تعد الثقوب السوداء البدائية أجسامًا غريبةً يُظَن أنها تشكلت في بداية الكون وأنتجت بعد ذلك الكثير من الألغاز الكونية، وقد شكلت مدار بحث الفيزيائيين فترةً من الوقت.
باستخدام تلسكوب عملاق عرضه 8.2 مترًا، يبحث فيزيائيون من جامعة كاليفورنيا وجامعة لوس أنجلس ومعهد كافلي للفيزياء والرياضيات الكونية في اليابان عن علامات لهذه الأجسام، فقد يشير اكتشافهم إلى أن كوننا كان ينتج أكوانًا صغيرةً في بداية نشأته.
ما يأمل الباحثون رؤيته لن يكون مفاجئًا مثل النظر في حقائق أخرى، لكن إذا كانت نماذجهم الجديدة صحيحةً وكانوا صبورين كفايةً، فقد يجدون ثقبًا أسودًا بدائيًا يطفو بيننا وبين مجرة قريبة.
يستطيع هذا الاكتشاف سد فجواتٍ عدة في معرفتنا حول مجموعة كاملة من الظواهر، من طبيعة المادة المظلمة إلى توزع العناصر الثقيلة في جميع أنحاء الفضاء. الأمر الأكثر إثارةً أن ذلك قد يشكل دليلًا على أن كوننا مجرد واحد من العديد من الأكوان في شجرة عائلة متفرعة نشأت يومًا خلال التضخم الكوني، مع استمرار الكثير من الجدل حول هذه النقطة.
تشترك الثقوب السوداء البدائية في الكثير من القواسم المشتركة مع الثقوب السوداء التقليدية التي تكونت نتيجة انهيار النجوم، فمثلًا كلاهما يشكل تراكيز مكثفةً للمادة تضغط الزمكان المحيط بها إلى تفردات. تعد التفردات هياكل غريبةً بحد ذاتها، تتكون من نقاط حيث تلتقي فيزياء تشوه الفضاء التابعة للنظرية النسبية العامة مع المقاييس الأكثر دقةً لميكانيكا الكم. لسوء الحظ، لا تتفق هاتان النظريتان الرئيسيتان على بعض التفاصيل الحاسمة، لذلك لا يمكننا معرفة ماهية التفردات بالكامل. حتى التشوه المحيط بالزمان والمكان يسبب فوضى في بديهياتنا، فيتسلل إلينا الشك بأن كل ثقب أسود هو مفتاح لكون منفصل تمامًا.
لا يعد ذلك بعيد المنال كما يبدو، إذ توجد أسباب وجيهة كثيرة تدفعنا إلى التفكير بأنه فور عبور مراقب ما لأفق الحدث -خط اللا عودة- لا يمكن تمييز المكان والزمان عن كون متوسع مثل كوننا، ما يعني أنه في كل مرة ينهار فيها نجم ليشكل تفردًا، يصبح كوننا والدًا.
تختلف الثقوب السوداء البدائية في احتمالية ظهورها قديمًا حين كان الكون في الثانية الأولى من عمره تقريبًا، وهو الوقت الذي سيطر فيه الإشعاع.
بتطبيق ما يكفي من الضغط في منطقة واحدة عشوائية، يمكن أن ينقلب بحر الضوء المركز على الحافة إلى تفرد، ولأن الظروف قاسية مسبقًا، فإن كمية الكتلة المطلوبة ستكون أقل بكثير من المطلوب حتى لأصغر الثقوب السوداء النجمية.
الثقوب السوداء البدائية هي أفكار مثيرة للاهتمام وبحاجة ماسة إلى أدلة قوية، ولسوء الحظ، فالثقوب الأصغر قد تلاشت منذ فترة طويلة في نفخة من إشعاع هوكينغ، مع أي شيء كبير كفايةً لنلاحظه الآن.
توجد احتمالات لم يستبعدها العلماء بعد، ففي هذا النموذج الجديد، عاد الفريق إلى نظرية تستطيع فيها التأثيرات الكمومية في الفضاء الفارغ أن تشكل ما يشبه فقاعة الفراغ، ما يوفر بذرةً للانهيار.
تظهر حساباتهم أن هذه الظروف -خلال فترة من التضخم السريع- تستطيع خلق ثقوب سوداء بدائية إلى حد ما لمجموعة من الكتل. المثير للاهتمام أن بعضها يطابق ما كنا نتوقعه من المادة المظلمة، فإذا كانت مجموعة من هذه الثقوب السوداء الصغيرة تتصرف مثل المادة المظلمة، فمن المحتمل أن تكون هذه الثقوب مسؤولةً فقط عن جزء منها. طُرحت هذه الفكرة القديمة فترةً من الزمن، وما زالت تبدو غير مرجحة أكثر فأكثر.
ولإضافة المزيد من الشك، فإن الطريقة التي يريد الفريق استخدامها للبحث عن هذه الأجسام قد جُربت مسبقًا. في العام الماضي، استخدم الباحثون كاميرا هايبر الفائقة من تلسكوب سوبارو لجمع نحو 200 لقطة لمجرتنا المجاورة أندروميدا على مدار سبع ساعات، فقط لمعرفة هل يطفو بالقرب منها ثقب أسود بدائي ذو كتلة مقاربة لكتلة قمرنا أم لا؟ تلخصت النتيجة في توقع وحيد، ولم نجد شيئًا مهمًا.
لكن مع هذا النموذج الجديد، يظن الباحثون أنه بانتظارنا فترةً أطول قليلاً، نحو 88 ساعة مثلًا، فقد يحالفنا الحظ، أو نستبعد تلك التوقعات على الأقل.
قد يساهم رصد ثقب أسود بدائي بهذا الحجم في تزويد علماء الكون بمعلومات تساعدهم على تفسير مجموعة من المشكلات المحيرة، فلن يساعدنا فقط على فهم المادة المظلمة، بل إن اصطدامها بالنجوم النيوترونية قد يفسر التدفقات الراديوية السريعة. ربما رأينا مسبقًا تحطمًا بين هذه الثقوب السوداء خفيفة الوزن في إشارة لحدوث موجات الجاذبية التي تحتوي على جميع السمات المميزة لاندماج النجوم النيوترونية من دون وميض.
للتحقق من إجابة هل تحتوي الثقوب السوداء القديمة حقًا أطفال كوننا أم لا؟ فإننا نحتاج إلى بعض الفيزياء الثورية، وستكون أنواع الثقوب السوداء المرصودة في هذه الحالة ما نبحث عنه تحديدًا.
اقرأ أيضًا:
تفسير جديد محبط لعدم رؤيتنا للفضائيين
كل ما تود معرفته عن وجود الحياة على كوكب الزهرة
ترجمة: وسام برهوم
تدقيق: راما الهريسي