تخيل مستقبلًا لا تكون فيه اتصالات الإنترنت فائقة السرعة فحسب، بل إنها موثوقة أيضًا على نحو ملحوظ حتى في الاكتظاظ الكثيف. هذه الرؤية تحاذي بسرعة متطلبات الواقع، ويعود الفضل للأبحاث الجديدة حول تكنولوجيا الاتصالات ذات تردد تيراهرتز.
فمن المتوقع من هذه الابتكارات تطوير الاتصالات اللا سلكية خاصةً مع تقدم تكنولوجيا الاتصالات نحو جيل جديد من الشبكات 6G. معكم رانجان سينغ مهندس مختص في علم الفوتونيات (علم الكهرباء الضوئية)، وهو دراسة كيفية توليد الضوء والموجات الكهرومغناطيسية الأخرى واكتشافها.
وفي هذا البحث طورنا أنا ومجموعة العمل رقاقة طوبولوجية مشكِّلة للشعاع تتكون من السيليكون.
تشير كلمة طوبولوجي إلى السمات الفيزيائية في السيليكون، التي تساعد على توجيه موجات التيراهرتز، ويشير المصطلح “تشكيل الشعاع” إلى الغاية من الشريحة: وهو تشكيل موجات تيراهرتز في أشعة موجهة.
وتُعد ترددات التيراهرتز ضرورية بالنسبة لتكنولوجيا الجيل السادس (6G) التي تسعى شركات الاتصالات لإطلاقها بحلول عام 2030.
لقد أصبح طيف الترددات الراديوية الذي تستخدمه الشبكات اللاسلكية الحالية مكتظًا بنحو متزايد. ويعد تقدم موجات التيراهرتز حلًا باستخدام الجزء غير المشغول نسبيًا من الطيف الكهرومغناطيسي بين الموجات الدقيقة والأشعة تحت الحمراء.
وبإمكان هذه الترددات الأعلى أن تحمل كمياتٍ هائلةٍ من البيانات، ما يجعلها مثالية لتطبيقات المستقبل كثيفة البيانات. إذ تستقبل الرقاقة إشارة تيراهرتز من مصدر واحد وتجزئها إلى 54 إشارة أصغر، وتُوجه تلك الإشارات بعد ذلك عبر 184 قناة صغيرة تحتوي 134 منعطفًا حادًا.
ويمكن كل شعاع إرسال البيانات واستقبالها بسرعة تتراوح بين 40 إلى 72 جيجابايت في الثانية، وهي أسرع بعدة مرات من شبكات الجيل الخامس الحالية (5G).
وبمساعدة الذكاء الاصطناعي، صممنا الرقاقة بحيث يكون لها نمط قرص العسل المجهري المحدد لتشكيل مسارات لأمواج التيراهرتز، فترسِل مجموعة القنوات أشعة قوية ومركزة تغطي كامل ال°360 درجة حول الرقاقة.
وهذا يتيح للهاتف أو أي جهاز لاسلكي آخر في أي مكان حول جهاز التوجيه (الراوتر) أو أجهزة الاتصالات الأخرى التي تَستخدم الشريحة لاستقبال الإشارة عالية السرعة.
وعرضنا أيضا الرقاقة عن طريق تقسيم إشارة لبث فيديو بدقة HD إلى أربعة حزم إخراج.
مشكِّلات الحزمة في الشبكات اللاسلكية
تمتاز موجات التيراهرتز بنطاق أقصر مقارنةً بإشارات التردد المنخفض المستخدمة في شبكات الجيل الرابع (4G) والخامس (5G).
تعالج مشكِّلات حزمة التيراهرتز هذا التحدي عن طريق توجيه إشارات عالية التردد بدقة لضمان وصولها إلى وجهتها دون خسارة أو فشل.
وتُعد مشكِّلات الحزمة ضرورية للجيل القادم من الاتصالات اللاسلكية، فعلى خلاف الهوائيات التقليدية التي تبث إشارات عشوائية، تركز مشكِّلات الحِزم إشاراتها في اتجاهاتٍ محددةٍ مما يعزز الكفاءة والموثوقية، وتضمن رقاقتنا أن توفر هذه الحزم التغطية في كافة الاتجاهات.
إن هذا النهج المركَّز لا يعمل على توسيع نطاق الاشارة فحسب، بل يحسن جودتها أيضًا حتى على مسافات طويلة.
ومن المرجح أن تلعب مشكِّلات الحزمة دورًا حاسمًا في إدارة الاتصالات المستقرة عن طريق تقليل التداخل مع تزويد العالم بمليارات الأجهزة المتصلة.
المستقبل مع تشكيل شعاع التيراهرتز
إن التأثير المحتمل لرقائق تشكيل حزمة التيراهرتز على الحياة اليومية كبير.
فعلى سبيل المثال، يمكن هذه الرقائق أن تتيح تنزيل فيلم بدقة 4K الفائقة في بضعة ثوانٍ فقط مقارنةً ب11 دقيقة على شبكة وايفاي حاليًا، أو أن تدعم تجارب الواقع الافتراضي والمعزز الغامرة دون أي تأخير.
وإلى جانب الترفيه، قد تجعل هذه التكنولوجيا من التواصل ثلاثي الأبعاد في الوقت الفعلي واقعًا ملموسًا، إذ يظهر الأشخاص في تمثيل مجسمات محاكية للواقع (ثلاثية البعد).
فيمكن للمدن الذكية أن تستخدم هذه التكنولوجيا لإدارة أنظمة المرور والاستجابة لحالات الطوارئ بسلاسة، بينما يمكن أن تستفيد الرعاية الصحية من العمليات الجراحية عن بعد، حيث يتحكم الأطباء في الأدوات الآلية من بعيد.
وتمثل رقاقة تشكيل حزمة التيراهرتز خطوة نوعية إلى الأمام على الطريق نحو اتصالاتٍ أسرع وأكثر دقة من خلال التغلب على تحديات توصيل الإشارات عالية التردد.
اقرأ أيضًا:
نجح العلماء في بناء مسرع للجسيمات على رقاقة سيليكون
المهندسون يقومون ببناء رقاقة حاسوب معالجة من أنابيب الكربون النانوية
ترجمة: سليمان عبد المنعم
تدقيق: جلال المصري
مراجعة: باسل حميدي