كشفت البيانات عن ثورة صامتة في مجال علاج السرطان على مدى ربع قرن، وتوضح دراستنا الأخيرة -التي شملت 25 سنة مضت- انخفاضًا ملحوظًا في معدل وفيات الفئات العمرية المصابة بالسرطان، تزامنًا مع زيادة كبيرة في نسب الإصابة لنفس تلك الفئات، إذن إلام تشير هذه الأرقام؟
لنفترض أن ألف شخص سيقفزون فوق ثلاثة حواجز متتالية، ومن يسقط منهم يُستبعد، وجدنا أن القليل يسقطون عند الحاجز النهائي. فهل يعني ذلك سهولة الحاجز الأخير؟ أم صعوبة الحاجزين السابقين؟ لا توفر لنا هذه الأرقام أي إجابة، والحل البسيط هو حساب نسبة التعرض لخطر السقوط عند كل حاجز، وذلك بتقسيم عدد الأشخاص الذين سقطوا على عدد الأشخاص الذين قفزوا بنجاح.
سيعمل الأمر بالطريقة نفسها في علم الأوبئة. لنفترض أن الحاجز الأول هو الوفاة بنوبة قلبية في سن الستين، والحاجز الثاني هو الوفاة بالسرطان في سن الثمانين، والحاجز الثالث هو الوفاة بالخرف في سن المئة، يعتمد احتمال وفاتك بالسرطان على نجاتك من النوبة القلبية أولًا، وتعتمد وفاتك بالخرف على نجاتك من الأزمة القلبية والسرطان. يرفع التقدم الطبي في مجال أمراض القلب والأوعية الدموية عدد وفيات السرطان، مع أن موقع السرطان من الحواجز لم يتغير.
إضافةً إلى ذلك، إذا انتقل حاجز السرطان إلى سن التسعين، سيُعد تغيرًا مهمًا، وإن بقيت أعداد الوفيات بالسرطان ثابتةً. لدراسة نجاحنا أو فشلنا في علاج السرطان، علينا حساب نسبة التعرض لخطر الإصابة بالسرطان، إضافةً إلى حساب العمر. وكما سيخبرك أي مختص في علم الأوبئة، فإن دراسة معدلات الإصابة بالسرطان حسب العمر، لا بد أن تشمل كلا العاملين. وهذا ما فعلناه، إذ حسبنا معدلات الإصابة بالسرطان ووفياته حسب العمر، بالنظر إلى بيانات البلدان التي تملك سجلات دقيقة فيما يتعلق بالسرطان منذ فترة طويلة، بين عامي 1990 و2016، وهي الدنمارك والنرويج والسويد وفنلندا وأيسلندا وهولندا.
تتأثر أنواع معينة من السرطان بوجود اختراعات محددة أو غيابها، وتتنافس أنواع مختلفة من السرطان على تمويل البحوث، وقدرة المستشفيات وغيرها، ما يجعل المعركة ضد بعض أنواع السرطان أكثر فعاليةً من سواها. ولأننا نلقي نظرةً شاملة على التقدم في كل المجالات، قررنا النظر إلى جميع أنواع السرطان. تبين أنه في الربع الأخير من القرن، تزامن انخفاض وفيات السرطان بنسبة 22٪، مع زيادة معدلات الإصابات بنسبة 22٪ في جميع الأعمار تقريبًا، وقد حدث ذلك تدريجيًا بين عامي 1990 و2016.
كيف يمكننا فهم هذه الأرقام؟ ولماذا يتلازم ارتفاع معدل الإصابة بالسرطان مع انخفاض معدل وفياته؟ نظن أن التشخيص المبكر الدقيق، المصاحب لعلاج محسّن، يسبب انخفاض معدل الوفيات، وارتفاع معدلات الإصابة في الوقت ذاته. قد تتحسن العلاجات نظرًا إلى التحسينات في خطة علاج المريض، أو تحسن الصحة العامة للمرضى عما كانت عليه قبل 26 عامًا. وقد يعني تحسن الصحة العامة تحمّل المريض علاجات السرطان القاسية، التي قد تكون أكثر نجاحًا.
على كل حال، يبدو أنه على مدى 26 عامًا، أدت العديد من الاختراعات والاكتشافات والبروتوكولات والخطط الوطنية لمكافحة السرطان وزيادة الوعي، إضافةً إلى التحسن التدريجي في الصحة العامة، إلى خفض معدل وفيات السرطان بنسبة 22٪، وارتفاع معدل الإصابة بنسبة 22٪ (ما يعني تغير بنسبة 0.75% كل عام تقريبًا). ولا يُعَد هذا التحسن نتيجة تدخل عامل محدد، بل هو أشبه بمجموعة لبنات تشكل المنزل مجتمعةً.
تمتلك البلدان التي شملتها الدراسة مميزات خاصة، إذ إن الرعاية الصحية فيها جيدة ويمكن الوصول إليها. ومع ذلك يمكن نقل الإمكانات المكتشفة في هذه البلدان إلى دول أخرى. ورغم استمرار الوفيات بالسرطان، فإننا نؤجل هذه الوفيات إلى أعمار أكثر تقدمًا، ما يعد فوزًا لنا، وإن لم نشعر بذلك.
اقرأ أيضًا:
ماذا يقول العلم عن تجويع السرطان حتى الموت؟
فحص دم يكشف أكثر من خمسين نوعًا من السرطان ، بعضها قبل ظهور الأعراض
ترجمة: محند سعيد حمادوش
تدقيق: راما الهريسي
مراجعة: أكرم محيي الدين