في دراسة رصدية كبيرة نشرت في المجلة البريطانية لطب العيون، توصل الباحثون إلى وجود صلة بين تلوث الهواء وزيادة خطر نشوء تنكس بقعي مرتبط بالعمر، وهي حالة صحية تؤدي الإصابة بها إلى فقدان البصر تدريجيًا قد تصل إلى العجز البصري الحاد غير القابل للشفاء.
تختلف العوامل الخطرة المسببة للمرض التي تؤدي إلى الإصابة بالتنكس البقعي مثل الإصابة المسبقة بالشيخوخة، وارتفاع ضغط الدم، وزيادة الوزن، فضلًا عن الدور الأساسي للعنصر الوراثي، ومع ذلك، لم يُحدد السبب الواضح. وعُنيت أبحاث كثيرة بفهم الأصول الجينية لمرض التنكس البقعي ودرست قدرة الخلايا الجذعية والعلاجات الجينية على عكس التأثير المرضي أو تثبيطه، ولا بد من إجراء الكثير من الأبحاث لفهم العوامل التي تضع الأفراد في دائرة الخطر.
أصبح تلوث الهواء اليوم مصدر قلقٍ على مستوى الصحة العام وصحة الأفراد وخاصةً في المدن الكبرى في دول العالم. ويساهم في زيادة خطورة الإصابة بالتنكس البقعي بنسبة 8%.
قال البروفيسور بول فوستر من كلية جامعة لندن في بيان صحفي: «حددنا الخطر الصحي الذي يمثله تلوث الهواء، ما يعزز الأدلة ويؤكد الحاجة إلى تحسين نوعية الهواء لفداحة تبعات التلوث على الصحة العامة. تقترح نتائجنا أن العيش في منطقة تعاني تلوث الهواء -لا سيما بالجزيئات الدقيقة والجزيئات الناتجة عن الاحتراقات الناتجة عن الازدحام المروري- يزيد من خطر الإصابة بأمراض العين».
تناول البحث الشامل متعدد القطاعات البيانات الواردة من 115,954 مشاركًا من البنك الحيوي البريطاني (UKBB) ممّن تتراوح أعمارهم بين 40 – 69 عامًا، ولم تسبق إصابتهم بأمراض أو حالات بصرية عند اشتراكهم في البحث عام 2006.
ومع مرور الوقت، يبلغ المشاركون عن أي تشخيص طبي يؤكد إصابتهم بمرض التنكس البقعي. وعند تصوير شبكية العين -التصوير الضوئي بالتماسك غير الغازي- رصد الباحثون جميع التغيرات البنيوية مثل كمية مستقبلات الضوء وثخانتهاًفي شبكية العين، وهي الجزء من العين المعني بالإصابة بالتنكس البقعي، في 52,602 شخص من العينة الأولية من المشاركين ممّن استكمل المجموعات البيانية المتاحة بين عامي 2009 و2012.
علاوة على ذلك، استخدم الباحثون البيانات التي جُمعت من وحدة الإحصاءات الصحية في المناطق الصغيرة -وهي جزء من مشروع المحددات البيئية للصحة في إطار برنامج الصحة البيولوجية بالاتحاد الأوروبي- لحساب متوسط تلوث الهواء السنوي في محيط مساكن للمشاركين. أُخذ ملوثان رئيسيان بشيءٍ من الاهتمام وهما ثاني أكسيد النيتروجين، وأكاسيد النيتروجين، المشار إليها باسم الجسيمات (PM2.5).
من العدد الإجمالي للمشاركين في الدراسة، شُخصت 1,286 إصابة بمرض التنكس البقعي مع مرور الوقت. ومن بين 52,602 مشاركًا خضع لفحوص عينية خلال فترة الدراسة، شُخِص 75% منهم بالتنكس البقعي، كما لوحظت تغيرات هيكلية في العين مرتبطة بإصابتهم تلك في نتائج التصوير الشبكي في نهاية الدراسة. كما لوحظ أن نسبة قدرها 12% من العينة لم يُشخصوا بالتنكس البقعي بشكل سريري إلا أنهم قاسوا تغيرات بنيوية مرتبطة بالحالة.
ووفقًا لعوامل الخطر الإضافية، مثل نمط الحياة والإصابات المشتركة، وجد الباحثون أن المشاركين ممن تعاني مساكنهم التلوث بنسب الجسيمات (PM2.5) الدقيقة الأعلى زاد لديهم خطر الإصابة بالتنكس البقعي بنسبة 8%.
أكدت د. شارون تشوا، من الفريق القائم على الدراسة: «ارتبط التعرض الشديد لملوثات الهواء بالأعراض المرضية للإصابة بالتنكس البقعي. ما يشير إلى إسهام مستويات التلوث الحادة في جعل الخلايا أكثر عرضة للتغيرات الضارة ويزيد من خطر الإصابة بمرض التنكس البقعي».
يلاحظ الباحثون أن هذه الدراسة كانت دراسة رصدية، لا تبحث عن سبب محدد دون آخر، ومع أن النتائج الجديدة التي توصلوا إليها تتوافق مع نتائج دراسات عالمية أخرى، وتجدر الإشارة إلى لزوم مزيد من الأبحاث والاختبارات لفهم الصلة المحتملة بين تلوث الهواء ومرض التنكس البقعي.
يسهم التعمق في إجراء الأبحاث والدراسات لبلورة المعلومات حول أثر تلوث الهواء في الإصابة بالمرض وتفصيلًا الهواء الخارجي وهواء الأماكن المغلقة واختلاف البنية الشبكية للعين وأثر التلوث الناجم عن الحرائق والإصابات العينية السابقة أو تأثير الشيخوخة على الإصابة بأمراض العين. يفضي تكرار نتائج البحث التأكيد على أن تلوث الهواء عاملٌ بشري يؤثر مباشرةً في الإصابة بمرض التنكس البقعي.
اقرأ أيضًا:
علاقة تلوث الهواء بأمراض القلب هل تفيد أجهزة تنقية الهواء ؟
يمكن لمكيفات الهواء أن تتسبب في موتنا بحلول العام 2050
ترجمة: بشرى عيسى
تدقيق: محمد أبو دف