق، واستخدمت نظامًا حاسوبيًّا للنمذجة لمحاولة فهم منطق الخلايا العصبية سريعة التموج، ومع ذلك قد يتفوق الحظ أحيانًا على الاستعداد العقلي.
يحوي الدماغ البشري ترددات غاما أيضًا، لذلك ستكون الخطوة التالية هي تحري وجود خلايا الساعة البيولوجية هذه في الرئيسيات والبشر، أيضًا يعتزم مور وشين تحري وجود هذه الخلايا في مناطق أخرى من الدماغ، ودراسة أثر تحسين تزامن خلايا الساعة البيولوجية باستخدام الهندسة الجينية على قدرة القوارض على اكتشاف الأحاسيس الضعيفة.
يلعب الخلل الموجود في مجموعة الخلايا العصبية الوسيطة سريعة التموج دورًا في العديد من الاضطرابات العصبية مثل التوحد والفصام واضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط. ومن المحتمل وجود دور للخلل في أنماط خلايا الساعة البيولوجية الفرعية في هذه الاضطرابات، لكن يجب إجراء المزيد من الأبحاث لفهم عمل هذا النوع الفرعي، وبحث وجود اختلافات في النشاط.
اقرأ أيضًا:
كيف يؤثر جنسك على ساعتك البيولوجية؟
اكتشاف مبدا عمل واحدة من اقدم الساعات البيولوجية المهمة للحياة
فيزيائيون يبطلون تفسيرًا لكيفية عمل الخلايا العصبية دام لما يزيد عن مئة عام!
ترجمة: عدي بكسراوي
تدقيق: سمية المهدي
مراجعة: أكرم محيي الدين