يعاني أكثر من مليار شخص حول العالم ارتفاع ضغط الدم، الذي يسبب أضرارًا لاحقة لأعضاء الجسم المختلفة متضمنةً الجهاز العصبي.

ربطت العديد من الدراسات السابقة ارتفاع ضغط الدم بارتفاع خطر الإصابة بضعف القدرات الإدراكية والخرف، دون أن تُعرف حتى الآن الآلية وراء تدهور الصحة العقلية.

اكتشف فريق من الباحثين مناطق الدماغ الأكثر تضررًا بسبب أمراض جهاز الدوران. وفقًا لماتيوس سيدلنسكي، عالم الأحياء الطبية في كلية الطب جامعة جاغيلونيان، فإن دراستهم حددت لأول مرة أماكن محددة في الدماغ من المحتمل أن تكشف الارتباط بين ضغط الدم المرتفع وضعف الوظيفة الإدراكية.

استخدم سيدلنسكي وزملاؤه المعلومات الجينية والبيانات التصويرية، مع تحليل البيانات من سجلات 33,000 مريض من البنك الحيوي في المملكة المتحدة، لتحديد الضرر الحاصل بسبب ضغط الدم المرتفع، المساهم في حدوث الخرف.

هذا النهج مكّن الباحثين من تحديد مناطق الدماغ التي يحدث فيها تغيرات بنيوية نتيجة ارتفاع ضغط الدم طويل الأمد، ما يؤدي لاحقًا إلى تدهور الوظيفة الإدراكية والإصابة بالخرف، ومعرفة كيف تبدو تلك التغيرات في صور مسح الدماغ.

يوضح طبيب القلب والأوعية الدموية توماس جوزيك: «افترضنا أنه في هذه المناطق، يؤثر ضغط الدم المرتفع في الوظائف الإدراكية، مثل فقدان الذاكرة ومهارات التفكير والخرف».

تحقق العلماء من صحة الاستنتاجات التي توصلوا إليها، بدراسة مجموعة من مرضى ارتفاع ضغط الدم في إيطاليا، ووجدوا أن مناطق الدماغ المحددة مسبقًا كانت متضررة بالفعل.

أوضحت الدراسات السابقة وجود علاقة بين المادة البيضاء للدماغ والخرف، لكنها لم تحدد ارتباط ذلك بالوظيفة الإدراكية. أظهرت الدراسة الجديدة مناطق المادة البيضاء الأكثر فعالية من سائر المناطق في تحديد الصحة المعرفية، ما يجعل القياسات الشاملة للأنسجة مؤشرًا غير دقيق لتحديد خلل الوظيفة العصبية.

بالتركيز على أجزاء محددة من المادة البيضاء، تمكن الفريق من تحديد التغيرات في تسع مناطق مختلفة تربط ارتفاع ضغط الدم بتدهور وظائف الدماغ.

من هذه الأجزاء، الجزء الموجود في قاعدة الدماغ الأمامي المُسمى بيوتامين، ويُعد أساسيًا في استجابتنا للمحفزات والتعلم، أما المناطق الأخرى المحددة فهي تشارك في الوظيفة التنفيذية واتخاذ القرارات والتنظيم العاطفي، إضافةً إلى مسارات المادة البيضاء التي تعمل بوصفها قنوات اتصال بين مناطق الدماغ المختلفة.

وجد الفريق أيضًا أن التغيرات البنيوية مرتبطة بالفارق بين الضغطين الانقباضي والانبساطي. يؤثر ارتفاع الضغط الانقباضي وضغط النبض -الفرق بين قيمتي الضغط الانقباضي والانبساطي- في انخفاض الوظيفة المعرفية، في حين يؤدي الضغط الانبساطي المرتفع دورًا وقائيًا حال كان الضغط الانقباضي ضمن الحد الطبيعي.

يفسر ذلك النتائج المختلطة التي ظهرت في الدراسات السابقة، التي بحثت الروابط المحتملة بين ضغط الدم وانخفاض الوظيفة المعرفية.

معظم بيانات البنك الحيوي في المملكة المتحدة تعود إلى أشخاص بيض في منتصف العمر، لذلك يجب إجراء المزيد من الدراسات للتحقق من صحة النتائج السابقة وإمكانية تطبيقها على قاعدة سكانية أوسع. مع ذلك، تساعد النتائج السابقة الباحثين على مواصلة البحث في هذا المجال.

يقول جوزيك: «نأمل أن تساعدنا النتائج التي توصلنا إليها على تطوير طرق جديدة لعلاج الضعف الإدراكي لدى المصابين بارتفاع ضغط الدم. دراسة الجينات والبروتينات في هذه البنى المحددة من الدماغ، قد تساعدنا على فهم تأثير ارتفاع ضغط الدم في الدماغ وتسببه في المشكلات الإدراكية».

«بالنظر إلى هذه المناطق المحددة من الدماغ، قد نستطيع توقع الأشخاص الأكثر عرضة لخطر الإصابة بفقدان الذاكرة والخرف، في سياق ارتفاع ضغط الدم».

«يمثل ذلك إضافةً إلى مجال الطب الدقيق، إذ نتمكن من استهداف علاجات أفضل لمنع تطور ضعف الإدراك لدى المرضى الأكثر عرضة للخطر».

اقرأ أيضًا:

مركب في بلازما الدم قد يتنبأ بخطر الإصابة بالخرف

ما الرابط بين فقدان السمع والإصابة بالخرف؟

ترجمة: بتول السليمان

تدقيق: أكرم محيي الدين

المصدر