يمكن لعدد قليل يصل إلى 22 شخصًا الحفاظ على وجود مستعمرة من النخبة فترةً تكفي لتأسيس وجود بشري على المريخ!
هذا هو الاستنتاج الذي توصلت إليه دراسة جديدة أجراها فريق من الباحثين في الولايات المتحدة، استخدمت النمذجة والمحاكاة الافتراضية لتحديد –مبدئيًا- الحد الأدنى من السكان اللازم لبناء مستعمرة ناجحة تواصل الازدهار على كوكب المريخ. ذلك أقل بكثير من التقدير السابق البالغ 110 شخصًا، الأمر الذي قد يكون أكثر إثارة للاهتمام، لكن تكلفة السفر في رحلة إلى الكوكب الأحمر ترتفع كثيرًا مع كل شخص إضافي.
لا يقتصر الأمر على عدد الأشخاص. وجد الباحثون أن مستعمرة المريخ المحاكاة يجب أن تحتوي أنماطًا متنوعة من الشخصيات كي تعمل معًا فترةً طويلة في بيئة معزولة بالكامل، لتحافظ على استمراريتها.
هذه النتائج لم تُراجع بعد، إذ نُشرت في ورقة بحثية على موقع ما قبل النشر arXiv.
إن إرسال مهمة مأهولة بالأشخاص إلى المريخ في المستقبل القريب للبشرية تبدو حتميةً أكثر من كونها احتمالية.
حتى نبلغ هذه المرحلة، لا نعرف مدى قابلية إنشاء مستعمرة أو قاعدة طويلة الأمد، لكننا نعلم أنها ستكون صعبةً، مع وجود العديد من المشكلات التي يجب حلها.
أوضح الباحثون : «سيعتمد المستعمرون على إعادة الإمداد من الأرض وتجديد الضروريات عبر الوسائل التكنولوجية، إلى جانب استخراج بعض المعادن الأساسية والمياه، وتحليل مياه المريخ إلي أكسجين للتنفس وهيدروجين للوقود».
«إلى جانب التحديات التقنية والهندسية، سيواجه المستعمرون المستقبليون أيضًا تحديات نفسية وسلوكية. نسعى لفهم التحديات السلوكية والنفسية لمستعمري المريخ المستقبليين فهمًا أفضل، من خلال نهج النمذجة القائمة على نظام الوكيل».
النمذجة القائمة على نظام الوكيل هي تقنية تُستخدم عادةً في البحوث الطبية والاقتصادية، وهي عمليات محاكاة حاسوبية مصممة لدراسة تفاعلات وكلاء اتخاذ القرار المستقلين في النظام. مع أن النظام يركز عادةً على الأشخاص، فإنه قد يتضمن أيضًا الأشياء والأماكن والمسار الزمني.
ضمّن الفريق في نموذجهم أربعة أنواع من الشخصيات:
- المقبولون الذين لديهم قدرة تنافسية منخفضة وعدوانية منخفضة ولا يثبتون على الروتين.
- الاجتماعيون الذين يتمتعون بقدرة تنافسية معتدلة وتنافس في التفاعلات الاجتماعية ولديهم تفاعل اجتماعي، لكنهم أيضًا لا يثبتون على الروتين.
- المتفاعلون الذين يتمتعون بقدرة تنافسية متوسطة، وتنافس في التفاعل الاجتماعي، ويهتمون بالروتين.
- العصابيون الذين يتمتعون بقدرة تنافسية عالية، عدوانيون اجتماعيًا، يركزون بشدة على الروتين ويعانون مشكلة الملل.
خُصص أيضًا مهارات لكل وكيل من فئتي الإدارة والهندسة. وأُخذ في الاعتبار عوامل أخرى مثل توفر الموارد، والعلاقات الشخصية، واقتران المهام.
درس الفريق الرحلات البشرية إلى بيئات معزولة شديدة الضغط مثل القارة القطبية الجنوبية والغواصات ومحطة الفضاء الدولية، ليفهموا التحديات والضغوط فهمًا أفضل.
أجرى الفريق خمس جولات من النموذج الخاص بهم على مدار 28 عامًا، مع تغير حجم السكان من 10 إلى 170، بزيادة تدريجية 10 أفراد في كل مرة، ثم اختبروا مجموعات أولية أصغر.
نظرًا إلى وجود أربع مهمات حاسمة يجب تنفيذها باستمرار، مثل إنتاج الهواء والماء والغذاء، وإزالة النفايات والتعافي من الحوادث. حُدد حجم السكان البالغ 10 أفراد حدًا أدنى لمستعمرة مستقرة. ضُمّنت أعداد متساوية من كل نمط من أنماط الشخصية مبدئيًا في كل مجموعة.
بعد 28 عامًا، كان الحد الأدنى لعدد السكان الذي كان قادرًا على الحفاظ على عدد أكبر من 10 أفراد هو 22 شخصًا، لكن دور الشخصية كان عاملًا مهمًا.
أوضح الباحثون: «في جميع التجارب، كان نوع الشخصية المقبولة هو الوحيد الذي بقي على قيد الحياة طوال مدة تجريب النموذج. وهذا على الأرجح لأنه يتمتع بقدرة عالية على التكيف. وبعد فترات طويلة من الزمن تعرض كل وكيل لسلسلة من تفاعلات الضغوط، إضافةً إلى حوادث الفضاء والمسكن».
ليس من الغريب أن أنواع الشخصيات العصابية تمثل عائقًا ضمن المحاكاة. إذ وجد الفريق إن الاضطرابات العصابية تؤدي إلى انخفاض عدد سكان المريخ، فهم يموتون بمعدل أعلى بكثير من أنواع الشخصيات الأخرى. وعند وصول الشخصيات العصابية إلى مستوى منخفض بدرجة كافية، يمكن لبقية السكان أن يستقروا.
لحسن الحظ، فإن هذه المعلومات ليست جديدةً بالنسبة إلى وكالة ناسا، التي تختار بالفعل رواد الفضاء بعد عملية فحص طويلة ودقيقة تتضمن تقييم الشخصية.
مع ذلك، يظهر البحث أهمية إدراج العامل البشري في تخطيط المهمات البشرية.
اقرأ أيضًا:
اكتشاف أدلة جديدة تُشير إلى مناخ موسمي كان قديمًا في كوكب المريخ وربما كان صالحًا لوجود حياة
في مفاجأة غريبة.. المريخ يدور بسرعة أكبر والأيام تصبح أقصر
ترجمة: ياسمين سيد نبوي
تدقيق: جنى الغضبان
مراجعة: أكرم محيي الدين
