يُطلق اسم اقتصاد السوق السوداء على النشاط الاقتصادي الذي يحدث خارج القوانين والتنظيمات وبعيدًا عن سلطة الضرائب. وله أسماء أخرى مثل اقتصاد الظل أو الاقتصاد السري أو الاقتصاد غير الرسمي.
سمات اقتصاد السوق السوداء
- عدم قانونية بعض مجالاته: فقد تعمل على توفير سلع ممنوعة قانونًا أو تتهرب من دفع الضرائب المفروضة على السلع والخدمات القانونية، وفي معظم الأحيان، يحدث الأمران معًا.
- تفضيل المعاملات النقدية: ما يجنب هذه الدفعات رقابة سلطات إنفاذ القانون وموظفي مراقبة الامتثال في البنوك والسلطات الضريبية. في 2013 بلغت قيمة الأنشطة غير القانونية التي استخدمت بيتكوين نحو 76 مليار دولار، ما شكل في حينه نسبة 46% من إجمالي تعاملات البيتكوين، لكنها انخفضت كثيرًا منذ 2018.
- الاعتماد على غسيل الأموال: بغرض تحويل المدفوعات إلى أموال شرعية، ولهذه العملية ثلاث مراحل:
- إيداع الأموال في مصارف شرعية، إذ لا يسترعي إيداع مبالغ تقل عن 10,000 دولار انتباه السلطات، أما المبالغ الأكبر، فتخفيها أعمال السوق السوداء بدمجها مع أموال ناتجة عن أعمال قانونية تستعمل الدفعات النقدية كثيرًا.
- استخدام الأموال في شبكة معقدة ومتراكمة من التعاملات بغرض التمويه على مصادرها وملكيتها وأماكن إيداعها، وقد يلجأ البعض إلى إنشاء شركات وهمية خارج بلدانهم غرضها الوحيد غسل الأموال.
- إدماج الأموال ضمن المجتمع في هيئة أملاك ظاهرها قانوني، كاستعمال الكثيرين الأموال المغسولة في شراء العقارات.
يعمل غسيل الأموال على إدخال الأموال الناتجة عن مصادر محظورة في سلسلة من التعاملات التي تخفي أثر هذه الأموال وتمنع موظفي مراقبة الامتثال والسطات القانونية من ملاحظة العلامات التي تدل على الأنشطة الخفية للسوق السوداء.
ما الدافع إلى دخول السوق السوداء؟
يدخل البائعون في أعمال السوق السوداء لرغبتهم في تحقيق أرباح أكثر مما قد يحققوه في الأسواق القانونية، أو بدافع حب اكتساب الجاه والسلطة والاعتداد بالنفس، وتقع معظم الحالات في بيئة اجتماعية محيطة تقبل مثل هذه الأفعال وتحث عليها أحيانًا، بينما تدفع الحالة الاجتماعية البعض إلى الإيمان بأن السوق السوداء هي سبيلهم الوحيد إلى التطور في حالات أخرى.
أما الزبائن، فلديهم ثلاث حوافز للمشاركة في السوق السوداء. فهي بالنسبة للعديد منهم المنفذ الوحيد للحصول على بضائع وخدمات غير قانونية. بينما يريد البعض الآخر الحصول على بضائع أو خدمات قانونية بأثمان أقل أو توصيل أسرع، فكلفة البضائع المسروقة أو المهربة مثلًا أقل من كلفة صناعة هذه البضائع محليًّا، فلا يدفع الزبون سوى تكلفة الشحن ورسم يغطي المخاطر التي يتحملها البائع، دون الحاجة إلى تسديد ضرائب على هذه المشتريات. وغالبًا ما تجري هذه العمليات على نواصي الطرقات.
أما الحالة الثالثة، فهي الحاجة إلى بضائع وخدمات قانونية تعاني نقصًا في إمداداتها، وتعمل السوق السوداء على تسهيل الحصول على السلع مقابل أسعار مرتفعة جدًا.
بعض الأمثلة على السلع والخدمات المحظورة
تضمّ الخدمات المحظورة أنشطة مثل المقامرة غير القانونية والاتّجار بالبشر والبغاء. في 2016 تأثر ما يصل إلى 40 مليون شخص بأنشطة الاتّجار بالبشر، وكان مصير 15 مليون منهم الزواج بالإكراه، وأُجبِر 24.9 مليون آخرين على العمل القسري، 16 مليون تقريبًا في المعامل أو المزارع والاستعباد في المنازل، ووقع 5 ملايين ضحايا لاستغلال الجنسي، وسُخِّر 4 ملايين في أعمال تابعة للدولة. شكلت النساء والفتيات نسبة 99% من المستعبدين في التجارة الجنسية، ونسبة 58% من القطاعات الأخرى. بينما يباع نحو 10 ملايين طفل سنويًا في أسواق العبيد.
وبحسب كتاب (الاتّجار بالبشر – مأساة إنسانية) يشمل الاتّجار أيضًا تجارة الأعضاء وتجنيد الأطفال واستجلاب العرائس بالبريد والتبني، ويصنف مكتب المخدرات والجريمة في الأمم المتحدة التسول القسري في تلك اللائحة أيضًا.
في 2012 بلغت أرباح العمالة القسرية 150 مليار دولار، ثلثاها من أنشطة الاستغلال الجنسي، إذ يكسب تجار هذه الأنشطة 21,800 دولار سنويًا من كل ضحية من ضحاياهم.
وتعد الجرائم الإلكترونية من الأنشطة المحظورة أيضًا، وتشمل سرقة البيانات الشخصية والمالية واستعمالها للولوج إلى الأرصدة المصرفية للضحايا وبطاقاتهم الائتمانية أو للحصول على تسهيلات ائتمانية جديدة. مجرمو الإنترنت ذوو مهارة عالية -أغلبهم بعمر أقل من 25- مُجنّدون في أثناء دراستهم الجامعية. وتُقدِّر الشرطة الأوروبية خسائر الشركات بهذه الأنشطة بنحو 750 مليار يورو سنويًا.
أما البضائع المحظورة فتشمل المخدرات والأسلحة والأعضاء البشرية والكائنات المهددة بالانقراض والنقود المزورة، وتشمل أيضًا الأفلام والبرمجيات والألبومات المُقرصَنة، والمضاربة ببطاقات حضور الأحداث المهمة، والعديد من السلع الأخرى المتداولة في الشوارع.
تقدر شركة غلوبال فاينانشال إنتيغريتي إيرادات أكبر عشر قطاعات من التجارة المحظورة حول العالم:
- التزوير: 1.13 تريليون دولار.
- تهريب المخدرات: 652 مليار دولار.
- التحطيب المحظور:157 مليار دولار.
- التنقيب المحظور: 48 مليار دولار.
- الصيد المحظور: 36.4 مليار دولار.
- تجارة الحيوانات البرية المحظورة: 23 مليار دولار.
- سرقة النفط الخام: 11.9 مليار دولار.
- تهريب الأسلحة الخفيفة: 3.5 مليار دولار.
- تهريب الأعضاء: 1.7 مليار دولار.
- تهريب الآثار والإرث الثقافي: 1.6 مليار دولار.
يبلغ مجموع هذه الأرقام 2.2 تريليون دولار عند إضافة أرباح الاتّجار بالبشر إليها.
يعد التهرب الضريبي للبضائع والخدمات القانونية مثالًا آخر، إذ يشمل كل الأعمال التي تجري بالخفاء ولا تُبلّغ السلطات الضريبية بأي أرباح منها، فيعد مثلًا تقاضي عامل بناء لأتعابه نقدًا وعدم الإفصاح عنها للسلطات الضريبية نوعًا من أنشطة السوق السوداء، فلا غبار على قانونية عمله لكن تهربه الضريبي غير قانوني.
يقدِّر مكتب ضريبة الدخل الأميركي أن 16.3% من الضرائب المستحقة لا تدفع، ما يكلّف الحكومة الفيدرالية 441 مليار دولار سنويًا من 2011 إلى 2013، استرجع المكتب منها 60 مليار دولار، ما قلص الفجوة الضريبية إلى 381 مليار دولار سنويًا. لم تكن كل هذه المبالغ ناتجة عن أنشطة السوق السوداء، لكن تقديرات مكتب الضرائب تعطي صورة تقريبية عن الخسائر التي تسببها تلك الأنشطة المحظورة.
إيجابيات السوق السوداء
توفر السوق السوداء دخلًا وفرص عمل لمن لا تسنح لهم الفرص في السوق الشرعية، فتسمح الأسواق الشعبية مثلًا بالمنافسة بين عشرات رواد الأعمال الذين يبيعون سلعًا متشابهة.
تخفف الأسواق السوداء من تكلفة الأدوية والخدمات الصحية وغيرها من المنتجات الأساسية التي لا يمكن الحصول عليها في الحالة العادية. فمثلًا، قد يعمل طبيب في الريف بتقديم خدمات رعاية صحية منخفضة التكلفة بصورة غير شرعية مقابل أتعاب نقدية لا تدخل في حساب الضرائب.
تساعد الأسواق السوداء في نجاة الاقتصادات التي تعاني في أثناء الكساد، إذ يلجأ الذين فقدوا أعمالهم إلى اقتصاد الظل ويتعيّشون منه إلى حين انتهاء فترة الكساد.
سلبيات السوق السوداء
تُقصي أسواق الظل الصناعات الشرعية التي لا تستطيع المنافسة في ظل انخفاض تكلفة العمليات غير القانونية. ويعمد بعض متنافسي الأسواق السوداء إلى خلق انقطاعات في إمدادات بعض السلع الشرعية بغرض إجبار الناس على الشراء منهم.
وبسبب طبيعة السوق السوداء المتهربة من الضريبة، تفقد الحكومات مصدر إيراداتها التي كان يمكن تحويلها إلى خدمات تقدم للمواطنين. ولأن أجهزة الإحصاء في الدولة تغفل عن أنشطة السوق السوداء، فتكون تقديرات الحكومة عن الناتج المحلي الإجمالي مغلوطة.
من الجدير بالذكر أن العاملين في السوق السوداء لا يتلقون أية تعويضات أو حماية قانونية، ما يعرض أكثرهم للاستغلال. ولا يدخل هؤلاء العمال في عِداد العمالة والبطالة في الدولة لأنهم لا يعتبرون من القوة العاملة.
مثلًا، كان تزايد تعاطي المخدرات أحد أسباب انخفاض معدلات مشاركة القوة العاملة في النشاط الاقتصادي منذ 1999، إذ أجرى آلان كروغر البروفيسور في جامعة يال دراسة على عينة من الشباب غير المنخرطين في القوة العاملة، ووجد أن 20% من انخفاض نسبة المشاركة في النشاط الاقتصادي سببها تزايد استخدام الأدوية الأفيونية من 1999 إلى 2015، وأن نصفهم تقريبًا يتناول المسكنات بهدف معالجة حالات صحية مزمنة، وأن ثلثهم أجبروا على تعاطي الهيرويين عندما نفدت وصفاتهم الطبية ما سبّب إدمانهم.
ووجدت دراسة أخرى أن مليون شخص في أميركا يعانون الإدمان الشديد على العقاقير الأفيونية، ما يشكل 0.5% من مجموع القوة العاملة، ويكلف الاقتصاد 44 مليار دولار سنويًا، ويبطئ نمو الاقتصاد بنسبة 0.2%.
المخاطر التي يتعرض لها المشاركون في السوق السوداء
يخاطر كل من البائعين والمشترين بالتعرض للعقاب بالغرامات أو السجن عند ممارستهم أنشطة محظورة، وحتى إن كانت السلع والخدمات المتداولة قانونية، فإن التهرب الضريبي والسرقة ليسا كذلك.
وإذا لم يلبي المُنتج -وليكن مزورًا مثلًا- متطلبات المشتري فلا يستطيع الأخير اللجوء إلى أي أحد ليشتكي، إذ تُجرى هذه العمليات بلا أي إيصالات دفع أو ضمانات أو كفالات، وفي كثير من الحالات يقع المشاركون في السوق السوداء أنفسهم ضحايا عمليات إجرامية، وعندها لن يتمكنوا من التماس حماية الحكومة. ويتعرض البائعون والمشترون إذًا إلى عواقب عنيفة -كالتهديد بالقوة- عند ممارستهم أنشطة محظورة قانونها الناظم هو البقاء للأقوى.
اقرأ أيضًا:
شركة ماستر كارد تعلن عن دعمها المستقبلي للعملات الرقمية.. لكن ليس ذاتها التي تفكر بها
ترجمة: مالك عوكان
تدقيق: محمد حسان عجك